مأزق ترامب الاستراتيجي وجدليّة الانسحاب من سوريا
بعد قرار ترامب بالانسحاب من سوريا، وما تبعه من تداعيات جعلت الجميع يتخبّطون في بوتقة البحث عن حلولٍ وبدائل، وضمن منعطف يُراد منه تبديد أية هواجس قد تصيب الكيان الصهيوني، تتناغم التصريحات الأميركية الرامية إلى طمأنة حلفائها، وترافق ذلك مع زيارة مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون إلى الكيان الصهيوني، من أجل تبديد قلق تل أبيب.
يبدو أن حال الجدل التي رافقت قرار ترامب بالانسحاب من سوريا أصابت بيادقه في الشرق الأوسط بدوار استراتيجي، حيث أن القرار المُفاجئ والبحث عن أسبابه، كان هاجساً لجميع الأطراف الفاعلين في الشأن السوري، لكن في المقابل ومع غياب استراتيجية واضحة المعالم لسياسة ترامب في المنطقة، كان واضحاً أن هناك حذراً سياسياً وعسكرياً لجهة الدولة السورية وحلفائها، وهذا ما ظهر جلياً في تصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي قال "إن قرار الرئيس الأميركي صائب"، لكن بوتين شكّك في الوقت ذاته في القرار، مؤكّداً أنه "لم ير أية أدلّة تشير إلى هذا الانسحاب"، وعطفاً على تصريح بوتين، فقد رحّب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بحذر بالقرار الأميركي، ليعلن أردوغان جرّاء ذلك "إرجاء الهجوم على مناطق نفوذ قوات سوريا الديمقراطية ولكن ليس إلى أجل غير مسمّى"، فضلاً عن جملة المواقف التي تمحورت بمجملها عن استغراب يشوبه القلق نتيجة قرار ترامب، لكن الإدارة الأميركية سارعت عبر سياسيّيها لتبديد الشكوك وخاصة لجهة أدواتهم، في محاولة لرصّ الصفوف من جديد، وإرسال تطمينات تدلّ على أن قرار ترامب لم يكن إلا محاولة لإعادة خلْط الأوراق من جديد، في انتظار استكمال جزئيّات المشهد السوري، والتعاطي مع المستجدّات التي فرضتها الدولة السورية وحلفاؤها، على قاعدة الانتصار السوري، مع بحث أميركي عن فُرَص لكسْر هذه القاعدة.
بعد قرار ترامب بالانسحاب من سوريا، وما تبعه من تداعيات جعلت الجميع يتخبّطون في بوتقة البحث عن حلولٍ وبدائل، وضمن منعطف يُراد منه تبديد أية هواجس قد تصيب الكيان الصهيوني، تتناغم التصريحات الأميركية الرامية إلى طمأنة حلفائها، وترافق ذلك مع زيارة مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون إلى الكيان الصهيوني، من أجل تبديد قلق تل أبيب، في موازاة زيارة لـوزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو تشمل ثماني عواصم في الشرق الأوسط، لإجراء محادثات تُركّز بشكل خاص على ملفات إقليمية وعلى رأسها القرار الأميركي بالانسحاب من سوريا، وضمن هذه المعطيات، هناك احتمالات عديدة لـقرار ترامب يمكن إيجازها في نقطتين:
الأولى، يبدو أن قرار ترامب كان يُشكّل في ماهيّته فرصة مؤاتية للحليف الأطلسي تركيا، من أجل التمدّد وفرض مناطق نفوذ جديدة يتمّ تقاسمها في وقتٍ لاحق، فضلاً عن إمكانية القضاء على الهاجس التركي المُتمثّل بالكرد، لكن الجيش السوري وبوثبةٍ استراتيجية، تمكّن من القضاء على خطّة ترامب في مهدها، عبر الدخول إلى مدينة منبج وما ترتّب على هذا المشهد، من بوادر اتفاق يجمع الدولة السورية والكرد على تسليم كافة مناطق سيطرة الكرد للدولة السورية وجيشها، وبهذا تمكّنت الدولة السورية من اقتناص التخبّط الأميركي والتركي و سحب البساط من تحتهم.
الثاني، يبدو أن ترامب قد راهنَ على خطوته للحصول على مكاسب سياسية، لم تُسعفه الخطط العسكرية بالحصول عليها، صحيح أن ترامب لم يتمكّن من حسم الحرب على سوريا لصالح واشنطن وأدواتها، لكن الصحيح أيضاً أن المناورات الاستراتيجية التي اعتمدتها الدولة السورية وحلفاؤها، جعلت من موازين القوى تصبّ في صالحها، وما التحرّكات والحشودات العسكرية السورية في الشرق السوري، إلا تجسيداً واضحاً لرؤية فرضتها الدولة السورية، ومن منطق القوّة السياسية والعسكرية، باتت دمشق ندّاً لـواشنطن، ما أجبر ترامب على التأرجّح في قراره وإعادة حساباته، لمواجهة أيّ تصدّع قد يُصيب مصالح واشنطن وأدواتها في الشرق الأوسط.
الواضح أن هناك الكثير من التحليلات التي رافقت قرار ترامب، لكن في مقابل ذلك، يبدو أن هناك ملامح ترتيبات وتفاهمات في إطار التبلور في ما يخصّ الخروج من سوريا، وعلى الرغم من ضبابيّة المشهد السياسي والعسكري، لكن المؤكّد أن دمشق وحلفاءها في مرحلة إعادة ترتيب الأوراق من أجل ضمان تحقيق مخرجات سياسية ناجعة للانتصار العسكري، وذلك لقطْع الطُرق على كل ما من شأنه الحد و تحجيم مفاعيل الانتصار السوري، فـزمن التحوّلات النوعية التي راهنت عليها واشنطن قد بات من الزمن الماضي، واليوم باتت هذه التحوّلات حِكراً على دمشق، بدليل أن الإنجازات الأخيرة للجيش السوري تؤكّد أن توقيت دمشق لا يمكن إعادته إلى الوراء، أياً كانت الخطط الأميركية.