البربرية بين المفهوم والتمظُهر (1)
يرى فريق من المفكّرين بأن البربرية ليست فعلاً همجياً وإنما هو تصرّف تولّده الظروف والاعتقادات، أو لنقل فهمنا للاعتقادات، فيتحوّل الفرد الإنساني إلى فرد متوحّش، هذه العملية تنتج عن الكثير من العوامل لعل لغة الحرمان والعجز أو الفشل الاجتماعي والثقافي يلعب دورا كبيرا فيها. ترى كتلة نخبوية أخرى بأنّ البربرية أصبحت فناً متداولاً على الساحة العالمية، تستعملها القوى العظمى في العالم من أجل تبرير أعمالها البربرية، فتدخل في دائرة الفعل ورد الفعل، وهذا ما يجعل البربرية العالمية جزءاً من مشروع سياسي-اجتماعي وحتى فلسفي عالمي تدخل في نطاقها جميع الأجزاء التي تجعل من الفرد الإنساني فرداً عدائياً.
يرى فريق من المفكّرين بأن البربرية ليست فعلاً همجياً وإنما هو تصرّف تولّده الظروف والاعتقادات، أو لنقل فهمنا للاعتقادات، فيتحوّل الفرد الإنساني إلى فرد متوحّش، هذه العملية تنتج عن الكثير من العوامل لعل لغة الحرمان والعجز أو الفشل الاجتماعي والثقافي يلعب دورا كبيرا فيها. ترى كتلة نخبوية أخرى بأنّ البربرية أصبحت فناً متداولاً على الساحة العالمية، تستعملها القوى العظمى في العالم من أجل تبرير أعمالها البربرية، فتدخل في دائرة الفعل ورد الفعل، وهذا ما يجعل البربرية العالمية جزءاً من مشروع سياسي - اجتماعي وحتى فلسفي عالمي تدخل في نطاقها جميع الأجزاء التي تجعل من الفرد الإنساني فرداً عدائياً.
ويذهب فريق آخر من المتأمّلين في ظاهرة البربرية إلى القول بأنها جزء لا يتجزّأ من الإنسان، بحيث تمثّل الفشل الكامل الذي لطالما تحاشت البشرية الخوض فيه والاعتراف به، فصاغته على شكل داء ونسيت أن تصف له المناسب من الدواء. بينما يعود فريق آخر ويلقي اللوم على عاتق العقل الإنساني، حيث أنه يرى البربرية كصنيعة للإقصاء، إقصاء العقل البشري لكل ما هو غير موافق له، إقصاء الروح البشرية، العواطف والمشاعر الإنسانية، مما ولّد تحجراً لها، وبالتالي انفجارها أو تفجيرها في شكل أعمال تخريبية تُدعى: البربرية.
وعليه فإنّ موضوع البربرية يأخذ شرعية طرحه اليوم من شرعية ما يجري في الفضاء العالمي، وبحكم الترابط الرهيب من حيث الأنظمة الرقمية والمعلوماتية، أصبحت الأعمال البربرية التي تقع في أية نقطة من هذا العالم تهزّ العالم بأسره؛ وعلى هذا الأساس، وانطلاقاً مما تقدّم نجد ما يلي: ما هي البربرية وماهية تجلياتها؟
ستكون لنا في هذه المحاولة من أجل استقصاء البربرية وقفة عند بعض المتأمّلين فيها لعلّ أبرزهم الزعيمة الانكليزية السابقة مارغريت تاتشر، الدكتور مونيس بخضرة، إضافة إلى الزعيم الألماني سابقاً هتلر أدولف، وبشكل أساسي الفيلسوف الفرنسي إدغار موران. خاصة أننا استقصينا من خلال هذه المحاولة بعض المعاني التي من شأنها تشكيل صورة كبيرة وعامة عن مفهوم البربرية، عبر الالتزام بالمنهج التحليلي-التأويلي الذي رأينا فيه الأقرب لـ: هكذا مواضيع.
كما لا تفوتنا الإشارة إلى أنّ موضوعاً مفاهيمياً كموضوع البربرية هو من صُلب العلوم الاجتماعية والإنسانية بشكل عام، كونه يمتاز بمحتويات تمسّ النفسية البشرية في إطار إقدامها البربري من ناحية، وتمسّ النشاط الاجتماعي ككتلة منسجمة في ما بينها، كما أنّها تمسّ الأديان والثقافات والقوانين والشرائع بكافة مكوّناتها من ناحية ثانية، وبالخصوص هي تُعْتَبَر من مواضيع الفلسفة المُعاصرة، كونها تتكوّن من عُصارة ذاتية وتتجّه إلى أسباب وتداعيات إقدام ذات أو كيان ما لمحاولة إلغاء وجود ذات أو كيان مختلف، فقط لأنه قال: أنا مختلف؛ فكل هذه المعطيات تجعل من البربرية موضوعاً مهمّا للغاية في نظر الباحث أو الفيلسوف.
