الاحتلال الأميركي في العراق النفط أولاً والكهرباء أخيراً
من هذه الزاوية يبدو أن الضغوط الأميركية لن تنتهى في العراق وخاصة أن دستور فيلدمان يتضمّن بالضبط الاستراتيجية التي دعا إليها ترامب منذ عام 2015 وهو يحضّر نفسه للانتخابات. وعلى العموم فإن برنامج ترامب هو نفسه الخطة المتكاملة في تحقيق هدفين متلازمين يبدو للمتابع اللاهث أنهما متناقضان ولكنهما مندغمان في أرض الواقع لتحقيق أقصى الاستنزاف والتدمير للعراق المحتل.
المؤسّسة الأميركية لا تتراجع عن مواقفها التاريخية أو تبدّل جلدها إرضاءً لقوى موجودة فعلياً أو متوقّع صعودها في خضم الصراع الدولي ومساراته المعقدة في العالم. ويمكن القول أن العديد من المفكّرين درسوا أميركا وشرحوا بنيتها الثقافية وقلّبوا بعناية فائقة صفحاتها الغزيرة والمفعمة بالصراعات الشائكة والنتائج المُلتبسة. ولا ريب أن مقاربتهم الفكرية بخصوص رئاسة ترامب تظل هي الأساس السليم في دراسة السيكولوجية الأميركية في الدبلوماسية والحروب. إنها المنظومة التي تتحدّث عن العلاقة الخاصة والمركّبة بين اتجاهين الأول: السيطرة السياسية الإقليمية، والثاني الهيمنة العالمية. لكن المدهش حالياً، ومع الإعلان عن الاستراتيجية الأميركية الجديدة، أن يكتب "نوح فيلدمان "، بلومبيرغ – 28 كانون الأول 2017، مقالاً يسخر من وزير الخارجية تيليرسون الذي كتب مقالاً، نيويورك تايمز 27 كانون الأول 201 ، يفتخر فيه بالدبلوماسية الأميركية ولاسيما في تمكّنها من القضاء على داعش في العراق وإعادة العلاقة بينه والسعودية! فيلدمان الذي هندس الدستور في العراق يقول نصاً إن تيليرسون: "يسلّط الضوء بالتفصيل على كيف أن أميركا تفتقر إلى نفوذ حقيقي في مواجهة الكثير من التحديات التي تواجهها عالمياً". وفي "الشرق الأوسط لا تتوافر لدى إدارة ترامب خريطة طريق تضمن تحقيق ما يريد". وفي الحقيقة كما يقول ويليم بلوم لديها شهية كبيرة، وأسنان ضعيفة .
من هذه الزاوية يبدو أن الضغوط الأميركية لن تنتهى في العراق وخاصة أن دستور فيلدمان يتضمّن بالضبط الاستراتيجية التي دعا إليها ترامب منذ عام 2015 وهو يحضّر نفسه للانتخابات. وعلى العموم فإن برنامج ترامب هو نفسه الخطة المتكاملة في تحقيق هدفين متلازمين يبدو للمتابع اللاهث أنهما متناقضان ولكنهما مندغمان في أرض الواقع لتحقيق أقصى الاستنزاف والتدمير للعراق المحتل. الهدف الأول: الاستيلاء على نفط العراق. والهدف الثاني تحطيم الطاقة الكهربائية عن طريق تفتيتها وبعثرتها فيدرالياً، وخصخصتها مالياً، وتكبيل المواطن بقيود الذلّ والظلام. علماً أن تنفيذ هذه الخطة لن يكون بمعزل عن المناخ السياسي اليومي الذي تريد أميركا قيادته لتكتمل الدائرة المحيطة بالعراق. ويشرح ذلك بجلاء السفير الأميركي السابق في سوريا فردريك هوف في مقالته في مجلس أتلانتيك - 19 كانون الأول 2017 : "التركيز الآن على إيران. الإدارة سوف توضح الأهداف العامة المتعلقة بالأمن القومي في العراق وسوريا، والتي تتلخّص