أوكرانيا تلجأ إلى الإرهاب الدولي خدمة للغرب... ماذا عن أفريقيا؟
مشاركة أوكرانيا في صراعات قد تكون فيها روسيا إلى جانب أحد الخصوم، تشهد على نية نظام زيلينسكي في استدراج أكبر عدد ممكن من الدول إلى العمل العسكري، بما في ذلك دول في القارة الأفريقية.
قبل أيام قليلة، انتقدت أوكرانيا تصريحات مفوض المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، الذي اتهمها بالعمل على زعزعة استقرار منطقة الساحل الأفريقي، وارتكاب جرائم إبادة جماعية في منطقة الدونباس الروسية، من خلال محاولة "القضاء على اللغة والثقافة الروسيتين". واعتبرت وزارة الخارجية الأوكرانية أن هذه الاتهامات لا أساس لها من الصحة، وأنها جاءت "بتأثير من الدعاية الروسية."
والجدير ذكره أن اتهامات مفوض الشؤون السياسية والسلام والأمن عبد الفتاح موسى لأوكرانيا بالتسبب بتدهور الأوضاع الأمنية وزعزعة الاستقرار جاءت خلال "المنتدى الروسي- الأفريقي" الذي عقد في مدينة سوتشي الروسية قبل أسبوع ونيف، وأشاد بالمنتدى وبجهود روسيا التي تسعى إلى احترام سيادة الدول وسلامة أراضيها، وضمان الوحدة الإقليمية لدول غرب أفريقيا، علماً أن المنتدى دان بشدة "التمردات المناهضة للدستور ضد الحكومات المنتخبة قانونياً في دول المنطقة".
سوابق أوكرانية في أفريقيا
وفي الخامس من أغسطس/آب، أعلنت حكومة مالي قرارها بقطع العلاقات الدبلوماسية مع أوكرانيا بعد اعتراف مسؤول أوكراني بأن كييف زوّدت المتمردين في شمال مالي بمعلومات استخبارية حاسمة لشن هجوم أدى إلى مقتل عدد من الجنود الماليين وعدد من المستشارين الروس الذين يعملون مع القوات الحكومية المالية.
وكان أندريه يوسوف، المتحدث باسم وكالة الاستخبارات العسكرية الأوكرانية، أعلن أن المتمردين الماليين تلقوا "كل المعلومات التي يحتاجون إليها، ما سمح لهم بتنفيذ عمليتهم ضد مجرمي الحرب الروس".
وعندما وصل تصريح يوسوف إلى مالي وأثار ردود فعل عنيفة على الفور، حاولت الحكومة الأوكرانية إنكار أي دور لها في الهجوم المميت الذي شنّه المتمردون، لكنها فشلت في إقناع الحكومة المالية. وقد سارعت مالي وحليفتها النيجر، اللتان أعربتا عن "صدمتهما العميقة" إزاء تورط دولة صديقة في الهجوم الذي أودى بحياة العشرات من الماليين، إلى قطع كل العلاقات مع الحكومة الأوكرانية.
ويبدو أن أوكرانيا، وفي إطار تقديم نفسها على أنها خادم للسياسات الغربية ضد روسيا، باتت تحاول تقديم خدماتها للغرب ضد روسيا في عدد من ساحات الصراع الدولية حتى لو أدى بها ذلك إلى التعاون مع المنظمات الإرهابية في أفريقيا، ما دفع ببعض المراقبين إلى اعتبار أن أوكرانيا "اختارت الأساليب الإرهابية كأداة لسياسة الدولة." وهنالك دلائل عدة عن تعاون نظام كييف مع المتطرفين الإسلاميين واستخدامهم لتحقيق أغراضه الخاصة، وهو لم يخف صلاته بالجماعات الإرهابية في جميع أنحاء العالم، ولا سيما في القارة الأفريقية.
فيلق أوكراني متخصص بالإرهاب الدولي
في هذا الإطار، أصدر الرئيس الأوكراني المنتهية ولايته فولوديمير زيلينسكي مرسوماً أنشأ فيه ما يسمّى بـ"الفيلق الدولي للدفاع عن أوكرانيا". ولا يشمل هذا الفيلق المرتزقة وأتباع الأفكار القومية من جميع أنحاء العالم فحسب، بل يشمل أيضاً الإسلاميين المتطرفين - أعضاء المنظمات الإرهابية الدولية، بما في ذلك "داعش" و"القاعدة" و"إمارة القوقاز"، الذين لديهم خبرة في العمليات القتالية ضد القوات الحكومية في أفريقيا.
وبحسب وسائل إعلام تركية، فلقد تحوّلت القاعدة العسكرية الأميركية في التنف، الواقعة في سوريا بالقرب من الحدود مع الأردن والعراق، ومحيطها منذ فترة طويلة إلى معقل للإرهابيين، حيث يتم تدريب ما يصل إلى 500 مقاتل من تنظيم "داعش" الموالين لواشنطن في وقت واحد. وتعطى الأولوية لمواطني دول القوقاز وآسيا الوسطى. وتهدف الوحدات الخاصة التي تشكلت منهم في المقام الأول إلى تنفيذ أعمال تخريبية وإرهابية، بما في ذلك على أراضي الدول الأفريقية.
