التفوّق العسكري الأميركي وتوظيفه السِّياسي في منطقة الشرق الأوسط
منذ انهيار الاتحاد السوفياتي وجدار برلين، وتغيُّر المُعادلات الجيواستراتيجية والعسكرية الدولية، وسقوط نظام الثُنائية القطبية لصالح الولايات المتحدة الأميركية باعتبارها الدولة الإمبريالية الاستعمارية الكبرى المُمثلّة للعالم الحر، وفق الأطر والأنساق العولمية العالمية التي تعتمد على عنصر التفوّق الاقتصادي والعسكري والثقافي، في محاولتها فرض أمر واقع جديد على دول العالم ومناطقه الجغرافية، ومنها منطقة الشرق الأوسط، التي تكتسي منذ فجر التاريخ أهمية إستراتيجية كبرى لأنها تربط بين ثلاثة قارات، وفيها أهم وأكبر الدول المُصدِّرة للنفط، وتحتوي على أكبر مخزونٍ استراتيجي طاقوي في العالم. تسعى كل الدول بما فيها الولايات المتحدة الأميركية إلى الهيمنة عليه، عن طريق التحكّم في دوله واقتصادياتها، وفرض الحمائية العسكرية على وحداتها ونُظمها السِّياسية التسلّطية الديكتاتورية.
وقد طبَّقت واشنطن نظرية التغلغُل والتوسّع العسكري بنجاحٍ مُنقطع النظير، بعد أن استطاعت إقناع السعودية والكويت والإمارات، وقطر وغيرها بضرورة إقامة قواعد عسكرية دائمة لها فوق أراضيها بعد انتهاء عاصفة الصحراء، وانهزام القوات العراقية وخروجها من الكويت سنة 1991م، ومنذ ذلك الوقت كرَّست الولايات المتحدة سيطرتها بالكامل على هذه المنطقة الحسّاسة والهامّة لأمن العالم سياسياً وطاقوياً وعسكرياً، وأصبحت تفرض قواعد لعبتها السِّياسية، وتسخِّر قوَّتها العسكرية وقواعدها المُنتشرة في تلك الدول وغيرها من دول الشرق الأوسط كالأردن في حماية حليفها الرئيس في المنطقة وهو الكيان الصهيوني الغاصِب، الذي يُعتَبر نقطة الارتكاز الأساسية في تنفيذ مُخطّطاتها الاستعمارية التوسّعية في المنطقة.
فكل الرؤساء الذين تعاقبوا على حُكم بلاد العم سام في الـ 50 سنة الأخيرة، قد جعلوا في أولوياتهم لتطبيق بنود سياساتهم الخارجية توطيد العلاقة مع هذه البلدان الشرق أوسطية، بحيث تكون إحدى الأدوات الرئيسة التي تستعملها في حروبها المُعلَنة وغير المُعلَنة منذ فترة الحرب البارِدة، والتي تستمر حالياً في المنطقة بعدّة طُرُق وأشكالٍ أخرى مع دخول روسيا الوريث الشرعي للاتحاد السوفياتي، وإيران العدو اللدود لأميركا منذ الإطاحة بالشاه محمّد رضا بهلوي حليفها الأهم في الشرق الأوسط حتى سنة 1979م، والذي تمّت الإطاحة به عن طريق الثورة الإسلامية ، وهذا ما غيَّر حلبة الصراع في المنطقة. فأميركا التي يُعتَبر جيشها الأقوى والأضخم والأكثر تقدّماً من النواحي والجوانب التقنية واللوجستية والتكنولوجية، وظّفت قدراته العسكرية بشكلٍ ممتازٍ من أجل أن تحمي مصالحها الإستراتيجية، بالرغم من الهزائم التي لحقتها في عدَّة دول ومنها العراق ولبنان عندما تمّ تفجير قاعدة المارينز هناك وقتل أكثر من 200 جندي من قوات النخبة، وقد تبنّى هذه العملية البطولية عناصر حزب الله اللبناني آنذاك.
الرئيس الجمهوري دونالد ترامب، ولأنه يُدرِك جيّداً بأن توازنات القوى الراهِنة لن تسمح له بالدخول في حربٍ طاحنةٍ مع خصومه في المنطقة، ومنهم سوريا وحزب الله وإيران فإنه يحاول توظيف ورقة القوّة العسكرية لكي يُجبِر حكّام المنطقة على الرضوخ لمطالبه بضرورة ضخّ المزيد من الأموال في الاقتصاد الأميركي المُتهالِك، والقبول بصفقة القرن كأمرٍ واقعٍ وبالكيان الصهيوني المُحتل كدولةٍ طبيعيةٍ في المنطقة والتطبيع الكامل معها دبلوماسياً واقتصادياً وثقافياً، وحتى دينياً في نهاية المطاف.