دور الوهابية: السعودية والسي آي أيه في تفجيرات سريلانكا
التفجيرات الإرهابية الانتحارية التي شهدتها سريلانكا يوم الأحد 21 نيسان/ إبريل 2019، والتي استهدفت كنائس وفنادق فخمة، وراح ضحيتها أكثر من 350 قتيلاً من المسيحيين، كشفت عن كثير من المسكوت عنه، في الفكر الإرهابي وتعامله مع أجهزة مخابرات عالمية، لأن ما حدث يؤكّد أنه لا يمكن التعامل مع الإرهاب بشكل منفصل عن منظومته وشبكته العالمية، ومن يدعمها ويموّلها من الدول والكيانات والأشخاص والخطابات وصولاً إلى الميديا المتفوّقة والتكنولوجيا العالية، وعلى أساس ذلك يمكن النظر لكافة الحوادث الإرهابية، لأن الإرهاب يحتاج فكراً ودعماً مالياً ومخابراتياً، ثم اختيار الأرض المناسبة للتفجير وإشعال الفتن، فضلاً عن إيقاع قتلى وجرحى.
سريلانكا دولة مسالمة، تعافت منذ حوالي عشر سنوات من أهوال الحرب، مع المتمرّدين أو "نمور التاميل"، وهي بلد متعدّد الديانات والأعراق، لذا فإن العجب هو أن يختار تنظيم "داعش" الإرهابي تلك الدولة غير المتوقع لكي يثبت وجوده فقط، كما زعم "أبو بكر البغدادي"، بعد هزائمه في سوريا والعراق، كما لا نجد سبباً مقنعاً أن يقوم إرهابيون تكفيريون بتفجير كنائس وفنادق، وقتل وإصابة المئات المسيحيين من دون البوذيين، الذين آذوا واضطهدوا المسلمين في فترات تاريخية عديدة، وأيضاً لا يوجد مثلاً، عداء تاريخي بين المسلمين والمسيحيين في سريلانكا (سيلان أو سرنديب سابقاً) إلا خلال فترة الاستعمار الأوروبي البرتغالي والهولندي ثم البريطاني، والمسلمون والمسيحيون في النهاية أقلية داخل مجتمع أغلبيته من "البوذيين"، ويعتبرهم التكفيريون كفّاراً أيضاً، وكذلك فإن الحديث عن الانتقام الإسلامي بسبب مقتل المسلمين في دولة "نيوزيلندا" غير مقنع، فالتكفيريون يكفّرون البوذية والمسيحية والمتصوّفة والشيعة، ويستحلون دماءهم، كما تمّ التخطيط قبل المجزرة في مسجد "نيوزيلندا"، ولابد من وجود أساب مقنعة.
من المعروف أن التنظيمات الإرهابية، صناعة أو استغلال صهيوني أميركي للهوَس الديني الوهّابي، كما جاء على لسان "باراك أوباما" رئيس أميركا الأسبق، ووزيرة خارجيته "هيلاري كلينتون" ، واعتراف وليّ العهد السعودي "محمّد بن سلمان" بأن أميركا، هي التي طلبت نشر الفكر الوهّابي التكفيري أثناء الحرب الباردة، وتلجأ الصهيونية وأميركا لهذا الفكر، عندما تريد الانتقام من أية دولة تحاول الخروج عن طاعتها، ورغم أن سريلانكا لها علاقات طبيعية مع كل من الصين وأميركا، إلا أنها سمحت للصين باستئجار ميناء على شاطئ سريلانكي في ميناء "هامبانتوتا" الواقع في المحيط الهندي، وهو ما يعطي الصين موطىء قدم في تلك المنطقة الإستراتيجية، وتكون نقطة من نقاط، ما يسمّي "الحزام والطريق"، أو إحياء طريق الحرير المشهور، أي أن سريلانكا دخلت في أتون الصراع التجاري الصيني الأميركي، وهذا يقودنا لمتابعة التحقيقات، خاصة تلك المعلومات التي أغفل فيها مسؤولون سريلانكيون كبار إخبار الرئاسة السريلانكية من وجود خطر إرهابي متوقّع، وهو خيط يمكن التوصّل منه إلى المخطّط الرئيسي، وهذا على المستوى السياسي، وكشف قد يُعيد فتح ملفات التمويل والدعم الذي تقدّمه دول وأجهزة لتجار وأثرياء محليين يموّلون العمليات الإرهابية.
وعلى المستوى الديني المحلي، جاء اختيار "سريلانكا" بسبب عدم توقّع وجود عصابات إرهابية محلية، ولكنه حدث، فقد جاء في لائحة الاتهام الرسمية لما اشتهرت اليوم بعائلة "يونس إبراهيم" تاجر التوابل المليونير، والتهمة له ولولديه "إلهام وزهران"، ومعهم شاب، إسمه "جميل محمّد عبد اللطيف"، قيل إنه انضم لداعش وسافر إلى مدينة الرقة في سوريا عام 2014، ثم عاد مرة أخرى إلى سريلانكا، أما الجماعة الدينية، التي وُجه إليها الاتهام رسمياً، هي جماعة التوحيد الوطنية.
