البوركيني يفضح حرية فرنسا
مشكلة فرنسا مع الحجاب قديمة، لكنها وعلى ما يبدو مشكلة حجاب المسلمين فقط، فالراهبات المسيحيات يتحجبن ويتجولن في كافة المؤسسات الحكومية الفرنسية من دون أن نسمع عن مضايقتهن لا من طرف الشرطة ولا من طرف من يحاولون حماية العلمانية من الديانات.
مشكلة فرنسا مع الحجاب قديمة
البوركيني هو لباس يقال عنه إنه ساتر، يشمل
كل مناطق الجسم حتى أنه يغطي الرأس ولا يظهر من الأطراف سوى القدميْن والوجه،
واسمه هذا لغة، هو مركب من البيكيني "لباس السباحة (الفاضح)، والبرقع (لباس المحجبات
الذي يغطي كامل الجسم)، فكان هذا المصطلح اللغز الذي حرك الكثير من الأوساط، ودخل
أروقة القضاء بشكل جعله هاما جدا وقضية لوسائل إعلام مختلفة.
ففي فرنسا عشرات بل مئات النوادي الإعلامية
التي تهاجم الحكومات الفرنسية والرئيس، ولها برلمان وقضاء مستقل وفي فرنسا آلاف
اللاجئين السياسيين والحقوقيين، لكن كل هذا توقف أمام قضية لباس لامرأة من تصميم
أسترالي على شاطئ فرنسي؟ كيف وما هي الخلفيات؟
ضبطت إمرأة فرنسية مسلمة على أحد الشواطئ
تلبس البوركيني، وهو أمر يدخل ضمن الحرية الشخصية لهذه الإمرأة بالتحديد، لكن
الشرطة الفرنسية تقرر معاقبتها بشكل مهين. أثارت هذه الحادثة زوبعة إعلامية،
فانحاز رئيس بلدية فرنسية إلى جانب الشرطة الفرنسية، وأصدر قرارا بمنع ارتداء
البوركيني على شواطئ بلديته، لحقه في ذلك الكثير من رؤساء البلديات الفرنسية، وبعد
تصاعد الظاهرة وانتشارها، لجأت إحدى المنظمات الحقوقية المناهضة للإسلامو-فوبيا
إلى القضاء الفرنسي الذي أنصف المسلمات وأيد ارتداؤهن للبوركيني معلنا بأن الإرهاب
الذي تعرضت فرنسا له ليس سببا كافيا لأن يحرم جزء من الشعب الفرنسي من حرية
خياراللباس والمظهر. بل واستدعى رؤساء البلديات الذين منعوا البوركيني ليمثلوا
أمامه. مرة أخرى يتحرك الغرب في إطار الحريات وينتصر للحرية الشخصية، ومع ذلك
للحادثة خلفيات كثيرة.
الخلفية الثقافية
لقد استغلت حادثة عابرة من طرف بعض المتطرفين
الفرنسيين من أجل التضييق على المسلمات مرة أخرى، مستغلين عواطف الفرنسيين
وحساسيتهم بعد هجمات باريس ونيس، وهذا ما جعل نفوذ بعض اللوبيات النافذة يحرك بعض
المسؤولين الفرنسيين من أجل استصدار قرارات المنع تلك، وإلحاقها بالتطبيق بأداة
البوليس الفرنسي، حيث تعاطف الناس مع الشرطة بدل تعاطفهم مع الضحية.
الخلفية الاقتصادية
قضية كهذه تضاعف أسهم لباس البوركيني
والبيكيني في فرنسا على حد سواء، فالقضية انتشرت وتمت تغطيتها بشكل إعلامي غير
مسبوق، وبالتالي لن تجد دور النسيج ومصانع التسويق أفضل من فرصة ربحية كهذه لإغراق
الأسواق الفرنسية الصيفية وحتى العالمية بمنتوجيْن مشهورين كالبوركيني والبيكيني
أيضاً.
المتمعن بشدة في ما حدث، فإنه سيقف محتارا
في السرعة التي طبقت بها قرارات المنع من طرف الشرطة الفرنسية حتى أنها لم تنتظر
استكمال الإجراءات العادية، فقد تمت بقرار من رئيس البلدية ومراسلة عبر مكتب أمانة
البلدية العامة لينتهي إلى مكتب الكوميسار "المسؤول" عن الشرطة وبالتالي
تطبيقه، وهذا ما يطرح سؤال سبب هذه السرعة، وبهذه الطريقة وفي هذا التوقيت؟ خاصة
أن فرنسا لا تزال مضطربة وهي تعلن الحرب على الإرهاب، وهل كان سيتم الأمر بنفس
الخطوات لو كانت الإمرأة هذه من ديانة أخرى؟
مشكلة فرنسا مع الحجاب قديمة، لكنها وعلى ما
يبدو مشكلة حجاب المسلمين فقط، فالراهبات المسيحيات يتحجبن ويتجولن في كافة
المؤسسات الحكومية الفرنسية من دون أن نسمع عن مضايقتهن لا من طرف الشرطة ولا من
طرف من يحاولون حماية العلمانية من الديانات. كما أن العجائز اليهوديات والهنديات
وغيرهن لا يثير حجابهن الاحتجاج. الأمر متوقف فقط على الحجاب الإسلامي، البوركيني
لأنه إسلامي. لكن من ينادي بالحرية ويجعلها فاتحة لمبادئه وأسماء لهداياه الودية
للشعوب، يعلم بأن الحرية لها وجه وحيد ناصع لامع، وهي لا تحتمل أكثر من وجه واحد
أيضاً.