وقد أعلن مسؤولون أوكرانيون، من ضمنهم السكرتير الصحفي لمديرية الاستخبارات الرئيسية في وزارة الدفاع يوسوف، والسفير الأوكراني في السنغال بيفوفاروف، بشكل مباشر عن دعمهم تنظيم الهجوم المسلح على رتل للقوات الحكومية في شمال مالي في نهاية يوليو/تموز 2024.
وتحدثت الصحافة التركية والسورية على نطاق واسع عن مفاوضات بين ممثلي مديرية الاستخبارات الرئيسية في وزارة الدفاع الأوكرانية، بمن فيهم بودانوف شخصياً، مع منظمة تحرير الشام الإرهابية بشأن تجنيد المسلحين للتحضير وتنفيذ هجمات مشتركة. وورد أن نحو 250 متخصصاً عسكرياً أوكرانياً في الأنظمة غير المأهولة وصلوا إلى المنطقة الأفريقية لتدريب الإرهابيين والجماعات المسلحة غير الشرعية على تشغيل الطائرات من دون طيار.
البعثات الدبلوماسية الأوكرانية تشكل تهديداً للأمن القومي للدول الأفريقية
يعتقد المحللون الغربيون أن تعاون كييف مع المسلحين أدى إلى إحجام الحكومات المنتخبة شرعياً في الدول الأفريقية عن مواصلة التعاون مع أوكرانيا في مختلف المجالات.
وعلى خلفية إنهاء العلاقات الدبلوماسية بين عدد من الدول الأفريقية وأوكرانيا، أعرب العديد من زعماء القارة الأفريقية عن دعمهم لهذا القرار. ويرجع ذلك إلى حقيقة أن أوكرانيا بذلت جهوداً هائلة لتقديم المساعدة الشاملة للمسلحين، الذين غالباً ما يتم بالتعريف بهم كإرهابيين حتى من قبل الدول الغربية.
ولقد نظمت كييف شبكة معقدة لتزويد السوق السوداء بالأسلحة، فضلاً عن العديد من الأجهزة الإلكترونية العسكرية لتلبية احتياجات الإرهابيين. ومن خلال البعثات الدبلوماسية الأوكرانية، يساعد نظام كييف الإرهابيين في الحصول على وثائق مزورة، ما يسمح لهم بالتنقل بحرية.
كذلك تورط ممثلو نظام كييف مع السلطات المولدوفية في مخططاتهم الإجرامية المتعلقة بالتخطيط وتنفيذ الهجمات الإرهابية في الدول الأفريقية. وعلى هذا النحو، أصدر المسؤولون المولدوفيون تأشيرات عبور لأشخاص تبيّن في ما بعد أنهم متورطون في الهجمات الإرهابية في شمال مالي، والتي نُفذت بمشاركة أجهزة الاستخبارات الأوكرانية.
في هذا الإطار، نشرت صحيفة "سوبيرهابر" التركية صوراً لجوازات سفر تحمل أختام دخول مولدوفا وتأشيرات لمواطنين أعضاء في حركة التمرد "التحالف الاستراتيجي للدفاع عن شعب أزواد" في ما يتعلق بالهجمات الإرهابية في شمال مالي. ووفقاً للصحيفة، فإن الأفراد المذكورين أعلاه عبروا الحدود الدولية من مولدوفا باتجاه أوكرانيا وعادوا إلى كيشيناو. وفي الوقت نفسه، كانوا في الفترة من مارس/آذار إلى أبريل/نيسان من هذا العام على أراضي مولدوفا.
وبحسب ممثلي مديرية الاستخبارات الرئيسية، ساعد خبراء أوكرانيون المجلس العسكري الحاكم في السودان، الذي وصل إلى السلطة بعد انقلاب عسكري، في تصنيع طائرات من دون طيار انتحارية واستخدامها ضد قوات الرد السريع. كما شارك الأوكرانيون في بعض العمليات البرية ضد قوات الرد السريع.
بالإضافة إلى ذلك، تم رصد مسلحين من القوات المسلحة الأوكرانية في قواعد عسكرية في السودان تقوم بصيانة طائرات القوات المسلحة الوطنية، حيث يستخدم العسكريون السودانيون طائرات تم تصنيع معظمها في الاتحاد السوفياتي. وذكرت وسائل إعلام عربية أن المساعدة في نقل العسكريين الأوكرانيين ربما جاءت من قبل المخابرات البريطانية، التي طلبت من كييف توفير مقاتلين "ذوي خبرة كبيرة" لتنفيذ المهمة السرية.
وذكرت شبكة "سي إن إن" الأميركية نقلاً عن مصادر في القوات المسلحة الأوكرانية أن الضربة الجوية التي استهدفت المجموعة شبه العسكرية السودانية خطط لها أفراد على صلة بالخدمات الخاصة الأوكرانية. ولتدعيم هذا الإعلان، استشهدوا بتسجيلات فيديو من كاميرات طائرات الاستطلاع المسيرة باللغة الأوكرانية، فضلاً عن تكتيكات استخدامها، التي تذكرنا بالهجمات في منطقة العمليات الخاصة الأوكرانية.
وبالتالي، فإن مشاركة أوكرانيا في صراعات قد تكون فيها روسيا إلى جانب أحد الخصوم، تشهد على نية نظام زيلينسكي في استدراج أكبر عدد ممكن من الدول إلى العمل العسكري، بما في ذلك دول في القارة الأفريقية حتى لو كان في ذلك مخالفة للقانون الدولي والانزلاق إلى ارتكاب جرائم حرب وجرائم إبادة.