في الأيام الأولى لحرب تموز
لأول مرّة في تاريخ الحروب الإسرائيلية على الدول العربية، شُنّت حرب تموز 2006 بقرارٍ أميركي. وحُدِّدت لها أهداف خفيّة، وهي احتلال سوريا، بسبب موقفها الثابت في دعمِ المقاومةِ في العراقِ وفلسطين ولبنان. وجاءت إطالة أمد الحرب على لبنان في تموز من أجل تحقيق الهدف الأميركي الذي لم يكن من المُمكن تحقيقه من خلال غزو أميركي لسوريا.
عندما خطفَ حزبُ الله الجنديين الإسرائيليين، 12 تموز/ يوليو من العام 2006، في عمليةٍ أطلق عليها "الوعد الصادق" من أجل تحرير باقي الأسرى اللبنانيين في مُعتقلات إسرائيل. ابتدأت إسرائيل بالقصف كردِ فعلٍ على العملية، لم يكن أحد يتوقّع أن هناك حرباً ستمتد حتى 33 يوماً. استغلّت إسرائيل عملية الخطف من أجل تحقيق الأهداف الأميركية الخفيّة، الأسباب غير المباشرة للعدوان. لأول مرّة في تاريخ الحروب الإسرائيلية على الدول العربية، شُنّت حرب تموز 2006 بقرارٍ أميركي. وحُدِّدت لها أهداف خفيّة، وهي احتلال سوريا، بسبب موقفها الثابت في دعمِ المقاومةِ في العراقِ وفلسطين ولبنان. وجاءت إطالة أمد الحرب على لبنان في تموز من أجل تحقيق الهدف الأميركي الذي لم يكن من المُمكن تحقيقه من خلال غزو أميركي لسوريا، ولكن من خلال احتلال إسرائيلي على غِرار ما حدث في العام 1982، بعد القضاء على المقاومة الإسلامية وبالتالي احتلال دمشق.
كانت التحضيرات الأميركية على أشدّها من أجلِ دعمِ إسرائيل في حربها المُطوّلة والتي من أجلها أقامت أميركا جسراً جوياً من لندن إلى تل أبيب بهدف نقل السلاح للجيش الإسرائيلي. تعود أسباب القرار الأميركي إلى العام 2003، بعد زيارة كولن باول، وزير خارجية أميركا، إلى سوريا في العام 2003، والتي جاءت بعد أن أعلن الرئيس الأميركي جورج بوش الإبن بسط السيطرة الأميركية على الأراضي العراقية. وكانت أميركا تريد أن تستثمر الوضع الجديد سياسياً وذلك عبر التمهيد لوضعِ خارطةِ طريقٍ جديدةٍ لسياساتها في الشرق الأوسط. ولكن بعد أن صرَّح باول من إسبانيا عن قلقِ واشنطن من إيواءِ دمشق جماعات إرهابية ، وأعلن أنه في طريقه للقاء الأسد، قال في دمشق: "إنه جاء لاستطلاع رأي الرئيس السوري في المُتغيّرات التي تشهدها المنطقة". والذي يدلّ على أن دمشق لم تتوافق مع واشنطن وابتدأت القطيعة معها، وأتبع ذلك مقاطعة الإتحاد الأوروبي. طُلب من الأسد آنذاك التوقّف عن دعمِ المقاومةِ في كلٍ من العراقِ وفلسطين، ووقف دعمه لحزب الله، إضافة إلى سلسلة من المطالب. غير أن الرئيس السوري بشّار الأسد فنَّد المزاعِم الأميركية. وأشار إلى ما استفزّ الإدارة الأميركية ضدّه وهو أن توقّف المقاومة في لبنان وفلسطين مرتبطٌ بوجودِ حلٍ للصراعِ الإسرائيلي- الفلسطيني والعربي، وحلّ قضية اللاجئين. وأن سوريا لا مانع لديها من وقف برنامجها الكيميائي ، ولكن من خلالِ قرارٍ صادرٍ عن مجلسِ الأمن يُعلِن أن منطقة الشرق الأوسط منطقة خالية تماماً من أسلحة الدمار الشامل، وإلزام إسرائيل بذلك.
بعدها جاء لقاء النورماندي ما بين الرئيس الأميركي جورج بوش الإبن ورئيس فرنسا جاك شيراك، الذي ولِدَ فيه، في 6-7 حزيران/ يونيو 2004، القرار 1559 قبل أن يتبنّاه مجلس الأمن في 2 أيلول/ سبتمبر، والذي طالب بإخراج الجيش السوري من لبنان. ولكن عندما لم تمتثل سوريا للمطالب الأميركية، تم اغتيال الرئيس الحريري في 14 شباط/ فبراير 2005، الأمر الذي زعزعَ الاستقرار في لبنان والمنطقة وخلقَ واقعاً جديداً في 2005، ودفعَ نحو خروج السوريين من لبنان في 28 نيسان/ أبريل من العام نفسه.
