الجراحة الجغرافية
ليس غريباً أن تتدفّق السياسة كباردات الماء ببارد وساخن، فترى الأداء التركي بمكان يُغاير فعله بمكان آخر، هذا برأيي يعود إلى قوّة التاثير التي يمتلكها رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني والذي يُمثّل الواقعية الوثّابة في التحرّك وتدعيمه بالعمل لفكرة الجنرال بارزاني من أن كل جزء من كرستان تحكمه خصوصية البلد الذي اقتطعه له.
الأداء التركي بمكان يُغاير فعله بمكان آخر
القضية الكردية مُعقّدة والنافِثون في العُقَد لعبوا بمبضع من قلم على خرائط في الشرق، حيث تتخارج الأمم، العرب والتُرك والإيرانيون والكرد.
دعونا ننظر إلى المشهد التقسيمي من السقف نزولاً على الأرض التي فُرِشت عليها الخريطة، ودعونا ننظر إلى لون اليد وعرق صاحب فكرة التقسيم ولماذا ولمن جرى تطوير الإرث وبأي أساس.
برأي مُستند إلى تجربة، نحن عشنا ونعيش التنافُس البشري ليس للسيادة بل أيضاً إيجاد الأدنى، فعلى ما يبدو فإن العقل السياسي لا يُقرّ بالطيران إن لم يجد غيوماً أسفله، ليست هذه بالتأكيد مُفردات من الشعر أو من مسرح العَبَث، بل هو واقع احتفل غير سعداء به الضحايا بميلاده المائة "
أي سايكس-بيكو"، وهي فصل يجري تدريسه وتلقينه للطلبة في المدارس بغِرِض تقديس الإنقلابات التي تُسمَّى ثورات لاحقاً، وكأن الإنقلاب طالب بتعويض ورفع لأحكام المُعاهدة العتيدة.
الكرد كانوا في الوسط الجغرافي والقومي، هم يشتركون كغالبية مع البقية في الإسلام وفي المذهب وفي الأبجدية المُتداوَلة، وهم والعرب تحديداً كانوا من المُستضعَفين في الصِراع التركي الإيراني القديم، والفَهم لهذا الصراع يتقرَّب للذهن بمجرَّد فَهم طبقات التاريخ التي تشكّلت من الأداء القومي المُغلّف بالخِلافة الإسلامية التي لم ينل الإيرانيون فيها إلا دوراً في الخط الثاني على عكس الترك.
تركيا الأتاتوركية هي النسخة الأصلية، وهي قوية جداً في المنطقة القريبة من العراق وسوريا، لها وزن إقليمي، وهي بجوار أوروبي يكون أوروبياً أصيلاً كلما إتّجهت إلى أعلى الغرب الأوروبي.
في سوريا جزء من كردستان، مثلما في العراق وهو أكبر ثم الإيراني ثم التركي وهو أكبرها، الكرد العراقيون هم المُتقدِّمون في نَيل الحقوق الكثيرة، وإن كان الطموح القومي لا يقف إلا ببناء وطن لكن الحديث ليس بهذه السهولة، لمعرفة ذلك يمكن الرجوع إلى ملف الانتفاضات الكردية في الأجزاء الأربعة من كردستان، حيث أخذت مقابر ضحاياها من كرد العراق لوحدهم نصف المليون خلال العصر الحديث "وما أدراك ما العصر الحديث".
مصطفى بارزاني كان دوماً مرجعاً قومياً في توجيه النضال الكردي، حيث إن الجنرال لم يكُ ليحمل السلاح الا بوجه من اتّخذ السلاح حلاً بالمبتدأ والخبر للتعامل مع الشعب الكردي ومنذ أن قال بواقعيّته إن الحل يكمُن في إدامة العمل للمساواة في الحق والواجب من حيث التعايش، أشار وتمّت التلبية الكردية له أنه طالما اختلّت المواطِنة بسبب السُلطة فلا طريق إلا النضال، ولا ننسى إننا جميعاً متأثرون عن حق بكل حركات التحرّر في العالم.
تركيا تتحفّظ من قيام كيان كردي في سوريا وربما ليست تركيا لوحدها، فالعقل الشرقي مُثقل بوَهم السُلطة ذائب في حلاوتها بالواقع مُستعدّ لاستعمال الخردل لقتل شعب إن لم يطعه "حلبجة خير مثال".
ليس غريباً أن تتدفّق السياسة كباردات الماء ببارد وساخن، فترى الأداء التركي بمكان يُغاير فعله بمكان آخر، هذا برأيي يعود إلى قوّة التاثير التي يمتلكها رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني والذي يُمثّل الواقعية الوثّابة في التحرّك وتدعيمه بالعمل لفكرة الجنرال بارزاني من أن كل جزء من كرستان تحكمه خصوصية البلد الذي اقتطعه له.
لا ننسى أيضا أن سوريا تعيش حرباً، وفي الحروب يكون للإسقاط السياسي معمل تجريب، ربما ليس بالمُستمر ولكن لمرحلة مُعيّنة ثم يزول التأثير، ومعنى هذا إن الدول تتعامل مثل الأفراد أحياناً، فتُخفي ملفّات وتُظهِر أخرى مُشابهة ولكنّها سهلة التداول.
الكرد السوريون سيكونون جزءاً من الحل المُقبل في سوريا، وعلامات عافيتهم إنهم بلا وَرَم مذهبي، هم ببساطة شعب على أرضه "
كانت أدبيّات حزب البعث في العراق تختزل الأشياء أيام المعسكرين، لتظهر القومية العربية في مواجهة إمبريالية فضفاضة"
النظام السياسي الكردي في العراق يعرف أين ومَن هو المؤثّر الحقيقي في مشاريع المُستقبل التي ستجد صيغة عقب سايكس بيكو، وما كان بالأمس مكافأة للثورة العربية وشريفها الحسين بن علي ستجد عليها تعديلات بحسب نفس الفهم الذي ينظر إلى وجود عالم أول وضرورة وجود عالم ثالث.
وفي السياسة لا يوجد طريقان للتداول كما هو الشارع بين ذهاب وإياب، بل هناك طرُق جديدة تُشقّ وتُعبَّد. قرأت لمهاتير محمّد قولاً يُنسَب إليه "عندما نُصلّي نتوجّه للكعبة وعندما نبني نتحرّك صوب اليابان".