حماه.. هدوء على ضفة العاصي لا يبرد جبهات المحافظة المشتعلة
الحركة الدؤوبة في السوق تبدد صورة الاشتباكات والمعارك شبه اليومية على جبهات شرق وشمال وجنوب المحافظة. محافظة تكاد تكون محاصرة بالجبهات المشتعلة وأخطرها الشرقية المفتوحة على البادية في مواجهة داعش في بعض المواقع وجبهة النصرة في أخرى.
-
-
المصدر: الميادين نت
- 1 تموز 2016 20:18
حالة من الأمل الممزوج بالقلق على المحافظة المحاطة بالمسلحين من ثلاث جهات
تدوي أصوات الأطفال بأدعية وأناشيد
دينية من مئذنة جامع النوري التاريخي في حماه. تطغى أصواتهم الحماسية على ازدحام
المتسوقين وأبواق السيارات في شارع العاصي العريق وعلى كتف نهر العاصي ونواعيره. يتبادل
مارة ومتسوقون عبارات الإعجاب بهذه الأصوات الشجية فيما لا يبدي آخرون اهتماماً مع
انشغالهم بتفاصيل شراء حاجياتهم قبل أيام قليلة من عيد الفطر.
الحركة الدؤوبة في السوق تبدد صورة
الاشتباكات والمعارك شبه اليومية على جبهات شرق وشمال وجنوب المحافظة. محافظة تكاد
تكون محاصرة بالجبهات المشتعلة وأخطرها الشرقية المفتوحة على البادية في مواجهة
داعش في بعض المواقع وجبهة النصرة في أخرى. محيط يجعل المشهد داخل المدينة غير كاف
لرسم صورة واضحة لما يجري على تخوم المحافظة الملتهبة. بل وقد يحمل خدعة كبيرة عن
حال مرتاحة لمتسوقين يجدون في ليل العاصي فرصة للمشاوير والسهر على البساط الأخضر
للحدائق والمنصفات الطرقية أكثر منه مناسبة للتسوق في ظل حال إقتصادية متدهورة
وخصوصا للوافدين الى المدنية الذين يزيد عددهم بكثير على عدد سكان حماه.
الازدحام في معظمه سببه النزوح الكبير للفارين
من جحيم الحرب في المحافظات المحيطة إلى الجوار الأمن والخيّر، لا يحتاج المرء إلى
كثير من الجهد ليميز لهجات أبناء محافظات حلب وإدلب والرقة في أسواق المدينة. محافظ
حماه الدكتور غسان خلف قدّر في حديث لـ "الميادين نت" حجم النازحين إلى
المدينة من أربع محافظات إدلب وحلب وحمص والرقة وريف حماه المشتعل ذاته بنحو 920
ألف نازح يتوزعون بين مراكز إيواء مؤقتة وشقق مستأجرة وحتى لدى أصدقاء وأقارب. عدد
كبير يضغط على تفاصيل الحياة اليومية في المدينة وخصوصاً على العملية التربوية
والمؤسسات الصحية والعقارات وخدمات النظافة وعلى الحال الأمنية طبعاً.
في مراكز الإيواء يشكو الآلاف من أوضاع
قاسية تبدد صورة الأسواق العامرة. تحدثني ريما الموظفة القادمة من إدلب عن هروبها
وأطفالها الى حماه. جاءت إلى المدينة بحثاً عن مأوى وكانت معلمة في إحدى مدارس
إدلب، حماه الأقرب جغرافياً والأسهل للقادمين من إدلب ما جعلها خياراً أفضل لها
وأطفالها عندما سيطر مسلحو جيش الفتح على مركز مدينة إدلب قبل عام. حالتها
الاقتصادية لا تسمح لها باستئجار سكن خاص. تعتمد السيدة على راتب وظيفتها الذي لا
يتجاوز الثلاثين ألف ليرة وعلى سلة مساعدات شهرية يقدمها الهلال الأحمر، تشكو
بحرقة من تردي خدمات النظافة ونقص المياه وحتى تراجع الحصص الغذائية إلى واحدة كل
شهر ونصف الشهر. حال أجبرها كما ثلاث وأربعين عائلة على البقاء في مركز علي فرجي
للإيواء المؤقت في قلب مدينة حماه.