عن هذا، كتب مايكل يونغ في 2006، في نيويورك تايمز، تحت عنوان "غزو إسرائيلي، حرب سوريا" إن الغضب الإسرائيلي المُضاعَف كان لسببين الأول هو خطف الجنود في لبنان واختطاف جلعاد شاليط في غزّة، فقامت إسرائيل بقصف غزّة بالتزامُن مع غزو لبنان. وحمّلت كلاً من سوريا وإيران مسؤولية أداء حزب الله، ومن خلال تصريح أمين عام حزب الله، السيّد نصرالله: إن الجنود قد أصبحوا في مكانٍ بعيدٍ، فهمت إسرائيل أن الجنود قد أصبحوا في إيران. وكنتيجةٍ للخطفِ اعتبرت سوريا بأنها حلقة عدم الاستقرار الاقليمي لأنها توفّر المَلاذ لأكثر الفلسطينيين تعصّباً، ويتم عبرها نقل السلاح إلى حزب الله، ولابدّ من القيامِ بعملٍ يضع حداً لسوريا عن مُمارساتها.
خلال الحرب كانت دمشق كما العادة على تواصلٍ قريبٍ مع قيادات حزب الله. ونشرت جيشها على أهبّة الاستعداد على هضبة الجولان. إذا كان الجميع يعرف بماهيّة الخطّة الأميركية التي تقضي باحتلال دمشق. ولكن مُقاتلي حزب الله كانوا على صمودهم، وتوجّهت دمشق إلى روسيا لشراء المزيد من الصواريخ المُضادّة للطائرات والدروع، التي تم تزويد مُقاتلي حزب الله بها، والتي لم تتوقّف باتجاه مواقع العدو في فلسطين المُحتلّة، والتي أثبتت بأنها الخيار الاستراتيجي الأفضل في الحربِ ضد إسرائيل. هذا مع العِلم أن ردّة فعل سوريا بإيصال هذا الحجم من الصواريخ إلى حزب الله لم تكن متوقعة من أحد. وكان أحد التكتيكات الأساسية، التي اعتمدت لدحرِ الإسرائيلي في حربِ تموز 2006.
وفي 30 تموز 2006 كتبت الغارديان أن إسرائيل ابتدأت تدفع ثمناً غالياً، ووصفته بأنه "نقطة تحوّل مُدمية" في حربها مع حزب الله. وفي الحقيقةِ أنه عندما انسحبت إسرائيل من بنت جبيل قائلة أنها قد حقّقت أهدافها هناك، لم تكن إسرائيل قد حقّقت أية أهداف وما حدث هو انسحاب ولم يكن نصراً، لقد كانت حرب يوم الأربعاء الأغرب والأطول في تاريخ الحروب الإسرائيلية. إذ مايزال مقاتلو حزب الله يتموضعون بقوّةٍ في بنت جبيل، وما تزال كل من تل أبيب والقدس ترزخ تحت خطر صواريخ حزب الله.
التقت الغارديان آنذاك مع العقيد الإسرائيلي عوفيق بوخريس، بعد دفن 51 جندياً وضابطاً من كتيبته في 30 تموز، والذي وصف الصواريخ بأنها كانت تنزل كزخّ المطر. وقدَّم اقتراحاً بأربعةِ سيناريوهات للخروجِ من الحربِ، وكان أكثرها حظوظاً بالنسبة إليه توسعة نطاقها إلى سوريا، ثم قال إن الطرفين السوري والإسرائيلي لا يريدان ذلك. والهدف وراء إطالة أمد الحرب، كما يؤكّد جوناثان كوك على موقعِ الانتفاضة الإلكترونية، بعد عامٍ من الحرب، من خلالِ حديثٍ نُقِل عن، ميراف وورمزير، زوجة نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني، وهي عضو بارز في المُحافطين الجُدُد، والتي كانت تعمل كمستشارةٍ في شؤون الشرق الأوسط. شرحت وورمزير بأن إطالة أمد الحرب جاءت بسبب عدم رغبة واشنطن بوقف الحرب لأنها كانت تريد أن تمنح إسرائيل الوقت الكافي كي تمدّ بأمَدِها وتُهاجم دمشق. وبذا يتم إنهاء حزب الله وبالتالي تقويض دمشق وعزل طهران قبل أن "يتم قتلها". وهذا ما لم يتم لها.
عندما صرّح السيّد حسن أنه لو كان يعرف بأن إسرائيل ستهاجم بعد خطف الجنود الإسرائيليين لما قام الحزب بهذه العملية، لقد كان السيّد مُحقّاً بأن ما حدث لا يُعبِّر عن الاستراتيجية التي تتبعها إسرائيل في حروبها. ولكن عملية الوعد الصادق وبحسب التصريحات الأميركية التي تلتها، والحقائق التي تكشّفت لم تكن سوى الذريعة التي تلاعبت بها الولايات المتحدة بإسرائيل لتشنّ الحرب كي تحقّق مُخطّطها في احتلال دمشق، إذ كانت تظنّ أنها بذلك ستتمكّن من بسطِ سيطرتها على منطقةِ الشرق الأوسط من إيران إلى البحر المتوسّط حتى تتسنّى لها إقامة شرق أوسط جديد.