نقابة المهندسين تدل على تمدد هزائم الإخوان إلى الأردن
ظلّت النقابة ولاتزال (الأخت الكُبرى) في مجمع النقابات، الذي كان يوصَف في عهده الذهبي (قبل الإخوان) بأنه قلعة الحركة الوطنية والمعارضة، فقد كان نقباء المهندسين والمحامين (طابع ناصري وقومي) والأطباء (حضور كبير سابق للشيوعيين) وغيرهم عنواناً لمعارضة مدنية كبيرة وفعّالة.
ما حدث في نقابة المهندسين الأردنيين، ليس أمراً عادياً من أمور الانتخابات النقابية، وأكبر من كل ما قيل حوله، من مواقع مختلفة ومُتضاربة، وهاكم بعضاً من هذه المُقاربات:
- تحالف لا لون له، أطاح بالإخوان المسلمين، صحوة قومية ويسارية، لعبة دولة أردنية وسلطة فلسطينية، بصمات سوريّة، (النقيب الجديد خرِّيج هندسة العمارة في دمشق).
- شعارات وهُتافات غريبة بعد الفوز، من نمط "حرّرناها من عمّان للجوف، إلى إدلب، برّه برّه نقابتنا حرّة"، وليس آخر هذه المُقاربات، الهجوم المُقذع لنائب برلماني إخواني ردّ فيه هزيمة الإخوان في انتخابات النقابة إلى تحالف واسع من كارهي الإخوان:
أجهزة الدولة، القوميون واليساريون والعلمانيون الليبراليون والماسون والمثليون، ولم ينقصه إلا إضافة مُشجّعي برشلونة وبايرون ميونيخ والأطباق الطائرة المجهولة.
وبعد، لماذا وكيف كانت انتخابات نقابة المهندسين الأردنيين والهزيمة المُدوِّية للإخوان فيها بعد ربع قرنٍ تقريباً من التمسّك بتلابيبِ صناديقها وأموالها، لماذا كانت حدثاً مدوِّياً، قارنه أحد خصوم الجماعة بتحرير الغوطة:
1- ابتداء، لابدّ من الإشارة إلى أن نقابة المهندسين الأردنيين، تتجاوز المئة ألف مهندس من مختلف الاختصاصات، كما تتجاوز أموالها المنقولة وغير المنقولة (الاستثمارات) الألف مليون دينار (مليار ونصف المليار دولار).
وكان خريِّجو البلدان الاشتراكية السابقة، وسوريا والعراق ومصر (الناصرية) يشكّلون نسبة كبيرة منهم قبل أن تفطن جهات محلية وخارجية ولغايات سياسية واستثمارية، إلى توسيع كليات الهندسة في الجامعات المحلية وتشجيع الاتجاهات الإسلاموية والعدميين معاً مقابل الحركة الوطنية.
وقد ظلّت النقابة ولاتزال (الأخت الكُبرى) في مجمع النقابات، الذي كان يوصَف في عهده الذهبي (قبل الإخوان) بأنه قلعة الحركة الوطنية والمعارضة، فقد كان نقباء المهندسين والمحامين (طابع ناصري وقومي) والأطباء (حضور كبير سابق للشيوعيين) وغيرهم عنواناً لمعارضة مدنية كبيرة وفعّالة.
والأهم الأهم هنا، العملية الديمقراطية للانتخابات النقابية الأردنية، حيث يمكن الطعن بأيّ صوت، وذلك لا يعني أنه لاتوجد ضغوط وتسويات وما إلى ذلك، في الشرائح العُليا لهذه الجماعات من الطبقة الوسطى وصراعاتها في حقول الإنشاءات والمقاولات والأدوية والمستشفيات وغيرها.
2- في الإطار العام السياسي على مستوى المنطقة، فإن الهزيمة الساحِقة للإخوان في هذه النقابة ليست بعيدة عن هزيمة ربيع الفوضى وموقع جماعات الإسلام السياسي الأميركي فيه، وليست بعيدة بشكلٍ خاصٍ عن تردّدات الانتصارات المُتلاحِقة لسوريا وجيشها وشعبها وقيادتها.
ولنا أن نُضيف أن التحالف العجيب الغريب، الذي أطلقته الدوائر الأميركية تمهيداً لربيع الفوضى، وضمّ أوساطاً إسلاموية وليبرالية باسم المجتمع المدني وحظيَ منذ اليوم الأول باهتمام مكتب هيلاري كلينتون، بدأ يتفكّك ويتجاوز الاستراتيجية التي رسمها بريجنسكي، واليهودي الأميركي نوح فيلدمان، أحد مهندسي هذا التحالف في دراسته الشهيرة التي أصدرها عام 2003 تحت عنوان (القرضاوي وعزمي بشارة معاً).
3- في الإطار السياسي الخاص، فإن قراءة الحدث المذكور تستدعي مُقاربة تعالقاته العربية والاقليمية ذات الصلة، وهي تعالقات مُعقَّدة من الوحدة والصراع في الوقت نفسه.
