التطبيع مع موريتانيا... فشل إسرائيليّ جديد

خلال الأشهر الماضية تكثّفت مساعي "إسرائيل" للتطبيع مع موريتانيا، في ظلّ نفي موريتاني رسميّ لوجود أيّ اتصالات مباشرة مع الكيان الإسرائيلي، وتأكيد رفض التطبيع معه.

  • التطبيع مع موريتانيا... فشل إسرائيليّ جديد
    التطبيع مع موريتانيا... فشل إسرائيليّ جديد

لم تتوقّف المساعي الإسرائيلية المحمومة لاستعادة العلاقات الكاملة مع البلد العربي والإسلامي المهم، موريتانيا، منذ قطعها من قِبل الموريتانيّين في العام 2009، احتجاجاً على الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة على الشعب الفلسطيني.

وخلال الأشهر القليلة الماضية تكثّفت مساعي "إسرائيل" في هذا المجال، في ظل نفي موريتانيّ رسميّ لوجود أيّ اتصالات مباشرة مع الكيان الإسرائيلي، وتأكيد رفض التطبيع معه، على الرغم من المغريات المالية والاقتصادية والضغوط السياسية التي تُمارَس على النظام الموريتاني، والتهويل عليه بمخاطر ما يُسمّى "الحلف الجزائري-الإيراني" في المنطقة على أمن موريتانيا ومصالحها الحيوية.

ففي شهر آذار/مارس الماضي، ونقلاً عن مصادر سياسية لم تُسمّها، ذكرت صحيفة "إسرائيل اليوم" أن "وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين يعمل على تطبيع العلاقات مع موريتانيا والصومال والنيجر وإندونيسيا".

وأضافت: "بالطبع، يشارك رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في جهود وراء الكواليس، تماماً مثل وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، ومستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان، و(الوسيط الأميركي) آموس هوكستين، الذي توسّط في الاتفاق الإسرائيلي-اللبناني لترسيم الحدود البحرية بين البلدين".

ووفق الصحيفة، فإن "المفاوضات مع موريتانيا في حالة متقدّمة، كما ألمح كوهين في اجتماع مع وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بربوك، وطلب خلاله منها رسمياً مساعدة إسرائيل في تحقيق انفراج مع موريتانيا والنيجر". غير أن ألمانيا نفت وجود أيّ علاقة بين زيارة مساعدة وزيرة خارجيتها، كاتيا كول، إلى موريتانيا، والضغوط على حكومة نواكشوط للتطبيع مع "إسرائيل".

كما أكّدت الحكومة الموريتانية عدم وجود أيّ اتصالات للتطبيع مع "إسرائيل"، بحسب ما روّجت له وسائل إعلام إسرائيلية. وقال الناطق الرسمي للحكومة الموريتانية، النافي ولد أشروقة: "ليست لدينا علاقات مع إسرائيل، ولا تربطنا أيّ اتصالات بها".

يُذكر أن المزاعم الإسرائيلية في هذا المجال كانت قد ظهرت وتكرّرت منذ أعوام، في دلالة على الأهمية التي توليها "إسرائيل" لموريتانيا والدول المجاورة لها، في سياق الاستراتيجية الصهيونية لاختراق الدول الأفريقية وفرض التطبيع عليها، وفي إطار مقولة أن التطبيع مع الأنظمة هو الخيار الأفضل، بعد فشل كل محاولات التطبيع الإسرائيلية مع الشعوب العربية والمسلمة طيلة العقود الماضية.

ففي أيلول/سبتمبر من العام 2020، وبعيد تطبيع الإمارات والبحرين لعلاقاتهما مع "إسرائيل" برعاية أميركية، أكّد مصدر في وزارة الخارجية الموريتانية أنّ بلاده "غير مُقبلة على التطبيع مع إسرائيل"، وأنه "لا وجود لأيّ ترتيبات أو استعدادات بهذا الخصوص".

وقد سبق لموريتانيا أن أقامت علاقات مع "إسرائيل" تحت ضغوط أميركية عام 1999 في عهد الرئيس المخلوع معاوية ولد الطايع. وظلّت هذه العلاقات مرفوضة من كلّ أطياف الشعب الموريتاني، ومحلّ انتقادات من جانب السياسيين الذين ظلّوا يطالبون بوقف التطبيع مع "إسرائيل"، مُعتبرين أنه أحد الأسباب الرئيسية التي أدّت إلى الانقلاب على حكم ولد الطايع.

في آب/أغسطس من العام 2021، كشف دبلوماسي إسرائيلي عن حالة من الإحباط من إمكانية إقدام موريتانيا على التطبيع مجدّداً مع الاحتلال الإسرائيلي. وقال السفير الإسرائيلي السابق لدى مصر، إسحاق ليفانون: "ذات مرّة كانت لنا علاقات دبلوماسية مع موريتانيا، وكان لنا سفراء في العاصمة نواكشوط، وبقيت العلاقات في مستوى السفارة عشر سنوات، إلى أن قطعتها موريتانيا في أعقاب الحرب على غزة عام 2008".