ملامح الضغط الاقتصادي تظهر أكثر وضوحاً
في الاكتظاظ الكبير على محطات الوقود أيضاً. عدد كبير من المحطات مغلقة، ومن لديها
بنزين تصطف مئات السيارات أمامها بطابور يمتد عشرات الأمتار، يحدثني أحد السائقين
وقد وقف ينتظر دوره عند "كازية" الدولة (محطة الوقود) في قلب المدينة عن
أن كثيرين يقفون ست وسبع ساعات وبعضهم لا يستطيع الحصول على البنزين. ليعود للبحث
مجدداً عن حاجته في يوم آخر. المحافظ يربط
أزمة الوقود بتراجع قيمة المخصصات المحددة لها باستمرار وآخرها قبل العيد بيومين.
لكن سائقين يزيدون على ذلك السبب بإرجاع الضغط إلى وجود جزء كبير من المجموعات
المقاتلة في أرياف حمص وحماه وحلب تعتمد على الوقود من حماه لتحرك آلياتها. فمجموعات الدفاع الوطني وأخرى رديفة للجيش
السوري تنطلق من المدينة نظراً لموقعها الاستراتيجي وسط البلاد، تتحرك جنوباً نحو
بادية حمص بمواجهة داعش، وشرقاً باتجاه البادية الشرقية بمواجهة داعش والنصرة، وشمالاً
إلى جبهات حلب المفتوحة وحتى إلى ريف اللاذقية الشمالي في فترات سابقة.
لا أحد ينكر الضاغط المعيشي بكل أشكاله
على المدنيين في حماه ، قادة ميدانيون وأمنيون يتحدثون بتفاصيل دقيقة عن هذه
المعاناة ، المحافظ بدوره يشير الى أهمية التعاون لمواجهة أزمة أكبر من قدرة
المحافظة ويشيد خصوصا بالجهود الكبيرة التي يبذلها المجتمع المحلي للتخفيف عن
الشريحة الفقيرة والتي تتسع كل يوم جراء الغلاء وظروف الحرب. الضاغط الآخر الذي
تعانيه حماه يأتي من عمليات الخطف التي ترعب أبناءها. مجموعات مسلحة تخطف في وضح
النار ويشار إليها بالاسم دون وجود ما يردعها حتى اليوم. يهمس كثيرون عن وجود
شبكات بنت ثرواتها على الخطف. لا أحد يزيد بالإفصاح عن تلك المجموعات، لكن اللجنة
الأهلية للمصالحة في المحافظة تشير إلى تسجيل أعداد كبيرة من طلبات البحث عن
مخطوفين يومياً. يقول الشيخ رشيد الحسين من اللجنة إن الخطف يضغط على الجميع على
المؤسسات الأمنية والحكومية والأهلية. ويضيف إن اللجنة تلعب دوراً لكنها يبقى
محدوداً بالتواصل مع الوجهاء في المناطق التي حدثت فيها عمليات الخطف والتفاوض مع
الخاطفين مقابل مبالغ مالية غالباً ضخمة حتى يطلق سراح المختطف بعد تخفيض قيمة
المبلغ.
اللجنة سجلت نحو 9 آلاف طلب بين مخطوف
ومفقود خلال سنوات الحرب. والخاطفون شخصيات ومجموعات معروفة لكنها لا تزال بعيدة
عن الملاحقة، يشير آخرون بل ويزيدون بأن الخطف بات يشكل مصدر تمويل كبير لها، ما
يتطلب تدخلاً قوياً ومباشراً من الدولة لاستئصال هذه الآفة التي تتسع باستمرار
وكلفت عائلات كثيرة بيع ما تملك بحثاً عن أبنائها.
القلق من عمليات الخطف ومن الضغط الذي
يسببه المسلحون على جبهات واسعة تحيط بالمحافظة تقابله جهود كبيرة مكنت من إطلاق
مصالحات محلية شملت نحو 105 قرى وبلدات في ريف حماه، وصدّ وحدات الجيش السوري
ومجموعات الدفاع الشعبية عشرات المحاولات لداعش وجبهة النصرة التقدم على جبهات
حيوية وخصوصاً على محور أثريا وريف السلمية، وحالة تضافر مجتمعي استوعبت المحافظة خلالها
مئات الآلاف من الوافدين إليها.
عوامل تثير حالة من الأمل وسط قلق على
المحافظة المحاطة بالمسلحين من ثلاث جهات تكاد لا تهدأ في محاولات المسلحين لإحداث
خروقات على الأرض وفي ظل ضغط معيشي يتزايد يومياً.