مَن يُسقِط نهج وكيان أوسلو؟
حين تنعدم الآليات الشرّعية الديمقراطية السلمية في تحقيق التغيير، وتغيب المؤسّسات المُنتخبة أو تنتهي صلاحياتها وتفقد أهليّتها وتصبح عملية التغيير الدّاخلي مسألة مُعقدّة أو مُتعذّرة، والحوار ملهاة يومية تعيد إنتاج ذاتها، وتفشل القوى والأحزاب في تحقيق الحد الأدنى من التوافق الوطني، حين يحدث كل هذا وأكثر لا يتبقّى أيّ طريق أو قوى بديلة يمكنها شقّ الأمل مرّة أخرى إلا قوّة وطريق الجماهير الشعبية المُنظّمة حين تخرج إلى الميادين والشوارع وتعلن التمرّد والعصيان فتقول كلمتها الحاسِمة ، الكلمة الفصل.
لماذا لا تخرج الجماهير الشعبية الفلسطينية إلى الشارع إذن وتقول: يسقط نهج محمود عباس؟ وما هي الكوابح الدّاخلية التي تمنعها من فرض هيبتها وسطوتها على النظام السياسي الفلسطيني القائم المُتجسّد في كيان أوسلو المسخ والفاسِد ، فتقول: قُضيَ الأمر ، هذا هو الطريق الذي نريد ومن هنا سنبدأ؟
لو جمعنا كل أنصار وأعضاء حركتيّ فتح وحماس ومعهما الفصائل الفلسطينية وكل أحزاب الداخل المحتل عام 1948 في الوطن والشتات فإنها لن تتجاوز 1% من جموع الشعب الفلسطيني. ربما أقل. طيّب أين تقف الكتلة الشعبية الفلسطينية الكبرى الباقية الصامِتة؟ لماذا لا تتحرّك من أجل إنقاذ فلسطين وتحرير القضية من قبضة " القيادة " اللاشرعية التي تُهيمن على المؤسّسات وتُصادِر قرار الشعب؟
بديهي القول أن الجماهير الشعبية في أيّ مكان ليست مجرّد الآلات وأجهزة من الروبوتات تتحرّك بكبسة زر، لا تنطلق الناس بمفردها أو بقرارٍ من فوق، أو بسبب توافر الرغبة الذاتية في الثورة والتغيير، حتى وإن كانت كل هذه ضرورات، والحاجة إلى التغيير والشغف إليه كشرطٍ أساسي
للتقدّم ، لا بل كشرطٍ وجودي في الحال الفلسطينية، ومع ذلك، تظلّ إنطلاقة الحراك الشعبي الفلسطيني في الوطن والشتات من أجل تحقيق الوحدة الوطنية واستعادة الشعب لقضيته ، وتحريرها من قبضة القطاع الخاص في رام الله مسألة لا تحتمل التأجيل .وإن كانت مُتعثّرة اليوم.
إذا كان ثمة درسٌ تاريخيّ تعلّمناه عن " دور الجماهير الحاسِم في المعركة " فالمقصود هو قدرة الجماهير الشعبية المُنظّمة التي تعرف ماذا تريد وتسير خلف شعارات سياسية تنظّم حركتها خلف قيادة معروفة الهوية والإسم والهدف. لا يكفي أن تعرف الناس عدّوها أو خصمها السياسي المباشر فحسب ، بل عليها أن تعرف أولاً البديل السياسي والاقتصادي والثقافي الذي تريده وتنشده.
جرى تدمير مجتمعات بشرية حين خرجت الجماهير الشعبية غاضبة ثائرة مدفوعة بمشروعية الحق وعدالة قضيتها ، لكن النتائج كانت وخيمة وكارثيّة من دون حضور البديل الثوري الديمقراطي وغياب الخطّة والقيادة الموثوقة ، وسمح هذا الواقع بتسلّل قوى رجعية تماهت مع الجماهير التقليدية المحافظة وركبت على ظهرها ثم سلختها وقهرتها ، لا يكفي أن يكون " الحق معك " ولا يكفي أن تحمل السلاح، يجب أيضاً امتلاك الرؤية والقوّة التي تُلازم هذا الحق وتُرشد هذا السلاح.
إن تغيير شخص ما يحتل رأس السلطة ويغتصبها، واستبداله بشخصّ آخر، لن يحقّق عملية التغيير المطلوبة طالما ظلت أركان وقواعد النظام نفسه قائمة وراسِخة لم تتغير جذرياً.
ومن هنا تصبح الدعوة إلى وحدة طليعة الشباب الفلسطيني من الأجيال الجديدة في الوطن والمنافي وفي المقدّمة منها قواعد وكوادر قوى المقاومة الفلسطينية على اختلاف مدارسها السياسية والفكرية التي على أكتافها تقع المسؤولية في النضال ، ويجب أن تدفع بدورها قيادتها السياسية نحو القطع مع نظام أوسلو.
ليس المطلوب " إسقاط الرئيس عباس " بل إسقاط النهج كله وإسقاط كيّان أوسلو واجتراح بديله، هذا يعني الخروج التدرّجي المنظّم ومغادرة كل الشعارات الرّاهنة التي سقطت على أرض الواقع وفي مقدّمها ما يُسمّى ب " المُصالحة الفلسطينية " هذا الشعار الفارِغ لا معنى له اليوم ، وقد سمح للعدّو والنظام العربي الرجعي التدخّل في شؤوننا الوطنية وأن يعبثوا بقضية فلسطين ويحوّلوها إلى ملفٍ أمنيّ في أدراج أجهزة المخابرات.
الشعار / الهدف الوحيد والواقعي الذي يمكنه اليوم أن يجمع أكثرية الفلسطينيين في الدّاخل والخارج هو بناء جبهة المقاومة الشاملة لتحرير كامل التراب الوطني وبناء المجتمع الديمقراطي الذي يضمن المساواة والعدالة لجميع سكان فلسطين. ما تقدّم يشترط إسقاط شعار " الدولة الفلسطينية في الضفة والقطاع " نحو إنهاء النظام الاستعماري الاستيطاني في كل فلسطين.ستظلّ الجماهير الشعبية الفلسطينية بقيادة طليعة الشباب الوطني في أطر المقاومة الفلسطينية ، كما أن الحركة الأسيرة في سجون العدو هي القوّة الوحيدة القادرة على إطلاق المبادرة الشعبية وقلب الشرعيات الزائِفة ، وهي القادرة على تجديد الشرعية . إن دفع طاقات ودماء جديدة إلى الميادين وساحات العمل والنضال الشعبي والمسلّح، تسير خلف شعارات واقعية وثورية تنظّم حركة شعبنا في الوطن والشتات.
هكذا فقط ستعبُر الجماهير الشعبية الفلسطينية الجسر نحو المستقبل وهي تؤكّد دورها وحقّها في إجراء عملية التغيير الدّاخلي السلّمي وتستأنف طريقها التحرّري نحو العودة والتحرير.