ما هي شكوى إيران ضد أميركا؟
قد يُفسر التأني الإيراني خلال الأعوام الثلاثة المنصرمة على أنه محاولة لإعطاء فرصة للأطراف الأخرى الراعية للاتفاق النووي لاقناع الإدارة الأميركية بضرورة الالتزام ببنود الاتفاق، كما أنه يؤشر إلى حرص إيران على استمرار الاتفاق والأهمية التي توليها له، لكن بعد الانسحاب الأميركي من الاتفاق في أيار/ مايو 2018، وفرض عقوبات جديدة على طهران وعدم استطاعة الدول الأوروبية الحليفة للجانب الأميركي بإقناعه بالبقاء ضمن الاتفاق النووي لم تجد إيران بداً من تقديم شكوى ضد الولايات المتحدة لعدم التزامها بالمقررات الدولية.
نقلت إيران للمرة الأولى مواجهتها مع الإدارة الأميركية حول الاتفاق النووي إلى محكمة العدل الدولية بعد تقديمها شكوى ضد واشنطن على خلفية ممارساتها غير القانونية والعقوبات التي تفرضها على طهران بحسب ما قاله المتحدث باسم الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي، وكان وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف قد أعلن عن تقديم هذه الشكوى في تغريدة له عبر توتير، مشيراً إلى ضرورة التصدي لسلوك الولايات المتحدة بانتهاكها القانون الدولي.
ولم تقدم إيران على هذه الخطوة على مدى ثلاثة أعوام من عمر الاتفاق النووي الذي وقع في 2015 بين طهران ومجموعة 5+1، رغم عدم الالتزام الأميركي ببنود هذا الاتفاق الذي بات يعد وثيقة دولية بموجب القرار 2231 الصادر عن مجلس الأمن الدولي، ورغم الانتقادات الإيرانية المتكررة والشكاوى المتعددة التي قدمها الجانب الإيراني للجنة المشتركة للاتفاق النووي ولم تأت بنتيجة، وقد يُفسر التأني الإيراني خلال الأعوام الثلاثة المنصرمة على أنه محاولة لإعطاء فرصة للأطراف الأخرى الراعية للاتفاق النووي لاقناع الإدارة الأميركية بضرورة الالتزام ببنود الاتفاق، كما أنه يؤشر إلى حرص إيران على استمرار الاتفاق والأهمية التي توليها له، لكن بعد الانسحاب الأميركي من الاتفاق في أيار/ مايو 2018، وفرض عقوبات جديدة على طهران، وعدم استطاعة الدول الأوروبية الحليفة للجانب الأميركي بإقناعه بالبقاء ضمن الاتفاق النووي لم تجد إيران بداً من تقديم شكوى ضد الولايات المتحدة لعدم التزامها بالمقررات الدولية، وما يترتب عليه ذلك من ضرر سيلحق بالجانب الإيراني بسبب العقوبات التي ستفرض على إيران. وقد استندت في هذه الشكوى على نقض الإدارة الأميركية لمعاهدة الصداقة والتعاون وتنظيم العلاقات الاقتصادية والحقوق القنصلية الموقعة بين الجانبين قبل أكثر من عشرين عاماً من انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية بقيادة الإمام الخميني عام 1979، وتؤكد هذه المعاهدة المكونة من 23 مادة والموقعة في 15 آب/أغسطس 1955 في طهران بين حكومة الشاه ممثلة بمصطفى سميعي (مساعد وزير الخارجية) وسلدن تشيبين (سفيراً فوق العادة ومفوضاً للولايات المتحدة) ممثلاً لإدارة الرئيس الأميركي وايت ايزنهاور تؤكد على العلاقات الودية وعلى تعزيز التجارة والاستثمارات بين الطرفين ولا تزال سارية المفعول بحسب القانون الدولي إلى اليوم ومعترف بها من قبل محكمة العدل الدولية رغم انقطاع العلاقات الإيرانية الأميركية بعد انتصار الثورة الإسلامية. وسبق للطرفين أن قدما شكاوى استناداً إلى هذه المعاهدة وقد قدمت أميركا شكوى لمحكمة العدل الدولية بعد اقتحام مقر السفارة الأميركية في طهران في 4 تشرين الثاني/نوفمبر 1979، وإيران قدمت شكوى على خلفية الهجوم الأميركي على المنشآت النفطية الإيرانية في الأعوام الأخيرة من الحرب العراقية الإيرانية وشكوى أخرى بعد استهداف القوات الأميركية لطائرة الركاب الإيرانية في 3 تموز/يوليو عام 1988 ما أدى إلى مقتل ركابها الـ290 جميعاً.
وتنص المادة 21 من المعاهدة في بندها الثاني على لجوء أي طرف من الطرفين إلى محكمة العدل الدولية لحل الخلافات المتعلقة بتطبيق أو تفسير مواد المعاهدة في حال لم يتوصلا إلى حل عبر القنوات الدبلوماسية المشتركة واستناداً إلى هذه المادة قدمت إيران شكواها لخرق الإدارة الأميركية المعاهدة في موادها التالية:
المادة الرابعة: يلتزم كل طرف بمراعاة شركات وأموال مؤسسات الطرف الآخر كما يلتزم بالابتعاد عن أي سلوك يضر بمصالح الطرف الآخر.
المادة السابعة: يلتزم كل طرف بتسهيل التحويلات المالية للطرف الآخر وعدم إيجاد معوقات أمامها.
المادة الثامنة: يتعهد كل طرف بتسهيل تصدير بضائع وسلع الطرف الآخر دون موانع.
المادة التاسعة: تأمين التسهيلات الجمركية للتصدير والاستيراد بين البلدين.
المادة العاشرة: التعهد بتأمين التجارة الحرة وتسهيل الملاحة بين الطرفين.
قد لا تستطيع إيران الحصول على حكم دولي ينصفها أمام العقوبات الأميركية الجائرة بسبب الضغوط التي تمارسها الإدارة الأميركية على المؤسسات الدولية ومنها محكمة العدل، لكنها تسجل موقفاً لإدانة الولايات المتحدة على عدم التزامها بالمعاهدات الدولية في لحظة فارقة بات فيها العالم أجمع يدرك هذه الحقيقة عقب الانسحاب من الاتفاق النووي ومن اتفاقية باريس للمناخ ومن اتفاقية شراكة المحيط الهادىء، وهذا ما دفع بوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في مقاله الذي نشر في حزيران/يونيو 2018 بعنوان "السياسة الخارجية الأميركية في أزمة" إلى وصف الإدارة الأميركية بأنها "معزولة بسبب تفردها ومحاولتها اضعاف مسار التعددية"، مشيراً إلى أن "استمرار أميركا بسياساتها هذه يعرض استقرار المجتمع الدولي للخطر"، وهذا هو جوهر ما تسعى إيران إلى توضيحه للعالم، أي حقيقة الإدارة الأميركية وخطر سلوكها على الأمن الدولي.