خطاب الرئيس اليمني السابق.. رسائل لحلفاء الداخل أكثر منها للخارج!
عن قصد لم يأت صالح على ذكر الحوار القائم بين أنصار الله والسعودية في خطابه، لكن إشاراته تفصح عن موقفه من استثنائه أو تخلي الحلفاء عنه، والدخول في حوار ثنائي يكتنفه الكثير من الغموض والسرية، وهي إشارات تعكس شعوراً ما بالمؤامرة الضمنية من هكذا سلوك أحادي غير مبرر أو واضح بالنسبة له، وإن أكد مع حزبه تأييده أي حوار قد يفضي إلى وقف العدوان على بلاده!
الرسائل المبطنة يمكن لأي متأمل في الخطاب أن يستشفها بالنظر إلى توقيته الذي جاء قبل يومين من احتشادين مختلفين تحت شعار واحد؛ الأول دعا له صالح وحزبه المؤتمر الشعبي العام صبيحة اليوم السبت 26 مارس الجاري الذكرى الأولى لشن العدوان السعودي على اليمن، وستكون ساحة الاحتشاد في ميدان السبعين بما يمثله هذا الميدان من رمزية لا تخفى لناحية قوة وجماهيرية وسيطرة صالح على امتداد سنوات حكمه الثلاث والثلاثين. رمزية تجلت على نحو واضح وكبير في أشهر حكمه الأخيرة حين واجه حشود المحتجين ضد نظام حكمه مع موجة ما يسمى "الربيع العربي" بحشود مضادة من أنصاره، وتضاعفت بعد خروجه من السلطة عبر ظهوره غير مرة أمام أنصاره والموالين له في الميدان نفسه ومن المنصة ذاتها، بل واستمرار سيطرته عليه ومنع مناوئيه بمن فيهم الرئيس هادي من الوصول إليه وإقامة أي فعاليات جماهيرية في ساحته، رغم وقوعه على مقربة من دار الرئاسة. أما الاحتشاد الثاني فقد دعا له أنصار الله في ساحتين مختلفتين عصر السبت نفسه. ما يستوقفك في الخطاب الذي أجل لأسباب غير معلنة من مساء الثلاثاء إلى مساء الأربعاء؛ تلك الرسائل الموجهة في مجملها للداخل، وإن بدت في ظاهرها للخارج، والمقصود بالخارج السعودية، كأن يوجه خطابه للسعودية "عدائكم مع صالح لماذا..؟ صالح رفض التحالف معكم مش بيع وشراء، أنا لست هادي، أنا اسمي علي عبدالله صالح عفاش هكذا من أسرة حميرية سبئية" إشارة إلى عراقة التاريخ اليمني الممتد إلى ما قبل الإسلام "أنا لا اقبل الرشاوى لأتحالف معكم ضد الحوثيين..لا" مؤكداً على مسألة مبدأية بالنسبة له وهي "عدم التحالف معكم ضده" حتى وهو يذكر بخوضه ستة حروب مع الحوثيين 2004-2009 "لأسباب إدارية وسياسية" كما يقول قبل أن "نتصالح معهم تصالح الرجال".
يسترسل صالح في هذه الجزئية مشيراً إلى أبعاد الصراع الذي حاولت السعودية صبغه مذهبياً "ليس بينكم وبين الحوثي خلاف. هو زيدي وأنتم وهابيون، ما المشكلة؟" وينتقل إلى سؤال مهم "لماذا تقصفوا الشعب اليمني؟"، وإذا كان هذا القصف من أجل دفعي للتحالف معكم يجيب "فعلي عبدالله صالح لن يتحالف معكم"! رسائل واضحة لا لبس فيها، بدا في السياق أن صالح يوجهها للسعودية، بينما هو في الواقع يوجهها وبدرجة أكبر لأنصار الله. ذلك أنها ليست المرة الأولى التي يكشف فيها صالح هذه الخفايا التي سبق أن كشفها للمرة الأولى في لقائه الأول مع الميادين في أيار/ مايو 2015, لكنه أراد التأكيد عليها هنا، وتذكير أنصار الله بها، ولاسيما بعد أسبوعين من فتحهم حواراً مباشراً مع السعودية دون العودة إليه أو إشراكه في هكذا حوار كان أول من دعا إليه بمشاركة جميع أطراف الداخل، وليس طرفاً دون آخر. حوار "يمني سعودي" كما قال في دعوته الأولى عبر الميادين أيضاً. وسنجده يعيد التذكير أيضاً بما قد كشفه سابقاً حول رفضه ونجله أحمد الأموال والاغراءات مقابل التحالف مع السعودية "عرضتم صحيح فلوس مال كبير لي ولنجلي أحمد ليس بيع وشراء، أنا لست هادي.. أنا لست المرتزقة الذي عندكم في مؤتمر الرياض لا، أنا تعرفوني ثلاثة وثلاثين سنة اسمي علي عبدالله صالح"! عن قصد لم يأت صالح على ذكر الحوار القائم بين أنصار الله والسعودية في خطابه، لكن إشاراته تفصح عن موقفه من استثنائه أو تخلي الحلفاء عنه، والدخول في حوار ثنائي يكتنفه الكثير من الغموض والسرية، وهي إشارات تعكس شعوراً ما بالمؤامرة الضمنية من هكذا سلوك أحادي غير مبرر أو واضح بالنسبة له، وإن أكد مع حزبه تأييده أي حوار قد يفضي إلى وقف العدوان على بلاده! وهنا يمكن الالتفات إلى أبعاد الدعوة إلى احتشادين منفصلين في يوم واحد تحت شعار "رفض العدوان والصمود في مواجهته"، وهي دعوات تنطوي على خلافات غير معلنة تشي بها المنشورات الصدامية والاتهامات المتبادلة بين بعض أنصار الطرفين على صفحات الفيسبوك، إلى جانب بعض تلك المقالات والرسوم المنشورة في صحيفة "اليمن اليوم" المعبرة مباشرة عن صالح، وفي المقابل نلحظ سعياً حثيثاً لردم هذه الهوة من خلال خطابات ومنشورات قيادات الصف الأول في أنصار الله والمؤتمر الشعبي العام.
