خلفيّات اتّهام المغرب لحزبِ الله
رأينا جميعاً الصوَر التي تم تداولها في مواقع التواصل الاجتماعي وهي الصورة التي جمعت كلاً من الملك المغربي محمّد السادس ووليّ العهد السعودي محمّد بن سلمان ورئيس الوزراء اللبناني المستقيل سعد الحريري في أحد مقاهي باريس ، وهو اللقاء الذي يجمع عناصر عديدة يمكننا من خلالها فهم فحوى قرارات الملك المغربي الأخيرة والتي تُعتبَر بمثابة لُغزٍ يُطلب من المتابعين أن يفكّوا طلاسمه وأن يجدوا الرابط السحري بين عناصر هذا اللُغز الطريف.
فالطرف المغربي يتهم إيران بإدخال عناصر من حركة حزب الله اللبناني إلى الجزائر لتدريب عناصر من جبهة البوليساريو الصحراوية على استخدام صواريخ SAM9 و SAM11 /صواريخ أرض جو/ بتسهيلٍ من السلطات الجزائرية، وتقارير أخرى تقول بأن الجزائر سعت لطهران للوساطة بينها وبين حزب الله لتدريب عناصر من البوليساريو.. بغضّ النظر عن غياب أيّ دليل عن هذه التهم، وبغضّ النظر أيضاً عن توجُّه الجزائر نحو دولة تبعد عشرات الآلاف من الكيلومترات للتوسّط بينها وبين حركة تحرّرية أخرى للمجيء إلى الجزائر للقيام بهذه المهمة، فالمشكلة الأساسية تكمن في استصغار واحتقار لقدرات الجيش الجزائري الذي يُعدّ من أقوى جيوش المنطقة عُدَّة وعتاداً وإطارات ومُجنّدين حسب التقارير الاستراتيجية الصادرة عن أهم مراكز الدراسات العالمية المرموقة.
والسؤال المطروح: ألا يستطيع الجيش الجزائري القيام بهذه المهمة - لو أراد ذلك- أم أن هذا الربط هو مجرّد ذرّ للرماد في العيون . فالمملكة المغربية أصبحت خلال السنوات الماضية تلبّي الرغبات السعودية بداية باستعمال الجيش المغربي في الحملات العسكرية السعودية على اليمن ، والتي أُسقِطت فيها للمغرب طائرة عسكرية في الأجواء اليمنية خلال قيامها بمهمات عسكرية هناك قبل سنتين تقريباً، وكذا موقف المملكة المغربية من الصراع السعودي القطَري وغيرها من المواقف الأخرى التي تُثبت بأن قرار المغرب ليس بيده وإنما موقعه فعلياً في جملة السياسات الخارجية الاقليمية والدولية - مفعول به -.
إن محاولة الربط بين لقاء الملك المغربي محمّد السادس بسعد الحريري ومحمّد بن سلمان في باريس مؤخراً ، وبين هذه التهم الطريفة يمكننا حلّه وفق معادلة رياضية بسيطة جداً يمكننا إسقاطها لتفكيك مركّبات هذه التهم، فاتهام المغرب للجزائر بإملاءٍ سعودي عبر إقحام إيران ولمسة سحرية من سعد الحريري بإدخال حزب الله في المعادلة . كل هذه الأمور جاءت بعد صفعة مجلس الأمن الأخيرة للمخزن المغربي في قضية الصحراء الغربية التي فرضت فيها الجهات الأممية على المغرب إلزامية الجلوس مع الجانب الصحراوي لإجراء مفاوضات بين الطرفين ـ إضافة لبعض المواقف الجزائرية التي وقفت ضد إرادات بعض الدول الخليجية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية بعدم التدخّل في بعض الأزمات العربية، ورفض إدراج حزب الله في قائمة الإرهاب في أشغال القمّة العربية السنة الماضية، وقرارات جزائرية أخرى أثبتت للقاصي والداني سياديّة القرار الخارجي الجزائري واستقلاليّته عن أية ضغوطات وإملاءات أجنبية، وهو الأمر الذي يؤرِق المخزن المغربي الذي يسعى في كل مناسبة أن يدخل في حربٍ وهميةٍ دونكيشوتيةٍ مع الجزائر التي يترفّع صُنّاع قرارها عن الردّ على أية مُشاكسات من الجارة الغربية.
