قراءة في تظاهرتي 22 و 24 فبراير: خروج الشعب وخروج الخصوم ؟
لقد أعطت التظاهرتان المتتاليتان بفارق يوم كامل، عدّة مؤشّرات سياسية سنتوقّف عندها في هذه المقالة، ولأنه قد اشتدّ التضييق السياسي حول الرئاسيات مع الاقتراب التدريجي نحو يوم "الاقتراع الرئاسي العام" في الربيع القادم 2019، فعلى هوامشه وبين ضفتيّ أيامه تتزاحم ظواهر كثيرة، وتتزاحم إرادات وأفكار كثيرة، هي سياسية بامتياز لكنها تأخذ أحياناً وجوهاً من البهتان والحيلة السياسية التي تخفى قليلاً عن قليلي تبصّر ومتابعة؟ ومن تلك الظواهر التي يصعب تحديدها بدقة، فلا أجد غير مرادفة "الخروج" تسمية على أمل تعريفها وتحليلها ضمن الأطر الوطنية والموضوعية في هذه المقالة.
الابتعاد عن الجذر الديمقراطي؟
إن "الاقتراع العام" هو أحد أهم الوسائل التي يركن إليها من اختار الديمقراطية حُكماً في تسيير شؤونه، وهو الاقتراع أو الوسيلة التي يفصل بها بين الأحزاب واتجاهاتها والكيانات السياسية وحساباتها باللجوء إلى "مبدأ حرية الاختيار" فيما يراه الخصوم مناسبا أو يليق أن يجسّده مشروعها السياسي والذي يريد رأساً قيادة الشعب وتنميته.
وعندنا في الجزائر، يبدو أن هذا المبدأ قد اهتزّ قليلاً، لظروفٍ غنيةٍ عن التعريف، وربما أن الجزائريين يدركون سببه تماماً، أقول اهتزّ لأن قيادات حزبية تتدخّل في اختيارات قيادات حزبية أخرى منافسة، وأن كيانات سياسية تدّعي الطهارة السياسية مقابل كيانات أخرى منافسة، والنموذج الأسطع يأتي مجسّداً في "أحزاب التحالف الرباعي الرئاسي" ومَن معه، في مواجهة "حركة المواطنة" ومَن معها، والعكس صحيح. هذه الأخيرة لم ترض بترشيح خصومها في التحالف الرئاسي للرئيس "عبد العزيز بوتفليقة" في عهدته الخامسة، ترفضه على اعتبار أن الرئيس مريض، وبالتالي لا يمكنه قيادة البلد؟ فيما التحالف الرئاسي الرباعي ومَن معه، لم يتدخّل في اختيارات خصومه؟
قد يقول قائِل، لأن اللعبة السياسية برمّتها في الجزائر حكر على عصبة التحالف الرباعي الرئاسي ومَن معهم، في الحقيقة، حتى لو صحّ هذا، فإنه عذر أقبح من ذنب؟ لأن "حركة المواطنة" بما هي عليه الآن ، وبقية الأقطاب في المعارضة بما هم عليه الآن، لم يتمكّنوا من بناء توافق على الأقل في الشهور الأخيرة، ولا أقول من قبل، ولم يقدّموا إسماً توافقياً، بل اختاروا التشتّت والتمزّق كما العادة التي جبلوا عليها!
قد يقول قائل مرة أخرى، ألا تدري بأن "التحالف الرباعي الرئاسي" هو "النظام" أو كما يحلو تسميته، مرة أخرى أيضاً قد يكون هذا صحيحاً، لكن التطوّرات السياسية الأخيرة قد فصلت في هذا النقاش بصفة تكاد تكون قطعية، على أن الاقتراع العام هو الفيصل، وإن المقاطعة السياسية هي مَن تقتل المعارضة لأن المصوّتين كلهم من أنصار الموالاة؟ ثم إن التظاهرات "22 فيفري" قد فصلت في ما يسمّى "النظام" من غيره، بل إن التظاهرات بكثافتها وتنظيمها وبالأهم في سلميّتها قد أوقفت الشعب طرفاً يقابل الخصمين معا "التحالف الرئاسي وحركة مواطنة" ومَن معهما.
