الهوَس الإعلامي بالنقل عن وسائل إسرائيلية
يتطلّب من القيادة الفلسطينية اتّخاذ كافة الخطوات الضرورية لمراجعة قانون الجرائم الإلكترونية المرفوض وطنياً وإعلامياً، بما يتماشى مع المصلحة الوطنية الفلسطينية والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان والتي تُعدّ فلسطين عضواً فيها ومُلتزمة معاييرها.
تُطالعنا يومياً عشرات المواقع والصحف ومواقع السوشيال ميديا بنقل الأخبار من الصحافة والمواقع الإسرائيلية، فيما يقع عشرات بل ومئات الصحفيين والناشطين الفلسطينيين والعرب في عادة النقل الصحفي من المواقع والصحف الإسرائيلية والتعامل معها بقالب المهنية والسبَق الصحفي، والتفاعُل مع صفحة منسّق جيش الاحتلال الإسرائيلي والتي تُعرَف باسم "المنسّق" على موقع الفيسبوك، والسقوط في فخّ التطبيع الإعلامي من دون دراية وربما عن جهل البعض في ذلك.
ويندرج في مستنقع التطبيع الإعلامي استخدام المُصطلحات العبرية كما هي مكتوبة في الإعلام الإسرائيلي من دون تغيير يُذكَر، مثل التعامُل مع مُصطلحات عدّة منها "جيش الدفاع الإسرائيلي"، ووصف المقاومة الفلسطينية والعربية بـ"الإرهاب"، والتعامُل مع الضفة الغربية وفق المسمّيات العبرية تحت إسم "يهودا والسامرة"، وتسمية مدينة القدس بـ"أورشليم القدس"، وعبرَنة المدن والأحياء والشوارع الخ... لذا المطلوب من نقابة الصحفيين الفلسطينيين واتحاد الصحفيين العرب إنشاء دليل إعلامي لإنقاذ الصحفيين من مصيدة التطبيع الإعلامي.
إن التطبيع الإعلامي له أوجه عّدة ذكرتُ بعضاً منها آنفاً، إضافة إلى استضافة مسؤولين وشخصيات إسرائيلية في الإعلام الفلسطيني والعربي، وإفساح المجال لهم بتقديم الرواية الصهيونية وتسويقها ونشر الأكاذيب والخِدَع الإسرائيلية ودحض الرواية والحقوق الفلسطينية المتوازنة، والتي كان آخرها إجراء مقابلة لرئيس أركان دولة الاحتلال الإسرائيلي غادي إيزنكوت لموقع إيلاف السعودي، ونشر مقال رأي للناطق باسم جيش الاحتلال "أفيخاي أدرعي" للموقع ذاته، واستضافة الباحِث والمستشرق الإسرائيلي المُتشدّد "مردخاي كيدار" على فضائية الجزيرة في برنامج الاتجاه المُعاكِس.
الاحتلال الإسرائيلي يواصل ليلاً نهاراً ملاحقة نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي ومراقبتهم وملاحقة مواقع المقاومة وإغلاقها بحجّة التحريض ودعم "الإرهاب"، فيما القنوات ومواقع الانترنت والصحف الإلكترونية وصفحات السوشيال ميديا الإسرائيلية تعجّ بالتحريض على النضال والحقوق الفلسطينية وقتل الفلسطينيين و"مُعاداة السامية" من دون ملاحقة قانونية أو التعرّض للإغلاق.
ولم تكتفِ دولة الاحتلال بذلك، بل كشفت الصحافة العبرية عن قيام وزارة الحرب الإسرائيلية ببناء منظومة مراقبة للشبكات الاجتماعية لمُحاربة المحتوى "المُعادي للسامية" تعدّ الأكثر تطوّراً في العالم، وترصد المنشورات على فيسبوك وتويتر بأربع لغات وهي الإنكليزية والعربية والفرنسية والألمانية، وسيتم توسيع لغات البحث والرصد لحجْب الحسابات التي تُعادي دولة الاحتلال أو ما يُطلَق عليها "مُعاداة السامية". حيث رصدَ تقرير لنقابة الصحفيين الفلسطينيين أن 158 صفحة على مواقع التواصل الاجتماعي تم إغلاقها بالتواطؤ بين الاحتلال وإدارة "فيسبوك"، معظمها يُديرها صحفيون وناشطون فلسطينيون وعرب، من أجل تغييب وطمس الحقيقة.
