بفعل المقاومة.. لبنان من دولة صغيرة إلى فاعل إقليمي
هذه الخطوة قد تدفع الدول المحاصرة إلى فك الحصار بشكل كلي أو جزئي، ليس لدوافع نبيلة، بل لقطع الطريق أمام إيران والمقاومة ومنعها من تسجيل نصر جديد في الساحة اللبنانية.
بالتأكيد، لم تكن ذكرى إحياء مراسم عاشوراء في لبنان هذا العام مجرّد ذكرى دينية يتم إحياؤها سنوياً، بل تضمنت رسائل سياسية داخلية وخارجية، فضلاً عن الجوانب النفسية والعسكرية، إلى جانب نظيرتها الإنسانية.
تمثّل ذلك في إعلان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله توجهات الحزب والشرفاء من اللبنانيين لاستقدام مصادر الطاقة إلى لبنان، بعدما شهد مؤخراً موجة جفاف في هذه المصادر، نتيجة العقوبات والحصار الإرهابي الاقتصادي على لبنان ضمن ما سمي بقانون "قيصر"، وكذلك نتيجة رفض الحزب وحلفائه تقديم أي تنازلات للولايات المتحدة الأميركية والكيان الصهيوني في عدد من الملفات الحساسة، سواء ما يتعلق منها بلبنان ومصيره، وخصوصاً "مفاوضات ترسيم الحدود البحرية وسلاح المقاومة"، أو في ما يتعلق بالموقف الرافض للمشاريع الأميركية في المنطقة، ورفض صيغة ما سمي بـ"صفقة القرن"، واستمرار دعم اليمن وسوريا في مواجهتهما الإرهاب والاحتلال الخارجي.
وبالتالي ما وصف بأنه معادلة الردع الجديدة التي أرست المقاومة الإسلامية في لبنان معالمها خلال إحياء مراسم عاشوراء، هو صيغة أكثر تطوراً من الصيغ السابقة، وخصوصاً أن المتابع لمسار حركة السفينة، والتي سميت بـ"سفينة الحياة"، نسبة إلى أنها ستخرج حياة المواطنين اللبنانيين من غرفة العناية المشددة، وستعيد المؤسسات والقطاعات بمختلف مجالاتها إلى العمل، يجد أنها تزيد على 4 آلاف كم، من أحد مرافئ الجمهورية الإسلامية الإيرانية، مروراً بمضيق هرمز والخليج الذي تتمركز فيه قوات الأسطول السادس الأميركي، ومن ثم بحر العرب، وصولاً إلى البحر الأحمر وقناة السويس، وانتهاء بالشواطئ اللبنانية، وبالتالي إن اعتبار هذه السفينة لبنانية بمجرد إبحارها، وتوجيه التهديد العلني والواضح والصريح للقوات الأميركية أو الصهيونية في حال استهدافها، يأخذنا إلى عدة نقاط أو ملاحظات يمكن لأي متابع للشؤون السياسية والعسكرية وحتى الجيبولوتيكية الوصول إليها:
حزب الله ممثلاً بأمينه العام السيد حسن نصر الله يستغل هزيمة الولايات المتحدة في أفغانستان، ويزيد حالة تأزم هيبة إدارتها على الصعيدين الداخلي والخارجي بهذا التحدي. من الناحية النظرية، هذا التحدي غير جدير بالمقارنة بين قوة عظمى "أميركا" وكيان يمتلك كل الدعم الغربي "إسرائيل" في مقابل حزب الله، وهي حركة لا تتعدى عدد قواتها عشرات الآلاف من المجاهدين، ولكن من الناحية العملية هو تعبير عن تحدي محور كامل، وهو محور المقاومة، لعنجهية الولايات المتحدة الأميركية وهيبتها التي "تلطخت في مستنع من الطين"، بعد الخروج الهزيل من أفغانستان، ولاستكبار الكيان الصهيوني، الذي أثبت الواقع منذ العام 2006 وحتى رد المقاومة الأخير في مزارع شبعا المحتلة على اعتدائه مؤخراً على جنوب لبنان أنه أوهن من بيت العنكبوت.
من هنا، تكمن أهمية معادلة الردع الجديدة التي باتت تشكل حلقة وصل مترابطة في الجغرافيا، من الشواطئ الإيرانية، وصولاً إلى الشواطئ اللبنانية. ولعلها تكريس للمعادلة السابقة التي أعلنها السيد حسن نصر الله عندما أكد وجوب تحويل أي اعتداء على الأقصى إلى حرب إقليمية.
