تركيا وإيران.. تتفقان في التشخيص تختلفان في العلاج
في تركيا، تدعو المعارضة الرئيس إردوغان إلى توضيح ما قاله عن خطر الكيان الصهيوني على تركيا، باعتبار أنها ضمن خريطة ما يسمّى بـ"أرض الميعاد"، وحيث الفرات ودجلة ينبعان من الأراضي التركية.
في خطابه الذي ألقاه في البرلمان بمناسبة السنة التشريعية الجديدة، كان الرئيس إردوغان واضحاً في تشخيصه مجريات الأحداث في المنطقة، وهو ما أثار نقاشاً واسعاً في الأوساط السياسية والإعلامية والشعبية، بعد أن خصصت الصحف وجميع محطات التلفزيون الحكومية أخبارها وبرامجها لما جاء في هذا الخطاب.
وقال إردوغان " أقولها بصراحة، إن الهدف التالي لحكام إسرائيل الذين يتحدثون بوقاحة عن سخافات أرض الميعاد، ومن منطلقات دينية متطرفة هو تركيا بعد فلسطين ولبنان. وكل ما نشهده الآن هو في هذا الإطار، وعلى عشاق إسرائيل والصهيونية أن يفهموا هذه الحقيقة التي لا يخفيها نتنياهو وعصاباته. والمسافة بين أنطاكيا التركية والحدود السورية-اللبنانية نحو 170 كم أي نحو ساعتين ونصف الساعة فقط.
وهذا هو الخطر الذي نتحدث عنه، وسوف نستعد له ونواجهه، مهما كلفنا ذلك. فـ"إسرائيل" لا تعتدي على غزة فحسب، بل تستمر في عدوانها على الضفة الغربية وإيران واليمن وسوريا، ولا تلتزم باتفاقياتها مع مصر. ولهذا، إننا نستمر في تعاوننا مع مصر والعراق، ونسعى من أجل المزيد من الحوار الجاد مع سوريا. وعلى العالم الإسلامي أن يقف إلى جانب الحكومة والشعب اللبناني في دفاعه عن وطنه، وهذا ما سنفعله نحن في تركيا، حكومةً وشعباً، لمساعدة لبنان ضد العدوان الإسرائيلي الهمجي".
كلام الرئيس إردوغان هذا جاء قبل يوم من انطلاق الصواريخ الإيرانية باتجاه الأهداف الإسرائيلية رداً على اغتيال الكيان الصهيوني للسيد حسن نصر الله وعباس نيلفروشان، أحد قادة فيلق القدس، ومن قبلهما إسماعيل هنية في طهران.
وجاءت أقوال الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان بعد يوم من هذا القصف لتؤكد اتفاقه والرئيس إردوغان في ما يتعلق بتشخيص الواقع الذي تعيشه المنطقة بسبب العدوان الهمجي الصهيوني على لبنان، بعد أن قام بما قام به من جرائم وحشية في غزة والضفة الغربية.
وقال بزشكيان "إذا لم نتحد أمام هذا العدوان في غزة ولبنان اليوم، فسوف يأتي دور بقية الدول الإسلامية غداً".
أقوال الرئيسين إردوغان وبزشكيان لا يدري أحد كيف انعكست على مباحثات بزشكيان في الدوحة مع الأمير تميم آل ثاني، حليف إردوغان الاستراتيجي، وكذلك لقاء وزير الخارجية الإيراني عراقتشي مع وزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي، مع المعلومات التي تتحدث عن وصول طائرات أف -35 و أف-22 إلى القواعد الأميركية في قطر لحماية الكيان الصهيوني في حال نشوب حرب إقليمية ستديرها واشنطن من هذه القواعد، كما فعلت ذلك خلال احتلال أفغانستان والعراق.
ولا يدري أحد أيضاً هل وكيف انعكست أقوال إردوغان وبزشكيان على مباحثات الرئيس السيسي ورئيس دولة الإمارات محمد بن زايد خلال زيارته لمصر الخميس 3 أكتوبر مع استمرار التجاهل العربي للعدوان الصهيوني الإجرامي على غزة والضفة الغربية والآن لبنان.
تقف الأنظمة العربية موقف المتفرج حيال هذه الجرائم في الوقت الذي لا تخفي فيه أبواق هذه الأنظمة فرحتها من "الانتصارات " التي حققها ويحققها الكيان الصهيوني في غزة والضفة الغربية والآن في لبنان وضد حزب الله، وكأنه هو العدو بالنسبة إلى هذه الإبواق وأسيادها الذين اتخذوا الموقف نفسه في حرب تموز/يوليو 2006.
وفي المقابل، في تركيا، تدعو المعارضة الرئيس إردوغان إلى توضيح ما قاله عن خطر الكيان الصهيوني على تركيا، باعتبار أنها ضمن خريطة ما يسمّى بـ"أرض الميعاد"، وحيث الفرات ودجلة ينبعان من الأراضي التركية.
ويناشد قادة حزب "الشعب" الجمهوري الرئيس إردوغان إغلاق القواعد الأميركية في تركيا، وأهمها قاعدة كوراجيك، جنوب شرق البلاد، ومهمتها الأساسية رصد كل التحركات العسكرية الإيرانية بما فيها إطلاق الصواريخ باتجاه الكيان الصهيونى. كما تطالبه بالمصالحة العاجلة وغير المشروطة مع سوريا، باعتبارها خط المواجهة الرئيسي مع "إسرائيل"، فيما يقول إردوغان "إنها العدو الرئيسي لتركيا".
ومن دون أن يهمل الإعلام المعارض الإشارة إلى الدور الذي تلعبه أذربيجان في دعم الكيان الصهيوني، ويناشد الرئيس إردوغان إغلاق أنبوب النفط الذي يصل إلى ميناء جيهان التركي من أذربيجان ليغطي نحو 60٪ من استهلاك الكيان الصهيوني من البترول، وخاصة في هذه الفترة المهمة.
ويذكّر هذا الإعلام أن أذربيجان ذات الأصل التركي هي جارة لكل من تركيا وإيران معاً، وهي حليف استراتيجي عسكرياً واستخبارياً للكيان الصهيوني الذي يتصيّد الفرص ضد تركيا وإيران والمنطقة، وعلى حد قول الرئيسين إردوغان وبزشكيان، ويتطلب ذلك منهما معاً التنسيق والتعاون بل والعمل المشترك الفوري ضد العدو المشترك لهما وللعرب، بل وحتى الكرد، ما دام الجميع بكل أديانهم ومذاهبهم يعيشون داخل الجغرافيا التي يقول الصهاينة، وفق مصطلحاتهم الدينية المتطرفة، وعلى حد قول إردوغان، إنها تقع بين النيل وكل من الفرات ودجلة، وهي لهم، وهم جادون في الاستيلاء عليها مهما كلفهم ذلك من القتل والإجرام والإرهاب.
وأثبتت الأحداث الأخيرة، ليس فقط في فلسطين ولبنان، بل قبل ذلك في سوريا وإيران، أنهم جادون في ذلك، وإلى أن يثبت العرب والمسلمون بانتماءاتهم القومية والطائفية كافة أنهم متفقون في الحد الأدنى على العمل المشترك، وهدفه الأساسي وضع حد نهائي لغطرسة الكيان الصهيوني وتلقينه الدرس الذي يستحقه وقبل أن يتمادى في عدوانه.