الانتخابات اللبنانية... الصوت الغائِب

لم يعد مقبولاً في زمن التكنولوجيا والتطوّر التواصلي والمَعرفي والانفتاح على الكوكب، أن نبقى في حالٍ من التجهيلِ والتفقيرِ والاستهلاكِ والعماءِ والموتِ الصامِت كمقبرة مُتحرّكة تعيش على المُسكّنات العصبية وحليب القبيلة والعجز والتدجين والتعصّب القاتِل، لم يعد مقبولاً أن نعيش في هذه البقعة من العالم في حالٍ من العتمَة والعطش والعوَز والقلق والجهل والسوبر تخلّف.

حقك كمواطن مسلوب ومهدور ومرتبط بوسيط مع الدولة – هذا الوسيط هو زعيم طائفي – أي كل نائب عن طائفة أو زعيم

إنها الفرصة المؤاتية لنُحاسِب كمواطنيين الطبقة السياسية. الاستحقاق الانتخابي حقّنا في التعبير والرفض وإمكانية التغيير.

قبل أن نُسقط الورقة في صندوق الاقتراع. لنستذكر وأقلّها مرحلة ما بعد الطائف – أي 18 عاماً لنحو بناء الدولة والمؤسّسات- ماذا تحدّث أو تغيّر وهل ما زال الواقع كما هو.

إذا عدّدنا بلمحةٍ سريعةٍ أساسيات حقوقنا كمواطنين كيف تبدو.

 - ندفع فاتورة الكهرباء المقطوعة وفاتورة الموتور(الاشتراك)

- ندفع كلفة المياه سنوياً ونشتري خزّانات المياه

- ندفع كلفة الدواليب وأعطال السيارات بسبب الطُرقات غير المُجهّزة من حفريات وجوَر وإنارة .......الخ

- ندفع كلفة المستشفيات الباهِظة ونخاف حين نضطر للدخول إلى المستشفيات لأن هذا القطاع أصبح يفتك بالمرضى

- النفايات وارتفاع نِسَب التلوّث / لا توجد مطامِر قانونية وبيئية / وكل ذلك يؤدّي إلى أمراض سرطانية / حلول مرتبطة بصفقات

- دَيْنٌ عام / يرتفع ويزداد / قروضات من البنك الدولي مرتبطة بتنازلات سياسية وابتزازات وارتهان / تقابلها استفادة وتعهّدات وفساد

- منظومة الفساد في " ما يُسمّى مؤسّسات الدولة "  / لا توجد دولة لبنانية ودخل إليها الفساد إنما يوجد فساد في هيكليّة دولة ونحاول أن نُحاربه. لا تستطيع أن تحصل على ورقة أو أي موضوع إلا من خلال الرشوة والسمسرة...

- كحق كمواطن مسلوب ومهدور ومرتبط بوسيط مع الدولة – هذا الوسيط هو زعيم طائفي – أي كل نائب عن طائفة أو زعيم هو الوسيط بينك وبين الدولة – وأنت مرتبط به للحصول على الخدمات التوظيفية أو التعليمية أو الصحية أو الوصول إلى أي مركز ...الخ  " أنت خارج إطار المواطِنة – أنت فرد ضمن إطار مذهبي مُرتبط بزعيم الذي يُقرّر عنك ولك مع الدولة- كل حقوقك لا تمتلك حرية اختيارها أو حرية التفكير أو القبول والرفض.

- أي أنت لستَ لبنانياً بعد بكاملِ حقوقك ومواطنيّتك وإنسانيّتك ومؤهّلاتك / أنت ناقص وعاجز ومُرتهَن وتابع.

- أنت مرتبط في الخيارات السياسية الداخلية والخارجية / أنت لا تُقرّر إنما مُتلقٍ/ أنت تدفع ثمن الخصومات السياسية التي في أكثر الأحيان تتّجه نحو العنف في الشارع من خلفيّات مذهبية أو مناطقية أو عصبية. وخيارات أخرى خارجية أي كل طائفة أو مذهب كتلة مرتبطة بكتلة أو دولة خارجية لها سياساتها وخياراتها وثقافتها ، تُسيّرك وتفرض عليك هذه المنهجية والسياسة. أي إنك مُرتبط في زعامة أو مرجع مذهبي هو مرتبط في سياسات خارجية لارتباط الطائفة في هذه الدولة الخارجية التي تفرض على دولتك سياساتها عبر هذا الزعيم الذي هو يُعبّر عنك في الدولة

- سياسات اقتصادية تجعلك مُرتَهِناً للبنوك حتى تموت وبعد موتك توَرِّث أولادك الديون أو يدفع التأمين عنك ما اقتطعه مُسبقاً منك.

