تأرجح العلاقات المصرية الإيرانية
إذا قرّر العرب تغيير ما هم فيه، والعمل الجاد للدفاع عن أنفسهم ومصالحهم، فإن إيران وغير إيران لن يجدوا مبرّراً للتدخّل في الشؤون العربية، وإذا انشغل العرب بتدمير أنفسهم ودعم الإرهاب والإرهابيين واستقدام الأميركيين إلى المنطقة، فإن إيران تجد لزاماً عليها الدفاع عن أمنها القومي الذي يهدّده بعض العرب.
العلاقات الإيرانية المصرية مقطوعة منذ العام 1979 على إثر استقبال مصر شاه إيران الذي كان مطلوباً للعدالة في بلاده، ورفضها تسليمه للثورة الفتيّة. وتدهورت الأمور بين البلدين بالمزيد عندما ابتهجت إيران بمقتل الرئيس المصري، وألحقت ذلك بتسمية شارع في طهران باسم القاتل. كما أن مصر لم تخف تأييدها لحرب العرب على إيران بقيادة الرئيس العراقي، ومنذ ذلك الحين لم يحصل تطوّر يرفع من احتمالات تحسين العلاقات ورفع مستواها الدبلوماسي.
نسمع أحياناً بعض التصريحات الإيرانية الداعية إلى تحسين العلاقات وإقامة تمثيل دبلوماسي مع مصر، لكن مصر لا تبدو مُكترثة بالأمر أو متحمّسة له. إيران لها حساباتها والتي من الصعب أن تتحقّق من دون العرب، وهي حسابات متعلّقة بأمن المنطقة وتقدّمها في مختلف المجالات بخاصة المجال الاقتصادي، ومصر يبدو أن لها حسابات أخرى مختلفة. إيران تركّز بصورة كبيرة على استقلالها وأمنها القومي، وذلك لا يتأتّى إلا بتطوير قدراتها الدفاعية الردعيّة، وتطوير قدراتها العلمية والتقنية، لكن مصر لا تمتلك رؤية واضحة حتى الآن حول أمنها القومي، أو نحو استعادة قيادتها للوطن العربي. أي أن إيران ذات طموح وتطلّعات واضحة، لكن القيادة المصرية على ما يبدو أنها تكتفي بدور مصري ثانوي غير قيادي، وتربط أمنها القومي بأدوار دول لا تنتمي للمنطقة ومنها الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأميركية.
كان المشهد محزناً جداً عندما اجتمع قادة روسيا وإيران وتركيا في سوتشي على شواطئ البحر الأسود للتداول بشأن مستقبل سوريا من حيث أن المؤتمر خلا من الوجود العربي. كان من المفروض أن تكون مصر من جملة الحاضرين المشاركين، لكن القيادة المصرية منذ عهد السادات حتى الآن فشلت في أن تكون بحجم مصر. تطرّق بعض الكتّاب المصريين إلى هذا الأمر وتساءلوا عن دور مصر، لكنهم أيضاً ارتضوا التهميش مثلما فعلت القيادة المصرية.
يبدو أن مصر باتت تقبل بالدور الذي تساهم في صناعته بعض دول الخليج وبالأخصّ السعودية. مصر بحاجة إلى الأموال والمساعدات الاقتصادية، وواضح أن طمع القيادة المصرية بأموال الخليج قد طغى على مهمّتها في القيادة العربية. قيادة العرب تتطلّب القيام بخطوات لا ترضى عنها السعودية مثل قطْع العلاقات مع الكيان الصهيوني، وإعادة برمجة العلاقات مع الدول الغربية بخاصة الولايات المتحدة، ولعب دور نشط في قضايا المنطقة. وهذا ما لا ترغب القيادة المصرية القيام به لأنها تعتبره مغامرة غير محسوبة وصعبة التداعيات. لا يمكن لمصر أو أية دولة عربية أخرى أن تمارس دوراً نشطاً في قضايا المنطقة وتحديد العلاقات مع الدول الغربية من دون التنسيق مع إيران التي قطعت أشواطاً كبيرة في إثبات ذاتها اقليمياً. وفي هذا ما يؤدّي إلى غضب بعض دول الخليج.
من الممكن أن تخفّف التطوّرات الأخيرة في المنطقة من غلواء الإصرار على استمرار قطْع العلاقات بين مصر وإيران. مصر تعاني من الإرهاب في شمال سيناء خاصة، وهي بحاجة ماسّة للدعم الإيراني بهذا الخصوص. إيران والقوى الأمنية والعسكرية العراقية والسورية اكتسبت خبرة قوية وواسعة في مكافحة الإرهاب وملاحقته والانتصار عليه، ومصر تحتاج إلى هذه الخبرات بخاصة إذا تزايدت العمليات الإرهابية في الداخل المصري. دول الخليج بخاصة السعودية لا يمكن أن تكون نصيراً لمكافحة الإرهاب لأنها هي التي موّلت الإرهاب وقدّمت عشرات مليارات الدولارات من أجل تخريب وتدمير دول عربية. حتى الآن لا نعلم بالضبط ما هي المصالح السعودية في دعم الإرهاب، لكن ذات المصالح التي حرّكتها في العراق وسوريا تحرّكها في الداخل المصري.
إيران ترى في الإرهاب خطراً على الجميع وخدمة للكيان الصهيوني والولايات المتحدة، وهذا يتعارض مع نهج الاستقلال الذي اتّبعته طهران منذ البداية. وإيران غير معنية بالهيمنة كما يتّهمها بعض العرب. وإيران تسارع دائماً إلى ملء الفراغ الذي يتركه العرب، وإن لم تفعل فإن الصهاينة والأميركيين جاهزون دائماً للقفز. فإذا كان بعض العرب يرى في طهران قوّة تحاول أن تسيطر، فإن عليه أن يبادر إلى تغيير ما هو فيه وعليه، وسنرى بالتأكيد تعاوناً مصرياً إيرانياً يعود بالنفع على الجميع. إذا قرّر العرب تغيير ما هم فيه، والعمل الجاد للدفاع عن أنفسهم ومصالحهم، فإن إيران وغير إيران لن يجدوا مبرّراً للتدخّل في الشؤون العربية، وإذا انشغل العرب بتدمير أنفسهم ودعم الإرهاب والإرهابيين واستقدام الأميركيين إلى المنطقة، فإن إيران تجد لزاماً عليها الدفاع عن أمنها القومي الذي يهدّده بعض العرب.