هل يمكن تغيير " النظام السياسي " في العراق تحت الاحتلال الأميركي ؟
الصحافة العراقية المؤيّدة للاحتلال والتي تطرح دوماً أن قوات " التحالف الدولي " بقيادة أميركا هي التي تُحارب " داعش "، وتتحاشى فعاليات الجيش والمنظمات الشعبية المُقاتِلة، هي التي تُهلّل للتقارُب بين بعض السياسيين العراقيين ودول الخليج " المُبعثَر " وفي المُقدمة السعودية. بل إنها تحاول أن تخفّف من حال الاحتقان السعودي وهي تمرّ بمرحلة " رفْض تدويل المشاعر المُقدّسة "، وتؤكّد بأن السعودية في دعمها للانفتاح على قادة الأحزاب في العراق، لا تمانع !!.
إن النقطة الجوهرية في العراق هي أن القوى السياسية لم تنتبه ولم تتعرّف على " النظام السياسي " في البلاد إلا من خلال الاحتلال الخارجي. كان ينكر ذلك علناً أو ضمناً في الحراك السياسي اليومي في العهد الملَكي وبعد الاحتلال البريطاني في عام 1915. إن صيغة النظام بسيطة من ناحية المحتوى الاجتماعي ومُعقّدة في التطبيق اليومي، وهذا هو سرّ التناقُض الذي له الدور الأهمّ في تأجيج الصراعات ورسم آفاقها المُتغيّرة. إن النظام السياسي هذا يعتمد على عَتَلَتين الأولى "طائفية المحتوى" والثانية "علمانية مُلفّقة" لشكل نظام الحُكم .
من هنا يمكن القول بأن هذه الازدواجية هي المسؤولة عن المُفارقات التي تحصل في الفترات السياسية المُتعاقِبة بين الضمور والانحسار العام أو الاشتباكات الاجتماعية والصراعات السياسية الدورية. وهنا لا يمكن إهمال أبداً أن آلية الحكومة لا يمكن تنفيذها الا بالتعاون العضوي بين " التسنّن السياسي " الحاكم وبين شريحة ضخمة من "التشيّع السياسي " لها إمكانيات هائلة في الاندغام البيروقراطي مع الدولة والجيش والحكومة . من هذه الزاوية يبدو العراق المُرتبط مع عجلة الامبريالية العالمية "مستقلاً" فعلياً عن تأثيرات وتدخّلات دول الجوار وأيضاً "مستقلاً" عن دوره الوظيفي في هويّته العربية والاستحقاقات السياسية المُرتبطة عضوياً مع هذا الانتماء التاريخي .
ولابدّ هنا من الإضافة بأن " النظام السياسي " هذا كان حاسِماً في حلّ المسألة " الكردية " واعتبارها جزءاً من العراق " المُستقلّ " عن دول الجِوار بكل أنواعها ونُظُمِها . وكانت التحرّكات الكردية وبمختلف أشكالها ومضامينها تُعتَبر تمرّداً سياسياً وعسكرياً ضدّ الدولة .
وهذا هو خلاصة " النظام الطائفي " الذي عرفه العراق منذ تأسيس الدولة في عام 1921 وحتى سقوط بغداد عام 2003 تحت سنابك الاحتلال الأنكلو – أميركي، وبداية " النظام الطوائفي " والذي تعتمد عمليّته السياسية على المُحاصَصَة الطوائفية ضمن ما يُسمّى " مكوّنات بول بريمر " والاستيلاء المُنظّم والعشوائي على ثلاثية الملكيات العقارية والسلطة السياسية المُسلّحة والثروات الطبيعية .
من هذه الزوايا الحادّة جداً يمكن الاستنتاج: 1/ إن التغيير الشامل للنظام أصبح غير وارد من قِبَل القوى الموجودة تقليدياً ، واتّجهت الأمور بالضدّ من ذلك وتطوّر العجز في التغيير إلى رغبات محمومة بعدم ممارسته بالحد الأدنى وانتظار الحل من الخارج فقط . 2/ إن طبيعة النظام المُعقّدة فرضت نفسها أيضاً وأظهرت التجربة أن التغيير مستحيل في ظلّ القيادات القديمة هذه وبرامجها الرثّة وتكرارها المُمِل لنفس المنظومات الفكرية والسياسية العتيقة. 3/ إن التغيير الخارجي من قِبَل الاحتلال وحده أصبح شائكاً أيضاً ولابدّ من الاستعانة بالحلفاء في المحور الخليجي، رغم تشتّتهم، وعن طريق ثُنائية العصا والجزرة الشهيرة. إنها دعوة مُبتذَلة لتقاسُم الاحتلال والنهب.
