السباق الرئاسي والمصالح الفرنسية في السنغال
المتابع لمشهد الانتخابات الرئاسية في السنغال يجد أن فرنسا كانت تدعم الرئيس الفائز لمدة جديدة وهو ماكي سال "أعلن فوزه في الانتخابات في 28 شباط الماضي بنسبة 27ر58%" للحفاظ على المصالح الفرنسية في السنغال. لكن ما هي المصالح الاقتصادية الفرنسية في السنغال؟ وماذا عن التجربة الديمقراطية السنغالية؟ لماذا دعمت المعارضة السنغالية الحاصل على المركز الثاني في الانتخابات عثمان سونكو؟ وهل كان لفرنسا تأثير على نتائج الانتخابات؟.
شهدت العاصمة داكار، عاصمة السنغال، الدولة الأكثر استقراراً سياسياً واقتصادياً في غرب أفريقيا، في الأيام القليلة الماضية سباق الانتخابات الرئاسية القادمة والتي ترشّح فيها خمسة مرشّحين هم: ماكي سال (الرئيس المنتهية ولايته)، ورئيس حزب باستيف عثمان سونكو، وإدريسا سيك رئيس الوزراء السابق (2002 – 2004)، ومادكي نيانغ وزير الإسكان والشؤون الخارجية الأسبق، وإيسا سال.
المتابع لمشهد الانتخابات الرئاسية في السنغال يجد أن فرنسا كانت تدعم الرئيس الفائز لمدة جديدة وهو ماكي سال "أعلن فوزه في الانتخابات في 28 شباط الماضي بنسبة 27ر58%" للحفاظ على المصالح الفرنسية في السنغال. لكن ما هي المصالح الاقتصادية الفرنسية في السنغال؟ وماذا عن التجربة الديمقراطية السنغالية؟ لماذا دعمت المعارضة السنغالية الحاصل على المركز الثاني في الانتخابات عثمان سونكو؟ وهل كان لفرنسا تأثير على نتائج الانتخابات؟.
والدور الفرنسي في إفريقيا لم ينته باستقلال عن الاستعمار الفرنسي فلقد أصبح هناك 25 دولة إفريقية تمثل نصف القارة تتكلّم الفرنسية من بينها دول المغرب العربي الثلاث التي تستعمل اللغة العربية كلغة رسمية بجانب نطقها بالفرنسية وهي "تونس، الجزائر، المغرب". والواقع أن فرنسا تحتفظ بعلاقات طيبة مع دول القارة التي كانت مستعمرات فرنسية والتي عُرفت باسم "الفرانكفون" ، وتعدّ قارة أفريقيا إحدى أهم دوائر السياسة الخارجية الفرنسية، وهو الأمر الذي عبّر عنه الرئيس الراحل فرانسوا ميتران في القمّة التي عُقدت في بيارتيز "نوفمبر 1994" حيث أكدّ للحاضرين أنه من دون إفريقيا لن يكون لفرنسا تاريخ في القرن الحادي والعشرين، فالقارة السمراء كانت مجد فرنسا ومنطقة نفوذها التاريخية.
لقد أصبحت السنغال دولة مستقلّة في آب/أغسطس 1960. في أعقاب ذلك سرعان ما أسّست السنغال وفرنسا علاقات دبلوماسية واقتصادية وثقافية وثيقة. وفي 2010، أغلقت فرنسا قاعدتها العسكرية في السنغال، إلا أنها لا تزال مُحتفظة بقاعدتها الجوية في مطار ليوپولد سيدار سنكور الدولي في دكار ، كما قامت فرنسا -مؤخراً- بتخزين بعض الأسلحة الحديثة في قاعدة تيبيس السنغالية على بُعد 70 كم من العاصمة داكار، وذلك لإمكانية استخدامها في فض النزاعات العرقية والقبلية في المنطقة.