بالتقصّي فقد تبيّن بعد وقوع التفجيرات، وجود إسلام سياسي تكفيري نائم داخل مسلمي سريلانكا، فقد تم رصد عدّة جماعات، منها:- جماعة التبليغ، وجمعية علماء سريلانكا، والجماعة المسلمة وجمعية الشبان المسلمين، وجمعية أنصار السنّة، وهي جميعها تتبنّى النهج الوهّابي التكفيري، خاصة "جماعة أنصار السنّة"، وهي من أقدم الجمعيات بسريلانكا، أسّسها الشيخ عبد الحميد البكري السيلاني عام 1947م، الذي تتلمذ على مشايخ الوهّابية في الدولة السعودية، وقام بنشر الفكر الوهّابي داخل مسلمي سريلانكا بدعم مالي سعودي تزايد مع ارتفاع أسعار النفط في السبعينات وما بعدها، وزيادة عدد حجاج سريلانكا، وهدفها كما زعمت جماعة التوحيد وجمعية أنصار السنّة، هو نشر العقيدة الصحيحة بين أوساط المسلمين في سريلانكا، وتحذيرهم من الشرك والبدع والعقائد الباطلة، وهي نفس مقولات الوهابية في كل مكان وزمان، ولقد عاد الشيخ "البكري" إلى السعودية، حيث مات ودُفن في "مكة المكرمة" عام 1976، وقامت "جمعية أنصار السنّة" من بعده، بتأسيس معاهد دينية سلفية، منها : معهد دار التوحيد السلفية، الذي أسّس عام 1981، ودار التوحيد السلفية للبنات عام 1986 وغيرها، ويتم الإنفاق على تلك المؤسّسات من الأموال الخليجية خاصة المال السعودي، ومن أهم هذه المؤسّسات في منطقة الخليج :- وزارة الشؤون الإسلامية بالمملكة العربية السعودية - بيت الزكاة الكويتي - جمعية إحياء التراث الإسلامي في الكويت - الجامعة الإسلامية في المدينة المنوّرة - رابطة العالم الإسلامي في السعودية - الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية في دولة الكويت - والندوة العالمية للشباب الإسلامي في السعودية، وهي كلها جمعيات تهدف إلى نشر الفكر الوهّابي، وقد نشرته بالفعل ليس في سريلانكا وحدها، بل في كل ربوع الأرض.
ولقد قد تم استبعاد "الأزهر الشريف" في مصر، من أي دور دَعوي داخل المجتمع السريلانكي، مع العلم أن الزعيم المصري "أحمد عرابي" عاش عشرين عاماً منفياً في "سريلانكا" (1883 – 1903) بأمر من الاحتلال البريطاني لمصر، بعد الثورة العرابية عام 1882 ضد الانكليز والخديوي "محمّد توفيق"، وقد أسّس وأشرف "أحمد عرابي" ورفاقه المنفيون معه في سريلانكا على عدّة معاهد أزهرية وأسّس كلية "الزاهرة" تيّمناً باسم "الأزهر" لتعليم أصول العقيدة الإسلامية وتعليم اللغة العربية لمسلمي سريلانكا، وكان المفترض أن يشرف "الأزهر" من خلال المشيخة والجامعة على تلك المعاهد والكلية، ولكنه لم يحدث، وكانت النتيجة أن خطفت الوهّابية "للزاهرة"، وصارت بوقاً وهابياً تكفيرياً حتى اليوم.
لقد قمنا بالاتصال بإدارة شؤون الوافدين بجامعة الأزهر الشريف، وسألنا عن عدد الطلاب السريلانكيين المسلمين المبعوثين والدارسين في الأزهر، وكانت المفاجأة أنه لا يوجد أي طالب سريلانكي وافد، كما لم يرسل الأزهر علماء لمسلمي سريلانكا طوال العقود الماضية، وبالتالي غاب عن المسلمين هناك الفكر الوسطي، وكان من الطبيعي أن يعرف تنظيم "داعش" ويتغلغل داخلهم، ويجنّد حتى الأثرياء وأبناءهم، أمثال من تم توجيه الاتهام إليهم، ويسعى الأزهر السفر إلى سريلانكا ونشر الدعوة الوسطية، صحيح أنها خطوة متأخّرة، ولكنها أفضل من ألا تأتي أبداً.
وخلاصة القول إن الإرهاب التكفيري سيظل قائماً في ثلاثية الشر، طالما يُوجد الفكر الذي يرعى ، والمال الذي يدعم، والمخابرات التي تخطّط وتختار الأرض الجديدة غير المتوقّعة، ليقع فيها قتلى من كل الديانات، ذلك هو ثلاثي الشر الحقيقي في العالم بأسره، وهو ما يحتاج تقارباً عربياً وتحالفاً إسلامياً، ولكن ليس على طريقة الوهّابي ولا السي آي آيه والله الموفّق.