في العراق المُحتل: العروبة الخليجية والوعي الشقّي
من الجلّي أن "المشروع العربي" يتناقض جوهرياً مع المشروع الأميركي والذي يريد عملياً أن تخرج السعودية من "الجزيرة" إلى المنطقة وهي مسلّحة حتى الأسنان في القضاء على مقوّمات الصمود والقتال بوجه البرنامج الأميركي – الإسرائيلي في تفتيت المنطقة والسيطرة عليها سياسياً واحتلالها عسكرياً والهيمنة عليها اقتصادياً.
في 2008 اتهمت وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس إيران بدعم "المُجرمين"
في يوم السبت، 08 تموز/يوليو 2017 ، نشرت
جريدة "اليوم السابع" المصرية محضر جلسة بين الزعيم الراحل جمال عبد
الناصر والأمير "عبد الإله" وليّ العهد الملكي في العراق في عام 1954. في اللقاء أثيرت قضايا تتعلّق بالأمن القومي العربي، حيث شرح الرئيس ناصر خطّته
لمواجهة البرنامج الأميركي في المنطقة وبالتحالف مع البيت السعودي. وقال بالنصّ "لكننى لا أستطيع أن أخفى عليك أننا مهتمون بالمملكة العربية السعودية، ونحن
نريدها أن تخرج إلى دور عربي قومي صريح، والإنكليز وبعدهم الأميركان يريدون عزلها
فى شبه الجزيرة العربية، وهدفهم عزل البترول عن قضية فلسطين، إن هذا الجزء من
هدفهم ينطبق على العراق أيضاً، وقد كان من هنا أني أعطيت تصريحات ضدّ الحلف الذي
أقامته باكستان وتركيا «الحلف الإسلامي» فهذا الحلف يحوّل أنظارنا إلى جبهة غير الجبهة
الحقيقية التي تعنينا، ثم إنه يعزل إمكانياتنا عن التأثير في قضايا أمننا القومي".
وللرجوع إلى الأرشيف، لابدّ من أن
نشير إلى التقرير الخطير الذي نشرته جريدة "ذي أستراليان" في 19 شباط/فبراير 2007، من أن هناك تغييراً "في قواعد اللعبة السعودية" في المنطقة بإدارة
من الأمير بندر بن سلطان وأن وفداً رفيعاً من القيادات الفلسطينية زار المملكة
مؤخراً وقيل له خلال اللقاء به "عدوّكم الحقيقي الآن ليس إسرائيل، بل يتمثّل
بالخطر الإقليمي الجديد القادم من إيران" . ويمكن التأكيد أيضاً أنه من خلال
دبلوماسيّتها في "الوقت الضائع":
جدّدت وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس اتّهامها إيران بدعم "المُجرمين"،
وقالت إن الولايات المتحدة تدعم "عراقاً ذا هوية عربية كي يقف في وجه النفوذ الإيراني". الحياة ، 8 حزيران/يونيو 2008 .
من الجلّي أن "المشروع العربي" يتناقض جوهرياً مع المشروع الأميركي والذي يريد عملياً أن تخرج السعودية من
"الجزيرة" إلى المنطقة وهي مسلّحة حتى الأسنان في القضاء على مقوّمات
الصمود والقتال بوجه البرنامج الأميركي – الإسرائيلي في تفتيت المنطقة والسيطرة
عليها سياسياً واحتلالها عسكرياً والهيمنة عليها اقتصادياً.
من هنا نستطيع التعليق من دون مُبالغة، وعلى ضوء التحرّكات العراقية باتجاه "الخليج" بأنه ليس السير في
اتجاه مُعيّن دليل على حتمية "الموقف" المُعيّن وإنما هو في كثير من
الأحيان تحت ضغط الخيارات المُتعدّدة وانتقاء أحدها. بيْد أن الحسابات الدقيقة
يجب أن تنصبّ على التوازنات الحاسِمة بين مقولتي "الأرباح والمخاطر"
على المستوى السوقي، وبين مقولة "كسْب القلوب والعقول" على المستوى
التعبوي. وفي كل الأحوال فإن ذاكرة الغربان الأميركية في الاحتلال المستمر، تظلّ
تحمل "نموذجين" لديها، لهما صلات مُتشابكة ومُتناقضة أحياناً، الأول: لايمكن الثقة بنموذج "الفلوجة" إذ لا توجد فيها مرجعية مُتماسِكة
مذهبياً، والثاني: لايمكن الاطمئنان إلى نموذج "النجف" إذ لا توجد فيها هيئة موحّدة
سياسياً.