أما عن العلاقات التجارية بينهما ففي 2015، بلغت القيمة الإجمالية للتجارة بين السنغال وفرنسا 853 مليون يورو. وتُعتَبر السنغال سابع أكبر شريك تجاري عالمي لفرنسا، وثالث أكبر شريك تجاري لها في أفريقيا. وفرنسا هي أكبر مستثمر أجنبي في السنغال بإجمالي استثمارات يبلغ 1.7 بليون يورو. وهناك عدد من الشركات الفرنسية متعدّدة الجنسيات العاملة في السنغال مثل بي إن پي پاريباس، إرمت، أورانج، نكتورانس وسوسيتيه جنرال، بالإضافة إلى شراء فرنسا شركات المياه والكهرباء والتلفونات في السنغال.
أما عن العلاقات الثقافية فتحمل شوارع السنغال، كغيرها من المستعمرات الفرنسية السابقة في أفريقيا، أسماء أشخاص فرنسيين. وقد كتب الكثير من النشطاء والكتّاب الأفارقة ممَن زاروا السنغال عن هذه الظاهرة، وعن تشبّث السنغال بكل ما هو فرنسي، الأمر الذي جعل البعض يشبّهها بـ"فرنسا الصغيرة". ويرى المؤرّخ والسياسي والأكاديمي السنغالي إيبا درم ثيام إن استمرار حمل الشوارع المهمة في السنغال أسماء الجنود الفرنسيين الذين حاربوا جنود الاستقلال ورجال الدين في السنغال "أمر مؤلم ومخجل". وعلى حد تعبير ثيام – ويقول أيضاً "حين أنظر إلى المجتمع، أرى أنه لا تزال هناك نخبة تريد أن تكون السنغال ولاية تابعة لفرنسا، وهذا وضع مؤلم للغاية". ودعا ثيام السنغال إلى أن يكون الاقتصاد والتعليم في أيدي السنغاليين. ودعا أيضاً إلى ضرورة إعادة كتابة السنغاليين لتاريخ بلادهم من خلال الرجوع إلى مصادر موثوقة، و"إن لم يفعل السنغاليون ذلك، فلن ينجوا من قبضة المستعمر الفرنسي".. فالذين ناضلوا ضد الاستعمار من أمثال "مابا دياخوبة" و"الشيخ أحمد بامبا"، لم يتم إعلانهم كأبطال وطنيين في التاريخ الرسمي للبلاد.
لقد تبنى عثمان سونكو، المنافس القوي لرئيس السنغال في الانتخابات الأخيرة، في دعاياه الانتخابية فكرة محاولة التخلّص من التغلغل الفرنسي في السنغال فقال: لست ضد فرنسا ولكني مع السنغال. وحمل برنامجه الانتخابي إسم "جوتنا" وتعني باللغة العربية "حان الوقت"، ويتلخّص برنامجه في ضرورة الفصل بين السلطات، والتخلّص من العملة النقدية السيفا التي يراها استعماراً اقتصادياً فرنسياً لغرب أفريقيا عامة، والنهوض بالمرأة، ودعم قطاع الزراعة والتنمية المُستدامة، والقضاء على الفساد والتهرّب الضريبي خاصة أنه كان شاهدَ عيان على الكثير من التجاوزات المالية عندما كان يشغل منصب رئيس لواء تدقيق الضرائب، وقام بتأليف كتاب حمل عنوان النفط والغاز في السنغال، وتحدّث فيه عن الأخطاء في إدارة الموارد الطبيعية في السنغال ، ووضع بعدها كتاباً حمل عنوان "الحلول" شخّص فيه المشاكل الاقتصادية والاجتماعية السنغالية. وكتبت د أمينة العريمي المتخصّصة في الشؤون الأفريقية في مقال لها في البيان الإماراتية متوقّعة التدخّل الفرنسي في نتائج الانتخابات الرئاسية، حيث تساءلت هل توجد استراتيجية لكفّ يد فرنسا عن التدخّل في نتائج الانتخابات النهائية؟ هل سيكون للقوى الصاعدة في الغرب الأفريقي دور لدعم القيادات السياسية الشابة الراغبة "تقصد عثمان سونكو" في كَسْرِ طوق الاحتكار الفرنسي؟
في الوقت الذي ظهر فيه للعالم نجاح التجربة الديمقراطية في السنغال فلا يمكن أن تكون بمعزل عن حماية المصالح الفرنسية في السنغال والمحاولات الأميركية للتواجد فيها حيث أن استقرار السنغال يحقّق ذلك.