ناهيك عن الاعتقالات الإسرائيلية للصحفيين والاعتداء عليهم ومنعهم من تغطية الأحداث الميدانية، وملاحقتهم وإغلاق وسائل إعلام فلسطينية ومصادرة محتوياتها ومواصلة تكميم الأفواه لطمس الحقيقة، حيث يواصل الاحتلال اعتقال 28 صحفياً فلسطينياً.
إن الخروج من مصيدة التطبيع الإعلامي، يتطلّب التأكّد من طبيعة المادة الإعلامية الُمترجمَة من الإعلام الإسرائيلي ونوعيّتها، وإدراك ماهيّة الوسيلة الإعلامية وتوجّهاتها، فليس كل ما يُترجَم يُعدّ مهنياً وله مصداقية، فيجب فَهْم وإدراك أن تلك الوسيلة الإعلامية الإسرائيلية هي مصدر الاحتلال، ويكون التعامُل مع ما يُنشَر من أخبار ومقالات بناء على ذلك، مع ضرورة تحصين الساحة الفلسطينية وتطهيرها أحياناً أخرى. وللأسف بعض الفصائل والشخصيات الفلسطينية ووسائل الإعلام تأخذ من الإعلام الإسرائيلي وتُسوّق ما يخدم مصالحها وقضيتها على خصمها السياسي في الساحة الفلسطينية ، من دون أن تعي أنها وقعت في فخّ التطبيع الإعلامي وابتعدت عن المهنية بل وانغمست في حقل الدم الإعلامي.
المطلوب من وزارة الإعلام الفلسطينية ونقابة الصحفيين الفلسطينيين التحرّك على كافة المستويات العربية والدولية لفضح جرائم الاحتلال الإسرائيلي والانتهاكات الإسرائيلية بحق الصحفيين الفلسطينيين ونقلها إلى محكمتيّ العدل والجنايات الدولية ومراكز حقوق الإنسان الدولية.
إن العالم لا يمكن أن يكون فلسطينياً مُدافِعاً عن حقوق الفلسطينيين أكثر من الفلسطينيين أنفسهم، فلا يمكن للسلطة الفلسطينية أن تُطالِب مراكز حقوق الإنسان الدولية بوقف الانتهاكات الإسرائيلية وهي في الوقت نفسه، تلاحق المواطن والصحافي الفلسطيني وتواصل سنّ القوانين والأحكام التي تُجيز حجْب مواقع إلكترونية وتجريم الحق في حرية الرأي والتعبير والتجمّع السلمي وانتهاك الحق في الخصوصية، واعتقال أشخاص بتهمة الإساءة إلى ما يُسمّى مقامات سياسية وغيرها من التصريحات السياسية المنشورة على مواقع التواصل الاجتماعي.
لا يمكن للسلطة الفلسطينية مواصلة إغلاق صفحات وحجْب مواقع وصفحات إلكترونية تتبع للمقاومة الفلسطينية، وتلبية المهام والقيود الأمنية والسياسية والاقتصادية رغم إعلان الرئيس محمود عباس موت اتفاق أوسلو، فيما إسرائيل الدولة القائمة بالاحتلال تواصل هجومها وتحريضها على قتل الفلسطينيين ومصادرة حقوقهم وتعرية نضالهم المشروع.
ولا يمكن استمرار العمل بما يُسمّى قانون الجرائم الإلكترونية التي لا تتماشى مع المعايير الدولية، ومنها تلك التي تُجيز للنائب العام الفلسطيني أو أحد مساعديه أن يطلب من المحكمة الفلسطينية المُختصّة حجْب مواقع إلكترونية أو استدعاء واعتقال صحفيين على منشوراتهم وكتاباتهم، ما يتطلّب من القيادة الفلسطينية اتّخاذ كافة الخطوات الضرورية لمراجعة قانون الجرائم الإلكترونية المرفوض وطنياً وإعلامياً، بما يتماشى مع المصلحة الوطنية الفلسطينية والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان والتي تُعدّ فلسطين عضواً فيها ومُلتزمة معاييرها.