كما أنه من الصعب إغفال بديهيّة صارِمة
تجزم بأن الفشل حليف كل مَن يضع الصراع الوطني بديلاً للصراع الاجتماعي والعكس هو
الصحيح . وحتماً سنشاهد الخيبة التامّة لكل مَن يعتقد بأن الانفتاح الخارجي ، في
المحيط أو عالمياً ، هو قوة مساندة للصراع السياسي في الداخل . بينما سيكون
الانفتاح الداخلي المُنظّم والهادِف قوة مرنة ومُبدِعة للانفتاح نحو الخارج . إن
المسألة الجوهرية هنا هي التطابُق المُدهش بين ساعة الأحداث الجارية وبين لحظة
الموقف السياسي الصائِب الذي يخدم السياق الفعلي للوحدتين : الوطنية العراقية
والعربية المُناضلة ضدّ المشاريع الأميركية الصهيونية.
وفي إحدى حلقات البحث في معهد "
هوفر " الأميركي مؤخراً ، قال " مارك سيغمان " الخبير الأمني والجنائي في العراق بأن جورج بوش
الإبن قد علّق على ما يجري في العراق : " نحن قمنا بالغزو والعراقيون قاموا
بالاحتلال ". ويستنتج ميدانياً بأن المراحل التي وضعت للاحتلال هي الانتقال
في الحالة السياسية والعسكرية من : 1 / الوحدة مع الاستقرار . إلى 2 / الوحدة مع
الفوضى . إلى 3 / التمزّق مع الفوضى . إلى 4 / التمزّق مع الاستقرار . إلى 5 /
الاستيلاء الكامل على الثروة النفطية . وهذا ما يريده شخصياً الرئيس " دونالد
ترامب " حالياً . ويُعقّب قائلاً : إن الهدف الأميركي الأساسي ، هو أن
الأحداث يجب أن تتكيّف مع السياسة الخارجية ، وليست السياسة الخارجية هي التي تتكيّف
مع الأحداث . لكن مجموعة من الباحثين في مؤسّسة
" بلومبيرغ " الأميركية
يجزمون بأن أميركا " الأمنية القومية " لديها هدف مُزدوج بإجراء إصلاحات في السعودية وإلى تهدئة الملفات
الإقليمية ودفعها للانفتاح ومع الإمارات ،
على العراق خاصة ، شرطاً لتنصيب محمّد بن سلمان ملكاً . وأن التصعيد
مع قطر هو بالضبط لتعويق حركتها
ومنعها مع حليفتها تركيا حتى لا يقفا في
وجه البرنامج الأميركي في المنطقة والعراق .
لكننا لا مناص من تسليط الضوء هنا على
العلاقة التكتونية بين الجانبين العربي والعراقي من البرنامج الاحتلالي وخاصة على
الصعيد العسكري. إن أميركا إذ تستمر في "البقاء والامتداد" عسكرياً
في العراق هي أيضاً ناضجة في معرفتها للسياق العسكري منذ الاحتلال ولحد الآن. ولن
نعثر على تحليل أفضل من العسكري السابق الأميركي "أندرو
باسيفيتش" وهو يعتقد بأن العراق قد
مر بثلاث صفات عسكرية احتلالية. المرحلة الأولى هي المقاومة المسلّحة الهجينة
والخائبة ضدّ الاحتلال وقد انتهت عملياً في عام 2007. والمرحلة الثانية بين عامي
2006 – 2007، هي الحرب "الأهلية" الفاشلة أيضاً. أما المرحلة
الثالثة ومنذ عام 2008، فهي مرحلة "الحرب" بين الناس وهي الأخطر إذ
هي فضفاضة وتحمل في طيّاتها مختلف الاحتمالات المُتناقِضة والمجهولة. بهذا المعنى فإن "الحرب بين الناس" هي
انكسار عضوي للحرب العامة بمفهومها التاريخي الاجتماعي والذي هو الخط العام للحروب
"الخارجية والأهلية"! إن السبب غير المباشر "للحرب بين الناس" هو "الفيض السوقي" الداخلي للعراق حيث لا يستّتب
"النظام" في المجتمعات "المائية" النموذجية للدولة المركزية
في كل إنجازها الاجتماعي أو استبدادها السياسي.
إن
التشكيلات السياسية العسكرية "للحرب بين الناس" تعاني تاريخياً من الوعي المقلوب وهو الاستلاب
السياسي والاجتماعي في نشاطه العسكري المنهار. وهو لا يحدّد بالضبط بوصلة الاتجاه
في المسؤوليات السياسية ويعاني من شقاء وخيبة في حصيلة نشاطاته المُكتظة بالرغبات
المُتعاكسة. ولعلّ خير شرح لهذا الوعي الشقّي هو قول القرآن الكريم: سورة الملك –
الآية 22 "أَفَمَن يَمْشِي مُكِبّاً
عَلَىٰ وَجْهِهِ أَهْدَىٰ أَمَّن يَمْشِي سَوِيّاً عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ".