ثورة يناير "المتلفزة ".. لماذا فشلت في الوصول إلى الحكم؟

لعب "الناشطون " دوراً لا ينكر في الدعوة لـ"يناير " والحشد قبل وبعد تبلور "الميدان " كمركز للثورة وعنوان عليها وتفرّقت بهم السبل عقب ساعات من خطاب تنحّي مبارك ليحصل بعضهم علي نصيب محدود من "التورتة "بدءاً من تعيين أحدهم "نائب وزير " ومقدماً للبرامج التلفزيونية وصولاً إلى مجرّد "التعيين " في الحكومة بعد سنوات من العمل بـ"عقد مؤقت ".

عبر سنوات ست فشلت " يناير " في أن تتجسد يناير شخصاً أو حزباً أو تياراًولم يتبقَ منها إلا ذكريات "يوتوبيا الميدان " المفقودة
"لو أن يناير حكمت ..لما شاهدنا هذا يحدث " .. غاضباً غرّد الحقوقي المصري الشهير" جمال عيد " تعقيباً علي قرار أو سياسة ما انتهجها النظام المصري مؤخراً.

غضبة عيد وسخطه "التويتري " ليس الأول من نوعه وليس قاصراً عليه ومشاعر المرارة والإقصاء  يتشاركها " اليانيرجية " بالقدر ذاتهربما عقب "يناير " ذاتها بأشهر قليلة .

ثورة قوّضت نظاماً عمره ــ على الأقل ــ ثلاثين عاماًونقلت أسماء من "العيار الثقيل " من القصور إلى الزنازينبينما انتقل ــ كجزء من تداعياتها ـ آخرون من الزنازين إلى قصر الاتحادية ــ مقرالحكم ــ قبل أن يقفلوا عائدين إلى الزنازين لماذا ظل رموزها فضلاً عن مبادئها وقيمها ــ بعيدين عن لعبة تداول السلطة خلال أعوام ستة ؟!

السؤال جدير بالطرح والمناقشة ربما يضيء عن زوايا أخرى في مشهد الثورة التي بات البعض قادراُ الآن على رفع الصوت وهو يصفها بالنكسة والمؤامرةرغم الإشادة بها في الدستور الموضوع عقب ثورة أو انقلاب الثلاثين من يونيوــ فيما لا يزال البعض يضفي عليها "يناير " سمات القداسة والطهارة ويصر على وصفها بـ"المجيدة " .

لمن يتذكر كانت إدارة الحراك منذ اللحظة الأولى، منوطة بجهة/جهات غير معلومة أو محدّدة بشكل واضح فهناك أولاً ومبكراً جداً "المقدم أيمن سالم "ضابط المخابرات الحربيةالذي اتفق الجميع ــ تقريباًــ علي تجاهل دوره لاحقاًوالذي يفترض إنه مودع حالياً بإحدي المصحّات العقليةولا تطالب أية جهة بالإفراج عنه وهناك العقيد عمر عفيفي ضابط الشرطة المنشق والمقيم في أميركا والذي كانت صفحته على "فيس بوك " بمثابة "غرفة عمليات " لمسار التظاهرات وأساليب مكافحة وانهاك قوات الشرطة وهو حتى اللحظة لازال في أميركا وقد يطلق رسالة أو فيديو كل فترة يهاجم فيها النظام ويدعو لرفض قراراته .

هناك أيضاً شباب "6ابريل" وهي حركة ــ بمعني تجمع  مائع  غير منضبط تنظيمياًــ  والذين ساهموا في الحشد و"لوجستيك " الميدان ثم انشقوا لاحقاً إلى كتلتين كبيرتين وعدد غير معروف من "السابقين "وفي كل الحالات كان "التمويل " جزءاً اساسياً من الخلاف. وقبل أيام أفرج القضاء عن "مؤسس الحركة " المهندس أحمد ماهر بعد قضاء فترة عقوبة مدتها ثلاث سنوات بتهمة التظاهر .

لعب "الناشطون " دوراً لا ينكر في الدعوة لـ"يناير " والحشد قبل وبعد تبلور "الميدان " كمركز للثورة وعنوان عليهاوتفرّقت بهم السبل عقب ساعات من خطاب تنحّي مبارك ليحصل بعضهم علي نصيب محدود من "التورتة "بدءاً من تعيين أحدهم "نائب وزير " ومقدماً للبرامج التلفزيونية وصولاً إلى مجرّد "التعيين " في الحكومة بعد سنوات من العمل بـ"عقد مؤقت ".