النتيجة الثانية هي تحدّي حزب الله للكيان الصهيوني والقوات الأميركية، وهو يعني أنه في حال الاعتداء على السفينة، سيكون هناك رد حتمي وقطعي من الحزب أو من قوى المقاومة على ذلك، سواء على الجهة التي ستعتدي بشكل مباشر أو على الأراضي المحتلة في فلسطين أو ضد القواعد والقوات الأميركية في المنطقة أو على المناطق التي تحتلها في العراق أو شرق سوريا، أو حتى على إحدى السفن الأميركية أو الإسرائيلية، وهو ما قد يفتح مجالاً للتجاذبات والتكهنات الأميركية الصهيونية خلال الفترة القادمة عن مدى امتداد صواريخ الحزب ونوعيتها، وهل يمتلك الحزب قوات بحرية من نخبة الضفادع أو مقاتلين ضمن زوارق؟ ونوعية الأهداف التي وضعت للاستهداف في حال الاعتداء على السفينة وطبيعة بنك المعلومات وبنك الأهداف!
هذا الأمر يؤكد جهوزية المقاومة بالكامل، رغم كل التقارير الإسرائيلية التي تحدثت عن استنزاف مقدرات الحزب في سوريا ولبنان، وهو ما قد يرفع تأييد جمهور المقاومة في سلوكها ومواقفها وخياراتها، حتى من طرف خصومها السياسيين. وخير مثال على ذلك عندما غرد أحد قادة القوات اللبنانية، وهو سيزار معروف، خارج سرب أقطاب 14 آذار، بقوله إنه يفضل النفط الإيراني على أن يبقى في حالة ذلّ.
كما أن هذه الخطوة قد تدفع الدول المحاصرة إلى فك الحصار بشكل كلي أو جزئي، ليس لدوافع نبيلة، بل لقطع الطريق أمام إيران والمقاومة ومنعها من تسجيل نصر جديد في الساحة اللبنانية، وربما هذا هو السبب الذي دفع السفيرة الأميركية في لبنان إلى القول بإمكانية فتح خطوط إمداد لبنان بطرق أخرى، بالطاقة عبر الغاز المصري، مروراً بالأردن وسوريا. وبذلك يتمثل مضمون النتيجة الثالثة.
أما النتيجة الرابعة، فإنَّ المقاومة الإسلامية التي تبنَّت إيديولوجية المقاومة، ورفعت شعار التحرير ومواجهة الاحتلال منذ توقيع "وثيقة التسعة" في العام 1982، ومن ثم "الرسالة المفتوحة" في العام 1985، والوثيقة السياسية في العام 2009، لن تتخلى عن واجبها وعقيدتها في الاستمرار في الدفاع عن الشعب اللبناني بكل ألوان طيفه وفئاته، وبغض النظر عن مواقفه، ومن خلال كسر الحصار المفروض عليه، لأنَّ هذا الحصار وكسره من المنظور المقاوم هو جزء من ردع الاحتلال والتصدي لمشاريعه.
أما النتائج التي يبنى عليها إعلان السيد، فهي أنَّ سفينة المحروقات الأولى التي ستنطلق من إيران إلى بيروت أنجزت كل أعمالها وستبحر خلال ساعات. هذا يعني أنها لن تكون الأولى، ولكن ربما تأخرها كان بسبب إعطاء فرصة للحكومة اللبنانية لتأمين مصادر الطاقة وتفادي الحرج، وقد يكون بسبب تأخر تأمين طرق وصولها، وقد يكون توقيتها أيضاً له علاقة عضوية باستلام إدارة الرئيس إبراهيم رئيسي المحافظة الحكم في إيران.
المقاومة اليوم، وبفعل تراكم قوتها وخبراتها التراكمية، ونتيجة تطور نوعية قدراتها العسكرية ومواقفها الجادة والملتزمة وتنفيذ تهديداتها وما تلتزم به من تعهدات.. خبرها الأعداء قبل الأصدقاء، حولت دولة لبنان من أصغر دولة جغرافية على الخارطة الدولة إلى أكبر وأقوى فاعل إقليمي في الشرق الأوسط يتحدى الهيمنة الأميركية والغطرسة الصهيونية.