"الدعم الحازم" الذي تحتاجه الولايات المتحدة
كان من الممكن تكريس المال الذي يُنفق حالياً على المحافظة على القواعد العسكرية في الخارج، وفي تمويل عمليات "تغيير الأنظمة" في بلدان أخرى لإنقاذ الملايين من المواطنين الأميركيين من آلة العنف والفقر التي يفرضها عليهم مجتمعهم.
وبالتزامن مع العنف الذي ضرب الداخل الأميركي كان من المُفترض أنّ يبحث أوباما عن السلام خارج الولايات المتحدة. ففي الواقع في 6 من تموز/يوليو تحدّث الرئيس الأميركي مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين حول التعاون العسكري ضدّ تنظيم داعش في سوريا ووضع اتفاقيات مينسك بشأن أوكرانيا حيّز التنفيذ. في كلتا الحالين فقد أطلق الدعم الأمريكي للجماعات المتطرّفة العنان لحالات اتّخذت شكل حرب أهلية طويلة. ولا سيما في سوريا، ليصل الأمر إلى حدّ اعتراف وزيرة الخارجية السابقة لأوباما، والمرشّحة الرئاسية الحالية عن الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون بمسؤولية الولايات المتحدة عن ولادة وظهور داعش.
وهكذا، في 8 و 9 من يوليو وصل أوباما إلى وارسو عاصمة بولندا، لحضور قمة لمنظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) والتي لم يتم التطرّق خلالها لتعزيز التعاون مع روسيا، بل على العكس فقد نصّ الاتفاق الرئيسي للاجتماع على تضييق الحصار الغربي على موسكو وذلك بنشر أربع كتائب عسكرية في بولندا ودول البطيق، بالإضافة إلى الإعلان عن نشر نظام مضادّ للصواريخ الذي من شأنه فقط أن يرفع من حدّة التوتّر مع الحكومة الروسية. وإزاء ذلك أكّد رئيس اللجنة الدولية في مجلس الاتحاد الروسي قنسطنطين كوساتشيف، أن قرار حلف شمال الأطلسي "هو بمثابة بناء جدار ثانٍ في أوروبا، على غِرار جدار برلين" مع "منطق المواجهة في الحرب الباردة".
من جهته صرّح النائب الأول لرئيس لجنة الدفاع والأمن في مجلس الاتحاد: " إنه من الممكن أن يتطلّب الأمر من عشر إلى خمس عشرة سنة، أو حتى أكثر من ذلك، للعودة إلى حالة السلام العالمي التي كانت عليها في الأمس". مُحمَّلاً بهذه النتيجة التي باتت في جيبه، سافر أوباما إلى مدريد، وفي قصر مونكلا التقى رئيس الحكومة ماريانو راخوي واستقبل ثلاثة من قادة الجماعات السياسية الإيبيرية في القاعدة العسكرية في توريخون دي آردوز، ومن ثم سافر إلى القاعدة البحرية التابعة للقوات الأميركية الواقعة على طريق (قادش)، حيث قال هناك أنه أيام التخطيط الأمريكي لغزو العراق والذي تم من قِبَل جورج بوش، توني بلير وخوسيه ماريا أثنار: "لم يكن بالإمكان إيجاد حليف أفضل من إسبانيا".
قواعد عسكرية جديدة، وأعمال عدائية ضدّ روسيا وآذان صمّاء أمام الاحتجاجات الشعبية التي أدانت الاحتلال العسكري للأراضي الإسبانية من قِبَل الولايات المتحدة، تلك كانت النتائج التي جناها الرئيس الحاصل على جائزة نوبل للسلام في جولته بين واشنطن، وارسو وقادش، والذي حاول مع انتهاء زيارته تجميل صورة ما بات يبدو بشكل متزايد أشبه بالحرب الأهلية في بلده الأم. فبعد عامين فقط من وصول أوباما إلى البيت الأبيض، أعلن الناشط البارز في مجال الحقوق المدنية للأمريكيين الأفارقة جيسي جاكسون عن خيبة أمله في زميله السابق، قائلاً:" نحن (السود) أول من دعمه، قبل وقت طويل عندما كانت الناس تذهب لحضور مهرجاناته "لجمع التبرّعات"حيث كانت الناس مُهتمة به.وحوالى 96 في المئة من الأميركيين الأفارقة صوّتوا له. ولكننا نحن اليوم من يعاني أشدّ المُعاناة من جراء آثار الأزمة الاقتصادية العالمية، وذلك لأن البنوك والشركات العقارية مارست الاحتيال والاختلاس المُتعمّد بحقّ اعتمادات الأميركيين الأفارقة".
"نحن السود الفئة التي تعاني أكثر من البطالة، فمن بين كل اثنين من السود البالغين من العمر 20 عاماً، واحد منهما لا يملك عملاً ".
"في أميركا يموت في كل عام الآلاف من المواطنين ضحايا للفقر وللعنف، و معظمهم من الأميركيين من ذوي الأصول الأفريقية".
"جرت العادة أن يكون أوباما منظّماً للمجتمع. لأنه يعلم كيفية بناء المجتمعات. في أفغانستان، هناك خطة لبناء الديمقراطية. مئات الآلاف من الجنود يعملون على حمايتها. وهناك خطة للبناء ولإعادة البناء أيضاً. ومع ذلك، عدة آلاف من الأمريكيين يموتون من العنف والفقر كل عام، وليست لديهم خطة لإعادة الإعمار في البلاد".
في قمة وارسو، اتّفق قادة حلف شمال الأطلسي على استمرار بعثة "الدعم الحازم" في أفغانستان إلى ما بعد 2016 والاستمرار في تقديم المَشوَرة، المساعدة والتدريب لقوات الأمن الأفغانية.
لقد ورد في قاعدة بيانات صحيفة واشنطن بوست، أنه منذ كانون الثاني/يناير 2015 قُتل أكثر من 1500 شخص في الولايات المتحدة برصاص الشرطة. ربما كان يتعيّن على أوباما أن يطلب في قمة وارسو إرسال بعثة الدعم الحازم إلى بلاده ولكن ليس على نمط الأسلوب الذي قام به القنّاص الذي تعلّم على القتل في أفغانستان، والكيد الشرير الذي أودى الآن بحياة خمسة من رجال الشرطة في حرب حيث السود، وعلى نحو مُضاعف يُمارَس ضدّهم التمييز العنصري لكونهم من السود ويعانون من وطأة الفقر.
كان من الممكن تكريس المال الذي يُنفق حالياً على المحافظة على القواعد العسكرية في الخارج، وفي تمويل عمليات "تغيير الأنظمة" في بلدان أخرى لإنقاذ الملايين من المواطنين الأميركيين من آلة العنف والفقر التي يفرضها عليهم مجتمعهم.