شباب الاخوان يمكن إخراجهم من معادلة البحث عن إجابة للسؤال لأن مساهمتهم ومكافأتهم ارتبطت بمسار الجماعة حتى من ادّعوا الانشقاق عنها أو من لم يفصحوا عن ذالك الانتماء من البداية.

سنتجاهل هنا أيضاً ذلك الكم المُرعب من الاتهامات المتبادلة بين "شباب الثورة " بالعمالة للأمنأ والتربحأ والتخلي عن "رفاق الميدان فلسنا بصدد الحكم القيمي على شخص أو أشخاص.نعود إذن إلى السؤال ..لماذا لم تحكم يناير؟ لنعيد صوغه ..أي يناير كان يمكن أن تحكم مصر ؟

عصام شرف أول رئيس وزراء بعد "الثورة " والذي "عمد " فترة رئاسته للحكومة بزيارة الميدان وبغض النظر عن كونه ــ موظف صف ثاني في نظام مبارك ــ خرج مشيعاً بسخط "الينايرجية " ــ ولعنات بعضهم ــ ولازال حتى الآن موجوداً على هامش المشهد من خلال بعض الفعاليات الثقافية والمجتمعية.

وائل غنيم الذي تم رفع الغطاء عنه في "بهلوانية إعلامية باعتباره من قاد "من خلف الكيبورد" حراك يناير انطلاقاً من صفحة "كلنا خالد سعيد " على "فيس بوك "  ذاب بسرعة ربما لم تملأ هيئة الأعين المنتظرة بطلاً "سرياً" قادهم ببراعة ودهاء أسطوريين في مواجهة نظام غاشم ولم تكن علامات الاستفهام حول خروجه من "الاحتجاز " برفقة أحد رموز نظام مبارك "دكتور حسام بدراوي " ثم ما تواتر لاحقاً عن زوجته الأمريكية ذات العلاقة الملتبسة بالاخوان والإدارة الأمريكية لم تكن هذه الشبهات إلا تحصيل حاصل.

حمدين صباحي وعدد لا يستهان به من "رموز الميدان" بمن فيهم "الأيقونة " محمّد البرادعي ــ موظف آخر من نظام مبارك لم يعرف عنه أي ميل للمعارضة قبل تنصيبه أيقونة لها ــ شاركوا لاحقاً في جبهة الإنقاذ التي تكوّنت في مواجهة حكم الاخوان

ثورة يناير التي كانت "بلا رأس " كما يكرّر المفتونون بها فشلت في إيجاد رأس يمثلها أو لسان يتحدّث باسمها من دون أن يتهمه الآخرون بالقفز عليها فشلت في استنبات وجه لها في تكريس ممثلين عنها تأتيهم  السلطة أو يأتونها طوعاً أو كرهاً .

عبر سنوات ست فشلت " يناير " في أن تتجسد يناير شخصاً أو حزباً أو تياراًولم يتبقَ منها إلا ذكريات "يوتوبيا الميدان " المفقودة والتي ــربما ــ ينطبق عليها القول بأن كل شيء في تلك الأيام كان رائعاً ..لكنه أبداً لم يكن حقيقياً.

تشظ  عنقودي لا ينفتىء ينقسم على نفسه يأكل بعضه بعضاً يعتزل بعضه الآخر المشهد وينفث البقية مراراتهم عبر منصات السوشيال مكررين التأكيد على أنهم الأكثرعلى أنهم " من ليسوا أخواناً وليسو عسكر " متغابين عن أن الشيء لا يعرف ــمنطقياً ــ بأنه ليس نقيضه فإن لم تكن أخواناً ولا عسكر،فماذا تكون؟

في ذكراه السادسة يبدو أن "يناير "قنعت بالعودة إلى الشاشات ثورة متلفزة وصراع "سيبري " بلا قدمين يسيرانه إلى قصر الاتحادية حيث تتحوّل الأفكار والمطامع إلى "نظام حكم " نتفق أو نختلف معه وعليه .