وكأن الشعب يريد القول إن الاقتراع العام لي، وأنا سيّد، كما جميع الشعوب السيّدة في جميع البلدان وعليكم تقديم مترشيحكم وبرامجكم وأن تحرصوا على أن ينفذ الاقتراع العام وفق القانون، لا أن تقدّموا حناجركم بالصراخ وفى اللقاءات التلفزيونية والكلام المجاني!؟
ويبدو أن "التحالف الرئاسي الرباعي" قد فَهِمَ جيداً هذه الرسالة، فقد اعتبر "العهدة الخامسة" مثلما المفتتح لأجل إعادة بناء كل شيء، وقد تكون العهدة الخامسة كذلك؟؟ فلِمَ لا تُعطى لها الفرصة على اعتبار أن الشعب قد صار واعياً سياسياً وأوضح ذلك في التظاهرات. بالمقابل يبدو أن "حركة المواطنة" تريد الاستثمار في الوعي السياسي الشعبي الجزائري الجديد الذي تجلّى في التظاهرات المُعبّرة عنه يوم الخروج العظيم "22 فبراير".
خروج الشعب و"خروج الخصوم"؟
لقد كانت "تظاهرة 22 فبراير" خروجاً صادقاً للشعب بكل أطيافه الحيّة وكان الشباب أهم تلك الأطياف الحيّة، فيما كانت "تظاهرة 24" خروجاً للخصوم السياسيين المناوئين للتحالف الرئاسي الرباعي الحاكم ومَن معه، خروجاَ نفذته "حركة المواطنة " ومَن معها من المتحالفين. وسيّان بين الخروجين؟ لهذا سأحاول قراءة هاتين التظاهرتين تحت هذه الخطوط، وفي الحقيقة أفعل هذا ليس دفاعاً ولا تهجّماً، بل أفعله لأجل حرية التعبير والتصدّي للبُهتان والاحتيال السياسي. إن التظاهرات التي خرجت في "22 فبراير" أولى بياناتها أنها لم تكن تملك جهة منظمة ومعلنة النسب والانتماء السياسي، بل جاءت تظاهرات من وحي التواصل الاجتماعي الذي أوضح قدرته على التنظيم وتجميع الغاضبين، وللتذكير كان تاريخ "22 فبراير" مصادفاً للكثير من التظاهرات التي كانت ضمن ما يُسمَّى بالربيع العربي في ليبيا وسوريا ومصر ومن صنع التواصل الاجتماعي !! وأنه لتأريخ مثير على هذه المقاسات إن صحّت هذه المصادفة!؟ لكن ما ميّزها من تنظيم وسلمية وثقافة عالية في الالتزام المجتمعي والأمني قد جعلها فخراً لنا جميعاً ، فحتى " التحالف الرباعي الرئاسي " نوّه بها ، بتميّزها التنظيمي والتزامها الأمني ووعيها السياسي العالي . وهي ليست بالغريبة عن التربية الوطنية التي يحتضنها الشعب في كنهه ، وبالتالي فقد أضحت تلك التظاهرة "22 فبراير" حقاً خروجاً للشعب الذي أرغم الجميع" معارضة وموالاة" وأحزاب التحالف الرئاسي ومَن معهم من أنصار العهدة الخامسة المجتمعين في "مجموعة 15" والآخرين من بعض أطياف البسطاء والشعبيين والشباب والعاطلين وأبناء المنظمات والإعلاميين ، على اعتبارها خروج للشعب الجزائري ، أما الخروج الذي كان في " 24 فبراير" والذي أعلنته ونظّمته "حركة مواطنة" ومَن معها من شتّى زخم معارضة والذي رأت فيه "الموالاة إنه حركة سياسية من المعارضة ومن معها ، من نشطاء ضد العهدة الخامسة والمجتمعين في "مازفران" وما شابه، والآخرين من بعض أطياف البسطاء والشعبيين والشباب والعاطلين وأبناء المنظمات والإعلاميين، فهي من دون أدنى شك ، ليست خروجاً للشعب كما الأولى، بل هي بكل وضوح خروج كان للخصوم السياسيين للتحالف الرئاسي الرباعي والموالاة نفّذته المعارضة. ربما ضروري جداً العودة إلى الجذر الديمقراطي والإلتزام بالاقتراع العام ، والابتعاد عن الخصومة السياسية وتوظيف الشوارع والصراخ ونيّات الشعب الجزائري النوفمبري العظيم.