في تحييد التدخل الإيراني ومنع الجسر الأرضي الذي تستخدمه من العراق عبر سوريا لتصل إلى حزب الله". ويقول: "قمنا للتوّ بالبدء في مبادرة حول العراق لمدة أربع سنوات، هذه المبادرة تتابع مجموعة عمل مستقبل العراق، التي يقودها السفير السابق ريان كوكر. تحدّد مجموعة العمل أهداف أميركا بـعراق مستقر، مستثمراً طاقته النفطية بجدارة، الأمر الذي يعكس نظام حكم فعّالاً، ويميل بشدّة للتعاون مع الولايات المتحدة في الشرق الأوسط". أما بيت القصيد عنده فهو الاستمرار في التواجد العسكري عقب هزيمة تنظيم داعش من أجل المساعدة وتقديم المشورة والتدريب والإمداد لقوات الأمن العراقية. ويكرّر بملل: "لقد أوضح الرئيس ترامب معارضته لقيام أميركا بـ"بناء الأمّة" إلا أنني أظن أنه يدرك الحاجة لالتزام طويل الأمد من قبل أميركا وحلفائها في العراق وسوريا. وهذا، في ظنّي، هو العنصر الأهم لتطوير نهج واشنطن حيال هذين البلدين".
بيد أن موضوع النفط العراقي في برنامج "ترامب" المكتّظ بالنهب المنهجي يشرحه الكاتب الأميركي المتخصّص في شؤون الطاقة "إدوارد هنت"، ويذكر بتفاصيل طموحات ترامب منذ فترة الإعداد لغزو العراق واحتلاله. ويؤكّد الخبير بأن ترامب قد أعلن جهاراً في عام 2015 نظريته حول نفط العراق والتي تتلخّص بأن: داعش تعيش وتتمدّد بفعل النفط وللقضاء عليها يجب السيطرة على حقول النفط، وبعدها نأخذ معظم حصصه لأننا قضينا على إرهاب داعش. ويثبت الخبير خطوات ترامب: 1-إعادة جدولة المساهمة الأميركية في استثمار نفط العراق. 2-تثبيت عقود المشاركة مع الشركات الأميركية وخاصة شركة أكسون، والتي كان وزير الخارجية تيليرسون مديرها سابقاً. 3-تشريع قانون النفط والغاز في العراق وبناء برنامج للخصخصة في كل المستويات. وقد سمّى ذلك "بالاستعراض النفطي الكبير في الأرض"، والذي ستحرسه القوات الأميركية الباقية والتي تتكاثر وتمتد في العراق.
وأخيراً يمكن القول باختصار شديد بأن مسألة الكهرباء مزمنة منذ الاحتلال البريطاني للعراق في 1915، ولم تتحسّن إلا في العهد الجمهوري. ففي عام 1933 نُظّم إضراب كبير ضد رفع سعر الوحدة الكهربائية لشركة الكهرباء البريطانية – البلجيكية وتم تسفير قادة الإضراب إلى شمال العراق الكردي . وقد أثار ذلك الشاعر الشعبي العراقي "ملا عبود الكرخي" الذي قال : "لاتلقلق يحبسوك ويلعنون امّك وابوك.. لاتكول الكهرباء غالي ياملا عزاء.. يصلخوك ابهل شتاء وللشمال يسفروك".
الآن يدور دولاب الزمن وتحت ظل الاحتلال الأميركي ومشكلة الكهرباء من دون حل حتى أطلق عليها أحد الكتّاب بأنها مرتبطة مع إمبراطورية المولّدات والمحاصصة "الكهربائية" التي تخيّم على ليل ونهار العراق مع صعوبة تسفير المعترضين إلى شمال العراق.
فهل ستنجح ظاهرة التوجّه إلى نصب مولّدات كهربائية أهلية في جميع مناطق الوطن كحل متلازم مع بقاء الإنتاج النفطي من دون عدادات؟ وبحراسة القوات الأميركية التي قضت على داعش ذي الرايات السوداء وأفرخت شقيقاتها ذوات الرايات البيضاء.