الأزمة الاقتصادية في إيران وحلولها
في ظل هذه الأجواء المحفوفة بأزمة إقتصادية لا ينكرها أحد، يبرز مشهد آخر يُظهر توافقاً داخلياً على إيجاد حل سريع وينبأ هذا الأمر بإمكانية عودة الإستقرار إلى الأسواق بوقت قياسي خاصة وأن الحكومة تؤكد أن البنك المركزي لا يعاني من نقص في احتياطي العملة الأجنبية ولا في احتياطي القطع الذهبية التي يتم تداولها في الأسواق المالية، وبانتظار عبور هذه المرحلة يبقى التحدي الآخر مواجهة العقوبات الإقتصادية الأميركية.
قليلاً ما يتدخل المرشد الإيراني السيد علي خامنئي مباشرة في ملفات داخلية إلا في تلك الصعبة الكأداء التي تحتاج إلى شخصية المرشد وثقله الديني والسياسي لحلّها، وتاريخ الجمهورية الإسلامية على مدى أربعة عقود شاهد على ذلك في مفاصل حساسة مرت بها إيران منذ عام 1979م.
تعيش إيران اليوم مرحلة حساسة بدأت تظهر للعيان قبل أشهر من الانسحاب الإميركي من الاتفاق النووي عقب ارتفاع تدريجي بأسعار العملات الأجنبية مقابل العملة المحلية ما ترتب عليه إرباك في الأسواق التجارية لا سيما في حركة الإستيراد والتصدير، فانعكس الأمر على التجار كما انعكس على المواطنين بعد ارتفاع الأسعار بشكل ملحوظ بحجة تدني العملة المحلية. فتأثرت معظم القطاعات الحيوية كأسواق الهواتف المحمولة والإكترونيات والسيارات حتى المصنعة منها داخلياً وقطاعات أخرى وحاولت حكومة الرئيس روحاني استدراك هذه الأزمة فاتجهت نحو تثبيت سعر صرف الدولار رسمياً على عتبة الـ4200 تومان.
لكن السوق السوداء كان لها كلمة أخرى واستمر الدولار بالصعود فأغلقت محال الصرافة أبوابها ولم تنجح الحكومة فعلياً حتى الآن بضبط الأسواق لا سيما المالية منها رغم محاولات حثيثة تقوم لكنها لم تفلح إلى الآن، الأمر الذي جعلها عرضة لانتقادات واسعة حتى من التيار الإصلاحي الذي طالب باجراءات أكثر حزماً وصرامة لمواجهة الأزمة الإقتصادية.
آخر هذه الانتقادات من رئيس تكتل الأمل الإصلاحي في البرلمان محمد رضا عارف الذي انتقد سياسة النقد الأجنبي وإدارتها داعياً إلى تشكيل غرفة وطنية لابتداع أفكار عملية لحل الأزمة الراهنة لكن الحكومة لم تقف مكتوفة الأيدي أمام هذه الإتهامات فأعتبر الرئيس حسن روحاني إتهام الحكومة بالتقصير فيه إجحاف بحقها وعدم إدراك حقيقي للواقع ويخدم أعداء إيران في حربهم النفسية ضدها، بينما أشار نائبه إسحاق جهانغيري إلى أياد داخلية تعبث بالإقتصاد بهدف النيل من حكومة روحاني.
ويشير بعض خبراء الإقتصاد إلى أسباب عديدة منها انعدام التنسيق بين الأجهزة الإقتصادية المؤثرة للحكومة وعدم سيطرتها على العرض والطلب من العملة الأجنبية في الأسواق، كما يشير مساعد رئيس البنك المركزي السابق أصغر فخرية كاشان "فضلاً عن تلاعب بعض تجار العملة بالأسعار والطلب المرتفع على الدولار بسبب المخاوف التي تنتاب المواطن من تداعيات العقوبات الأميركية ومن عدم استقرار السوق".
وسط هذا الوضع المقلق يجد المرشد نفسه مضطراً للتأكيد في اجتماع غير علني مع قادة السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية على تشكيل غرفة عمليات الحرب الإقتصادية التي يشير اسمها إلى حجم التحدي وحجم الأزمة ومدى الإصرار الإيراني على التصدي للفساد الإقتصادي وتوجيه البوصلة الإقتصادية توجيهاً سليماً في هذه المرحلة الحساسة قبل دخول العقوبات الأميركية حيز التنفيذ في تشرين الثاني. ويبدو من الواضح أن الإيرانيين يسابقون الزمن قبل هذا الموعد لترتيب البيت الداخلي بمزيد من التكاتف وتحمل المسؤولية بشكل جماعي استعداداً لمواجهة إقتصادية مرتقبة مع الإدارة الأميركية التي تحارب طهران بكل أدواتها وفي هذا السياق تم تشكيل لجنة عُليا للتنسيق الإقتصادي بدأت بعقد اجتماعاتها، وتتألف من17 عضوا منتخبين من السلطات الثلاث بينهم رؤساء هذه السلطات كما طلب المرشد من الرئيس مباشرة اطلاعه على التقارير المتعلقة بأوضاع العملة الأجنبية في الأسواق وبأليات إدارتها وبتفاصيل التحقيقات لمعرفة أسباب هذه الأزمة...
وقد لا يكون تحرك المرشد في توجيه السلطات الثلاث أمراً جديداً في اللحظات الصعبة التي تمر بها البلاد، لكنه يؤشر إلى دقة المرحلة وإلى الإهتمام الواسع التي تحظى به هذه الأزمة على مستوى القيادة الإيرانية. كما يؤشر أيضاً إلى الإرادة السياسية باعادة الاستقرار إلى الأسواق بأسرع وقت ممكن سيما وأن مصير الاتفاق النووي في مهب الريح حتى هذه اللحظة بانتظار الخطوات العملية الأوروبية لضمان المصالح الإيرانية وهذا ما يراه البعض صعباً وليس مستحيلاً إذا صدقت النوايا...
وقد تداعى العديد من خبراء الإقتصاد وأساتذة الجامعات والطلاب لتقديم مقترحات لحل الأزمة ووجه البعض منهم رسالة إلى رؤساء السلطات الثلاث كاشفين خلالها عن رؤيتهم لحل الأزمة عبر سلسلة خطوات منها إقالة رئيس البنك المركزي فوراً وتشكيل محكمة الحرب الإقتصادية لمعاقبة المفسدين وعدم التساهل معهم مطلقاً وربط بيانات المعاملات العقارية بالنظام المالي مباشرة، وفرض ضريبة على القيمة المضافة على أسعار السيارات. كما غرد النائب السابق والخبير الإقتصادي أحمد توكلي على صفحته على تويتر واعداً باجتماع قريب لكبار الخبراء الإقتصاديين الإيرانيين للخروج بمقترحات وتقديمها للحكومة...
لكن في ظل هذه الأجواء المحفوفة بأزمة إقتصادية لا ينكرها أحد، يبرز مشهد آخر يُظهر توافقاً داخلياً على إيجاد حل سريع وينبأ هذا الأمر بإمكانية عودة الإستقرار إلى الأسواق بوقت قياسي خاصة وأن الحكومة تؤكد أن البنك المركزي لا يعاني من نقص في احتياطي العملة الأجنبية ولا في احتياطي القطع الذهبية التي يتم تداولها في الأسواق المالية، وبانتظار عبور هذه المرحلة يبقى التحدي الآخر مواجهة العقوبات الإقتصادية الأميركية...