- وعود وكذب وصفقات وفساد وتوريث سياسي وطبقية ونهب للثروات وللحقوق وسياسة تفقير وتجهيل / في المقابل سياسيون يمتلكون ثروات خيالية وقصوراً ورفاهية على حساب المواطن العادي الفقير المُدجَّن المُهمَّش.

- إصلاحات إدراية / وشخصانية / تشريعات ضرائبية 

- حقوق المرأة / حقّك في الحياة كمواطن 

- لائحة لا تنتهي من التعليم إلى البطالة إلى هجرة القوّة الشبابية إلى الفساد في كل المجالات والمُحاصصات.

كل ذلك وأنت نفسك كمواطن تعرف وليس بجديد عليك / كلنا نعيش ونصادف في حياتنا اليومية كل هذه العوائق والتحديات والأزمات.

ما يُحيِّر وبحاجة إلى دراسة مُعمّقة هو كيف نعيش الانفصام وكيف لا نأخذ قراراً وخياراً وكيف نشتم الزعيم والسياسي ونصوِّت له، وأحياناً نموت لأجله وندفع ثمن الدمّ والقتل والفوضى والتعصّب.

كيف لنا نحن نفس المواطنيين أن نشتم ونعي وندرك ونحاضر ونتفلسف وندور في النقّ من صباحنا حتى مسائنا وفي نفس الوقت نتعصّب ونصوِّت ونتقوقع ونصوِّت نشتم ونصوِّت ، نموت ونصوِّت. هنا الأزمة الحقيقية وهنا بداية التغيير وبداية المحاسبة وبداية التحرّر والوعي وبداية الرفض والتمرّد.

هنا بحاجة إلى وقفة جريئة وقفة من دون خوف وقلق من دون حسابات ضيّقة وفردية وأنانية ومذهبية وعصبية، نحن بحاجة إلى وقفة إنسان ومواطن يدافع ويصارع من أجل حقّه في الحياة ، من أجل حياة كريمة ومحترمة ومن أجل أولاده بحياة طبيعية وبحقوق أساسية.

هذه الفرصة التي لا تأتي دائماً وإلا ليس لنا الحق أن نقول أو نشتم أو نصرخ أو نرفض أو نتفلسف، وننظر على حال واقعنا وظروف معيشتنا وأزمات تخلّفنا.

مَن يتّخذ قراراً ويقف وقفة واحدة ثابتة ويُعارِض ويُحاسِب.

ويقول:

لم يعد مقبولاً في زمن التكنولوجيا والتطوّر  التواصلي والمَعرفي والانفتاح على الكوكب، أن نبقى في حالٍ من التجهيلِ والتفقيرِ والاستهلاكِ والعماءِ والموتِ الصامِت  كمقبرة مُتحرّكة تعيش على المُسكّنات العصبية وحليب القبيلة والعجز والتدجين والتعصّب القاتِل، لم يعد مقبولاً أن نعيش في هذه البقعة من العالم في حالٍ من العتمَة والعطش والعوَز والقلق والجهل والسوبر تخلّف.

لم يعد مقبولاً أن ننجرّ كالقُطعان ونُستخدَم كالسِلَع والأرقام التفاضُلية ونوظَّف في صراعات وحروب واقتتال، لم يعد مقبولاً كل وسائل الترهيب والتخويف وشدّ العصب ولغة السمسرة والمال، والانقسام الحاد والإقصاء.

هذا المنطق في عصر معرفي يأخذ مداه لم يعد مقبولاً؛ هذا التسطيح والاستخفاف في عقول الناس وفي حقوقهم وحريّتهم ولقمة عيشهم وكرامتهم.

هذه الطبقة السياسية لم تحسب لنا أيّ حساب  فلا ورقة عمل واحدة من أيّ طرف ولا حتى برنامج انتخابي أو رؤية إصلاحية تحثّنا أن نُسقِط ورقة تردّ اعتبارنا المعنوي.