إن النُخَب المُتصارِعة أصبحت عملياً " وجوه بلا هوية " وأحدهم سياسي " شيعي " حين تسمح الظروف ، وقائد " سنّي " ضمن ضغط المصالح، وزعيم عشيرة " كردي " بحسب المواسم. وكل منهم يحاول أن يرمي " المنشفة " بوجه الآخرين. مُتصوّراً بأن الذكاء السياسي هو التكيّف مع المُتغيّرات ويتحاشى حقائق قاسية بكون هذه الأحزاب لم تعد تمتلك رؤية مقبولة من الشارع للمرحلة الراهنة ، وبهذا تحاول خلع ثوبها والاختفاء وراء أصابعها. ومع إننا لا نحبّذ لغة الصحافي والكاتب " حسن رستمي " في وكالة " تسنيم " الإيرانية 2017/08/01، " عندما يصبح آل سعود هم المُربيّة الأكثر حناناً من الأمّ "، لكنّه لقنّ هذه النُخَب درساً في الوفاء والتعقّل السياسي السوقي والتمسّك بالثوابت الوطنية والقومية والإسلامية، في الحفاظ على سلامة العراق وسوريا أمام مخاطر ما تبقّى من " داعش " في معارك طويلة وقاسية، ومازالت أميركا والمحور الوهّابي المُسلّح المُتخادِم معها في محاولات يائسة لتحطيم البلدين وربطهما بالمحور السياسي للامبريالية النفطية العالمية والاقتصاد الليبرالي المأجور الرّث والمُتوحّش للمحور السعودي .
والطريف أن الصحافة العراقية المؤيّدة للاحتلال والتي تطرح دوماً أن قوات " التحالف الدولي " بقيادة أميركا هي التي تُحارب " داعش "، وتتحاشى فعاليات الجيش والمنظمات الشعبية المُقاتِلة ، هي التي تُهلّل للتقارُب بين بعض السياسيين العراقيين ودول الخليج " المُبعثَر " وفي المُقدمة السعودية. بل إنها تحاول أن تخفّف من حال الاحتقان السعودي وهي تمرّ بمرحلة " رفْض تدويل المشاعر المُقدّسة " ، وتؤكّد بأن السعودية في دعمها للانفتاح على قادة الأحزاب في العراق، لا تمانع !! من استعانة الحكومة ميدانياً "بحشد العتبات " الذي يضم بعض الألوية المعروفة بعلاقاتها الخاصة مع بعض أطراف "المرجعية "، في مقابل "حشد الفصائل" التي تهاجمها بكونها لها صلات خاصة خارجية. أما بعض القيادات، أثيل النجيفي، فقد تمادت في تخرّصاتها حين قالت: " إن الحراك الدبلوماسي والشخصي باتجاه دول الخليج، لإيجاد، على الأقل، توازن عربي ـ إيراني، في النفوذ داخل العراق، مُتناسية بوقاحة الاحتلال الأميركي وامتداداته الاقتصادية والعسكرية العلنية والسرّية .
بيْد أن المعلومات المُتفرّقة وغير المُنتظمة بخيط واحد متين، تشير إلى أن بعض المعاهد السياسية والتابعة للمؤسسات اليمينية الأميركية والخليجية الحاكمة ، بدأت مجدّدا في تربيع الدائرة الطوائفية وبصورة تتماثل مع النظام السياسي السابق ، ولكن بتشييده رأساً على عقب . أي عملياً الاعتماد على إدارة النظام الجديد عن طريق " التشيّع السياسي " العقلاني والمُعتدل والبعيد بل (بله) المُعادي للجمهورية الإيرانية الإسلامية. وبالتعاون مع كتلة متينة من " التسنّن السياسي " المُناهِضة لتركيا وحركة الأخوان المسلمين. وحل المسألة الكردية بالتعاون المشترك بين الدول الكبرى والقوى الاقليمية المعنية مباشرة بالشأن الكردي ومضاعفاته. وبطبيعة الحال ستكون " الحكومة " علمانية ملفّقة ويكون الدور مزوّر للأغلبية السياسية. أما الملكية العقارية والسلطة السياسية والثروات الوطنية فستكون حتماً قد نُهبت عن طريق " اليد الخفيّة " للولايات المتحدة والمحور الوهّابي المجروح. هنا فقراء العراق ليس لديهم من احتجاج نحو قادة الحُكم سوى المثل الشعبي المأثور: "دخانكم عمانا، وطبيخكم ما جانا ".