وقد كتبنا من قبل مقالاً يتكلّم عن شغور مكان ليبيا القذافي في إفريقيا كقطب امتياز بين أقطاب أخرى تمثلها بعض الدول، وكذا منافسات لم تخرج للعلن بين بعض الأقطاب الأخرى في القارة السمراء، وكذا رجوع المغرب للاتحاد الإفريقي السنة الماضية بعد غياب طويل قد يدخل في هذا الإطار، ولكن الطرف الجزائري يتحرّك بحكمة منقطعة النظير في العديد من المواقف ، وآخرها ردّة الفعل الجزائرية في مواجهة هذه التهم ، وهو الموقف الذي سار وفق الأعراف الدبلوماسية المعروفة ببيان صادر عن وزارة الخارجية يندّد فيه بهذه التّهم ولم يتعدَ الفعل السياسي أكثر من ذلك ، وكذا توجيه إشارة لبعض القوى التي تتستّر خلف هذه التّهم عبر إجراء أكبر مناورة عسكرية أجريت منذ سنوات بين القوات البرية والبحرية "مناورات طوفان" في الغرب الجزائري، لتبيان مدى جهوزية الجيش في مواجهة تهديدات قد تمسّ بالبلد والتأكيد على أن دور الجيش هو حماية الشعب والدولة وفقط، والذي لا يمكن أن يُستعمَل جنوده كمرتزقة لحساب دول أخرى أو الحرب بالنيابة عنها في معارك عبثية معروفة النتائج كما تُستعمَل جيوش بعض الدول.
وبالرغم من كل المُشاكسات والاستفزازات التي تعرّضت لها الجزائر إلا أنها حافظت على علاقاتها الطيّبة مع الجميع، فالمحاولة الأخيرة لإحراج الدولة الجزائرية في علاقاتها مع إيران أو زعزعة مواقفها وقراراتها تجاه حركات التحرّر الوطنية في بلدانٍ أخرى ، إلا أن الدولة الجزائرية حافظت بشخصيّتها القوّية على علاقاتها مع الجميع ، ولا تزال ثابتة على مواقفها الداعِمة لحق الشعوب في تقرير مصيرها، سواء بالنسبة للبوليساريو أو بالنسبة للفصائل الفلسطينية باختلاف توجّهاتها، أو بالنسبة لحزب الله الذي جسَّد طوال أكثر من 35 سنة وطوال مسيرته حال مقاومة فعلية لتحرير أراضيه والدفاع عن وطنه من آفتيّ الاحتلال الصهيوني ، أو خطر الجماعات المتطرّفة المسلّحة التي ترابط على مقربة من الحدود اللبنانية السورية في الداخل السوري ، إضافة إلى اعتباره مكوّناً من مكوّنات الحكومة اللبنانية ومشاركاً فعلياً في الساحة السياسية في لبنان الذي تجمع بينه وبين الجزائر علاقات طيّبة وأخوّية.
هذه القرارات الجزائرية البعيدة عن أية نزعات طائفية أو مذهبية، هي قرارات نابعة أصلاً من التدّين الجزائري -إن صحّ التعبير- وكذا المرجعية الدينية المُعتدلة والوسطية والمُتسامحة مع جميع الأديان والمذاهب، وهو التديّن المركّب لشخصية الجزائري منذ أمدٍ بعيد.
لهذا فلا يمكننا كمتابعين وكباحثين أكاديميين أن نحلّل فحوى هذه التهم والادّعاءات إلا من باب التهكُّم وعدم إعطائها أية قيمة انطلاقاً من مُعطيات موضوعية تحتِّم على المتابعين والأكاديميين خصوصا أن يتساءلوا عن الأدلّة الملموسة لهذه التهم . قبل الخوض في التحليل والحُكم، فالقضية منفية بانتفاء الرابط المنطقي بين عناصر التهمة ، وكذا المُعطيات الموضوعية لإثبات هذه التّهم. وفي اعتقادنا فكل ما فعلته المملكة المغربية مؤخراً هو محاولة للفت نظر واشنطن للتأثير على الموقف الأميركي في قضية الصحراء الغربية بعد القرار الأخير الملزم للرباط بالتفاوض مع جبهة البوليساريو التحرّرية. ومحاولة المغرب الاصطفاف مع الإمارات والسعودية في مواجهة إيران وحلفائها في المنطقة ، فالمغرب الهامشي من حيث الموقع الجيوبوليتيكي يبحث عن تموقع قوّي على الساحة الاقليمية من خلال الاصطفاف خلف بعض القوى الاقليمية والدولية ، وإعلان عداءات وهمية مع جيرانه، ولكن واقع الحال يؤكّد غياب الحكمة والكياسة السياسية الكافية في التحرّك الصحيح. وهذا ما سيكلّف المغرب قرارات خاطئة لا تخدم توقّعاتها وآمالها لأن النسق السياسي الخارجي الذي تسير فيه غير عقلاني ، ومقدّراتها المادية والموضوعية لا تتوافق وإرادتها السياسية.