رسائل صالح الضمنية والكثيرة لم تتوقف عند هذه الفقرة بل انسحبت على مجمل الخطاب الذي كرر متعمداً في منتصفه "الجنوح للسلم وليس الاستسلام"، وفي نهايته مع التبشير باقتراب النهاية "وبأن تنفرج إن شاء الله، نحن مع السلام لا مع الاستسلام، وليفههما القاصي والداني"، وهي رسالة يمكن قراءتها في سياق ما طرأ من مواقف جديدة حملتها تصريحات اسماعيل ولد الشيخ أحمد وتحديده موعد الحوار اليمني اليمني في الثامن عشر من نيسان/ أبريل المقبل؛ وما كشفه هادي في لقائه مع سفراء الدول العشر الراعية للمبادرة الخليجية بخصوص قبول أنصار الله والمؤتمر الشعبي العام تنفيذ القرار الأممي 2216، إضافة إلى تصريحات الناطق باسم التحالف السعودي أحمد عسيري وحديثه عن "القناعة التي وصلت إليها قيادة التحالف العربي بأن الحل في اليمن سيكون سياسياً، عبر اتفاق وطني خالص بين السلطات الشرعية ومكونات المجتمع السياسي، بما في ذلك الحوثيين، دون وجود دور سعودي أو غيره"، وهي لهجة جديدة تعكس قناعة سعودية بحتة بعيداً عن الكيان الهلامي المسمى "التحالف العربي"، الذي أشار له صالح بدعوته من سماهم بالأشقاء في دول التحالف بالانسحاب منه".
"أدعو في هذه المناسبة، مناسبة مرور عام على العدوان، الأشقاء في دول التحالف أن ينسحبوا من هذا التحالف، ليس بينكم وبين اليمن أي خلاف سياسي أو حدودي أو مذهبي على الإطلاق، وليس هناك خطر على الأراضي السعودية على الإطلاق حتى تتحالفوا ضد الشعب اليمني، الشعب اليمني باق". الخطاب لا يبدو أنه قد حمل جديداً باستثناء شكر صالح المباشر "لحزب الله وأمينه العام السيد حسن نصر الله " وتوصيفه بـ "الذي يقف معنا ضد العدوان"، والذي أورده في سياق تأكيده القديم الجديد على عدم وجود الخلاف المذهبي. هذا الجديد الذي حمله خطاب صالح تلا إشارته إلى ذريعة مواجهة السعودية لخطر التمدد الإيراني في اليمن "الشعب اليمني ليس عدوكم، إذا عليكم خطر من إيران فلكم حدود مع إيران تفاهموا مع إيران لكن لا تصفوا حسابكم مع إيران في الأراضي اليمنية على رؤوس سكانها..لا وجود لأي تحالف، وكنا سنرحب لو أن إيران فتحت علينا التحالف لتحالفنا معها ضد العدوان، لكن هي ليست موجودة لا سياسياً ولا اقتصادياً ولا عسكرياً إيران غير موجودة في الأراضي اليمنية". تمسك واضح بمواقفه وتوصيفاته بدا عليه صالح في الخطاب غير المهادن أو خطاب "السلام وليس الإستسلام"، فمازال صالح يصف العدوان بـ"البربري"، متهماً السعودية بارتكاب مجازر إبادة بحق اليمنيين، رافضاً شرعية هادي قائلاً بوجود "خلل في رأسه" متهماً إياه بالعجز عن تأميــن نفسه في المعاشيق بعدن رداً على حديثه أي هادي حول سيطرة قواته على "ثمانين في المائة من المحافظات اليمنية"، وفي هذه الجزئية يلفت صالح من سماهم هنا بـ"الأشقاء في المملكة العربية السعودية إلى عدم الرهان على جواد خاسر" في إشارة إلى هادي أيضاً.
وفي الأخير علينا الالتفات إلى إنهائه الخطاب بإشارة تكاد تكون واضحة "إلى اللقاء في ميدان السبعين"!