ماهيّة البربرية
هذا ما جاء في الموسوعة الفلسفية لكامبريدج، وبالتالي فإن البربرية هي مرتبطة بالعنف الذي يجعل الآخرين يعانون، عبر أساليب مختلفة، مثل إهانة فنونهم وقضاياهم المعنوية الجادة. وبما أنّ العنف يُعتبر المركّب الأساسي للبربرية، كونها تمثّل تلك الأعمال التخريبية التي تطال الذوات البشرية، فإنّه من اللزوم والضرورة العودة إلى العنف، فما هو العنف إذن؟
يُشير أحد الباحثين الجزائريين[2] في ميدان الفلسفة إلى أنّ العنف هو: "... رجلاً كهذا إما أن يغتاله أعداؤه، أو أنه يزداد استبداداً فيتحوّل ذئباً... "[3]، فحسب الباحث هذا، العنف هو عملية التحوّل التي تدفع الإنسان إلى أن يصبح ذئباً، وهنا يمكننا ربطه بما أشار إليه توماس هوبز في مقولته الشهيرة، بأن الإنسان ذئب لأخيه الإنسان.
بهذه الرؤيا يكون العنف هو صُلب الصراع ما بين الوجود البشري ومقتضيات وجود البشر، وعندما تبرز فكرة: البقاء للأصلح عند سبينسر، فإن ذلك يدفع البشرية إلى اعادة النظر في كل ما كانت تدّعيه الحداثة النورانية وحتى التنويرية في ما بعد. لا فرق بين البربرية والعنف إلا في التجلّي، الأعمال التي تضرّ الآخرين هي بربرية، والأعمال التي تخرّب الذات قد تكون ساديّة أكثر مما تكون بربرية، لذا يمكن الإستنتاج بأنّ البربرية هي جزء من العنف.
وإن حاولتُ استرجاع بعض الأعمال التخريبية البربرية على مدى العصور، فإنه سيظهر بشكل واضح مدى هذا التحالف الشيطاني ما بين البربرية والعنف، لتكون البربرية عنصراً ظاهراً و ليكون العنف عنصراً محركاً متوارياً، وهذا بالذات ما يجعل القيمة العليا لما تجود به الأعمال التخريبية البربرية، من كافة العناصر الفكرية التي تأخذ شرعية محدودة؛ إن ما تعلّق الأمر بأمور تحدث للآخر بغطاء سلطوي أو شرعي معيّن، فهي علاقات بالمعنى الأوفى لقيمتها الوجودية، علاقات مضطربة، تدفع بالقدرات الفكرية إلى تبرير بربريتها، والعزم على تحرير إقصائها الذي يعود بالتاريخ إلى أنماط حياة مختلفة تديرها صراعات وإرادات متوازية الجشع والقوّة ما بين البشر.
مهما بلغت أخلاق المحارب من شهامة ورفض للظلم في الوجود، فإنها لم تتمكّن عبر الحروب المختلفة التي شهدتها البشرية من وقف ذاك النزوع البربري في ذاته، تلك التي تتحرّك وفق قواعد إثبات وجودها عبر إلغاء الوجود المخالف والمختلف، إنّ اعتبار الحرب شريفة أو نزيهة هي تعابير توهم البعض فقط بأنّه هناك بربرية شريفة أو نزيهة، هي غطاء لما هو قبيح عبر مواد تجميل سرعان ما تقف في وجه المرآة الأخلاقية لتكشف عن مدى قبحها، لهذا فإن البربرية العنيفة ما هي سوى زيّا مصنوعاً بإتقان لما هو موجود في النفسية البشرية، وكلما تجاهله البشر، كلما أثبت بأنه غير قابل للتجاهل، فهو يعود ليرسم في أغلب الأحيان لوحاته بالدم القاني.
هناك من يعتبر البربرية ضرورة كونها "الوسيلة التي يطوّر بها الفرد نفسه"[4] هذا ما يمكّن البربريين من مواصلة تقصّي التدمير الذي يحاولون إكسابه ما استطاعوا من الشرعية، خاصة إن وجدنا فلاسفة ينظّرون للأفعال البربرية ابتداء بأفلاطون وانتهاء بـ: هيغل وماركس كارل.