فمن جهة، فإن الأردن الرسمي منخرط في مثلّث معروف مع الإمارات ومصر، وهما يلاحقان الإخوان وما يمثّلونه في حقول مختلفة، ويمكن النظر إلى ما جرى في نقابة المهندسين كامتدادٍ لذلك، ومن جهةٍ ثانيةٍ فإن علاقة الأردن الرسمي مع الإخوان علاقة مُعقّدة تحكمها تجارب سابقة، من التحالف ضد الحركة الوطنية، إلى التبايُن لاحقاً، إلى شهوة المشاركة في الحُكم خلال السنوات الأولى من ربيع الفوضى، وذلك بدعمٍ أميركي وفق وثائق الويكيليكس، إلى توظيف ضد تيارات سياسية فلسطينية تريد توسيع حصّتها في الدولة الأردنية بدعمٍ أميركي – إسرائيلي.
وقد أدّى كل ذلك إلى انقسام الدولة الأردنية إلى تيارين في ما يخصّ العلاقة مع الإخوان: تيار الحرس البيروقراطي، الذي يُناهض الإخوان ويرى فيهم غطاء إسلامياً لكونفدرالية مشبوهة تهدّد مصالحه وتقود إلى التوطين، وتيار آخر يجمع بين الكمون وبين الحركة وفق مقتضى الحال، ويعبِّر عن مصالح الكومبرادور الأقرب إلى شرائح تجارية فلسطينية ويقرّر مواقفه على إيقاعٍ متحرّك، يجمع بين الخوف من الإخوان كبديل له عند الأميركان، وبين توظيفهم ضد البيروقراط الأردني، وكان انقسامه واضحاً في انتخابات المهندسين الأخيرة.
ويُشار هنا إلى أن المرجعية النظرية لهذه المُقاربات شبه الطبقية لأجنحة الدولة، بيروقراط أردني وكومبرادور فلسطيني وموقفهما من الحراك السياسي – الاجتماعي في الأردن، تعود إلى كتاب لبشير البرغوثي (قيادي شيوعي أردني) صدرَ في مطلع سبعينات القرن الماضي، تحت عنوان (بعض قضايا الصراع الاجتماعي في الأردن).
4- وليس بعيداً عن ذلك، التصنيف الدارِج في الوسط الهندسي لبعض الصناديق الانتخابية والمكاتب الهندسية، مثل هيئة المكاتب الهندسية التي غالباً ما تكون تحت سيطرة رجال أعمال مهندسين مُقرّبين من الكومبرادور، ومثل الصناديق الانتخابية لمدينة الكرك (قوميون ويساريون) ولمدينة السلط (مستقلون ومُقرّبون من الحكومة مُناهضون للإخوان) وهما الصندوقان اللذان لعبا دوراً كبيراً في هزيمة الإخوان، وذلك مقابل صناديق معروفة تاريخياً بسيطرة الإخوان عليها مثل صناديق الكهرباء، ومدينة الزرقاء.
5- إلى جانب ذلك، ثمة أسباب مهنية أخرى لا يجوز التقليل من شأنها في النتيجة التي آلت إليها هذه الانتخابات ومنها:
- تحشيد القاعدة العامة حول صندوق التقاعد والاتهامات الخطيرة بحق الإدارة السابقة، وهو ما يشبه التحشيد الكبير الذي تشهده الأردن الآن ضد محاولة وضع اليد الحكومية على صندوق الضمان الاجتماعي.
- المناخات الناجِمة عن الملفات التي رفعها عدد من المهندسين، واتهموا فيها قيادات إخوانية مُتعاقبة على النقابة بالفساد، ومنها اتهامات تتعلّق بقطعٍ من الأراضي، قرب عمّان وأخرى تتعلّق بالرواتب والمُخصَّصات العالية لمُمثّلي النقابة الإخوانيين في إدارة العديد من الشركات.
- قضية اتحاد النقابات الإسلامية العالمي، الذي يتّخذ من اسطنبول مقراً له، ويحظى بإشراف مباشر من مكتب أردوغان، وتلعب نقابة المهندسين الأردنيين فيه دوراً ملحوظاً، لا بوصفها نقابة لكل المهندسين بل بوصفها (كما يتّهمها البعض) غطاء إخوانياً لتبرير مصروفات النقابة في هذا الاتحاد.
والجدير ذكره هنا أن المرشَّح الإخواني لنقابة المهندسين من قيادات المؤتمر المذكور.
وبالمُجمل يمكن اختصار ما جرى في الملاحظات التالية:
1- إن معركة النقابة، معركة فاصِلة في تاريخ الإخوان ومستقبلهم سواء من زاوية التوظيف المالي، وفق اتهامات خصومهم أو من زاوية أوراقهم السياسية التي بعثرتها هذه المعركة.
2- إذا كانت الجهة المهزومة في النقابة، جهة واضحة ومُحدَّدة وهي (الجماعة) فإن للمُنتصرين أكثر من أبٍ لا يجمعهم جامِع، اللّهم لعبة الرسائل السياسية وهي ليست بسيطة ، فالأوساط اليسارية والقومية بوسعها إعادة الاعتبار لنفسها ولمجمع النقابات المهنية بعد سباتٍ طويل، والأوساط البيروقراطية في الدولة أرادت من هذه الانتخابات توجيه رسالة واضحة للقوى الاقليمية والدولية التي تراهن على إعادة هيكلة مطبخ القرار الأردني.
أما الأوساط البرتقالية، المحدودة، المدعومة أميركياً وأوروبياً والتي قدّمت نفسها كبديلٍ للمجتمع المدني الحقيقي ومنها النقابات، فالقلق ينتابها من تراجُع أوهامها ودورها إذا ما استعادت النقابات بقيادة الأخت الكبرى، نقابة المهندسين، شيئاً من دورها السابق.