ولفت إلى أن "إسرائيل فعلت مع موريتانيا ما لم يفعله الآخرون. ولكنّ تسلّل الجهاد الإسلامي إلى أفريقيا مسّ بموريتانيا. ورغم الأسوار التي أقاموها، فقد تسلّل الإسلام الأصولي إلى المجتمع، وزعماء تغيّروا".

وفي سياق المحاولات الإسرائيلية الفاشلة، نفت وزارة البيئة في الحكومة الموريتانية، في شهر آذار/مارس من العام الجاري ما نشره موقع قناة i24news   الإسرائيلية بخصوص مشاركة ممثّل عن وزارة البيئة والتنمية المستدامة في موريتانيا في برنامج تكويني منظّم في "إسرائيل". وأضافت الوزارة أنها تنفي صحّة ما سمّته "هذا المقال المزعوم بشكل قاطع"، مؤكّدة أنها تندّد "بتضليل الرأي العام بنشر المقالات الكاذبة".

وقد أثار هذا الخبر احتجاج المبادرة الطلّابية الموريتانية لمناهضة الاختراق الصهيوني وللدفاع عن القضايا العادلة، التي أكّدت "أنه خيانة صريحة لثوابت الأمّة ومقدّساتها، وخرق سافر لإجماع الشعب الموريتاني الأصيل الرافض لكلّ أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني".

في المقابل، لا تزال هناك اتجاهات أو آراء محدودة في موريتانيا تؤيّد أو تدعو إلى إعادة العلاقات مع الكيان الإسرائيلي من أجل الاستفادة من النفوذ الإسرائيلي المتنامي في المنطقة، خاصة بعد نجاح مساعي التطبيع مع الإمارات والبحرين والمغرب والسودان، ولو بضغوط أميركية مباشرة. هذا مع العلم أن ذلك التطبيع، إن حصل، سيخدم المصالح الإسرائيلية بالدرجة الأولى، وسيضرّ قطعاً بمصالح وأمن دول المنطقة، بما فيها موريتانيا نفسها.

فحين تقبل موريتانيا التطبيع، ستنال "إسرائيل" تنسيقاً أمنياً، وانتعاشاً اقتصادياً من خلال توسيع دائرة الصادرات الإسرائيلية؛ إضافة إلى انسيابية مرور داخل نسيج المنطقة، ما يسمح لها بتحديد خططها المستقبلية الإقليمية. وموريتانيا تتمتّع بموقع استراتيجي بالنسبة لدول المغرب العربيّ، من الناحية السياسية والإقليمية، خصوصاً مع امتلاكها لموانئ مهمة، وثروات طبيعية، ذات أهمية بالغة للاقتصاد الإسرائيلي.

أيضاً، إنّ لـ "إسرائيل" دائماً عيناً على الدول التي سبق وأن حقّقت معها نجاحاً في التطبيع، خصوصاً إذا كانت هذه الدول ذات حكم عسكري يتّسم بالضعف، ويمكن إقناعه بفكرة وجود الخطر الاستراتيجي المشترك؛ إضافة إلى الاستفادة من التطور الإسرائيلي التقني، خصوصاً في المجال السيبراني، لدعم استمرارية الحكم المذكور وتأمين مخاوفه.

وهذه "المواد التسويقية" يمكن أن تلقى رواجاً عند النظام الموريتاني، خصوصاً إذا ما استخدمت دولة بحجم الإمارات العربية المتحدة ثقلها، وهي التي تملك الوسائل والمقوّمات مع هذا النظام التابع لسياستها.

يُذكر أن موريتانيا كانت قد عبّرت عن ثقتها في "حكمة وحُسن تقدير" قيادة دولة الإمارات في قرارها (في آب/أغسطس من العام 2020) توقيع اتفاق مع "إسرائيل" لتطبيع العلاقات.

وعلى أي حال، فإن سيناريو فشل "إسرائيل" في محاولاتها الجديدة للتطبيع مع النظام الموريتاني الحالي (الذي يرأسه الصوفي وحافظ القرآن: محمد ولد الشيخ الغزواني) يبقى هو المرجّح في المدى المنظور، من دون التقليل من تأثير الضغوط والمغريات الأميركية (والإماراتية) التي قد تتصاعد في المستقبل، والتي سيصعب على النظام الموريتاني مقاومتها، إذا ما ترافقت مع تحوّلات إقليمية كبيرة، يعتقد هذا النظام، أو جزء منه، أنها ربما تحيّد أو تخفّف من حدّة المعارضة الموريتانية، الشعبية والسياسية، لأي تطبيع مع الكيان الإسرائيلي، وفي ظل غياب تام للحلول السياسية للقضية الفلسطينية، مع تزايد التأييد للمقاومة في الداخل الفلسطيني، كما على مستوى المنطقة عموماً. 

وهنا يأتي دور دول وقوى محور المقاومة في دعم أو رفد موريتانيا بأسباب الصمود، السياسية والاقتصادية والمالية (حيث تبلغ نسبة الفقر فيه نحو 40% مع أنه بلد غنيٌ بالذهب والمعادن)، حتى يتمكّن من صدّ الضغوط الإسرائيلية والأميركية المستمرة عليه للتطبيع مع الكيان الإسرائيلي.