المُتغيّر اللحظي هو الثابت الوحيد في فلسطين!!!
اعتبرت حماس الواقع في مصر واقعاً عدائياً ووصفت ماحدث في مصر بالانقلاب ومن ثم تحسّنت علاقة مصر مع حماس بواسطة دحلان، والتقاء مصالح كل من مصر وحماس المُحاصرَة ودحلان الذي يُفتّش عن موطئ قدم له في فلسطين.
واعتبرت حماس الواقع في مصر واقعاً عدائياً ووصفت ماحدث في مصر بالانقلاب ومن ثم تحسّنت علاقة مصر مع حماس بواسطة دحلان، والتقاء مصالح كل من مصر وحماس المُحاصرَة ودحلان الذي يُفتّش عن موطئ قدم له في فلسطين. في الماضي لم ترد حماس التنازل عن الحكم، ومن ثم أصبحت ترحّب بحكومة التوافق الوطني. وبعدها قامت بتشكيل الهيئة الإدارية العُليا لإدارة حكمها في القطاع، وكانت الجماعات الجهادية في غزّة مُحارَبة من قِبَل حماس، ومن ثم سمحت حماس لهذه الجماعات بمزاولة بعض النشاطات الجماهيرية. وبعد التقارُب الحمساوي المصري أصبحت هذه الجماعات تحت ضربات حماس المتواصلة حيث فجّر داعشي نفسه في قوة من كتائب القسّام على الحدود المصرية - الفلسطينية في 17آب/أغسطس2017.
فالحالة الفلسطينية فريدة من نوعها، فهناك سلطة قائمة تحت الاحتلال، وحماس تسيطر على القطاع، وحكومة التوافق الوطني تتحكّم في الشأن الحياتي الفلسطيني في الضفة، ولا تقوم بواجباتها في غزّة، والسلطة اليوم تشارك في حصار غزّة وتُعاقب حماس من خلال مُعاقبتها للشعب، ورئيس الحكومة الفلسطينية وأعضاؤها ليسوا من التنظيمات والأحزاب. والرئيس لا يزور القطاع، ولا يتنقّل إلا بإذن إسرائيلي، وإسرائيل تتحكّم بكل مُفردات الحياة في الضفة، والسلطة تُنسّق أمنياً مع إسرائيل على الرغم من عدم التزام إسرائيل السلام المزعوم ومواصلة الاستيطان والقتل والاعتقال والتدمير، وسحب صلاحيات السلطة الفلسطينية من خلال التعامل المباشر من قِبَل المواطنين الفلسطينيين مع صفحة المُنسّق الإسرائيلي-الإدارة المدنية الإسرائيلية- على الإنترنت بالإضافة إلى تكرار حجز إسرائيل لجزء من أموال السلطة. ونصبت البوابات الإلكترونية والكاميرات الذكية على أبواب المسجد الأقصى، الذي قوبل بالرفض المطلق من قِبَل المقدسيين وتصاعدت حدّة القمْع الإسرائيلي بحق المُصلّين وسقط العديد من الشهداء ومئات الجرحى. هذه العملية وغيرها من العمليات الفردية كالدهْس والطعْن وإطلاق النار هي نِتاج سياسات الاحتلال القمعية، وانعدام الأمل في المستقبل، ووصول الشباب لقناعة بأن الاحتلال لايفهم غير لغة القوة والعنف. وهذا ما تجلّى في وصيّة الشاب الأسير عمر عبد الجليل العبد من بلدة كوبر مُنفّذ عملية مستوطنة حلميش شمال غرب مدينة رام الله في 21تموز/يوليو2017 ، الذي حمل سكيّنه ودخل المستوطنة وقتلَ ثلاثة مستوطنين وجرحَ رابعاً.
وقال العبد في وصيّته: "أنا شاب لم يتجاوز عمري العشرين، لي أحلام وطموحات كثيرة، كنت أعلم أنه بعون الله ستتحقّق أحلامي، كنت أعشق الحياة لرسْم البسمة على وجوه الناس، لكن أية حياة هذه التي تُقتل فيها نساؤنا وشبابنا ظلماً ويُدّنس أقصانا مسرى حبيبنا ونحن نائمون".
وتساءل العبد مُستغرِباً: " أليس من العار علينا الجلوس؟ أنتم يا من سلاحكم صَدِئ، أنتم يا من تخرجون سلاحكم في المناسبات، ألا تخجلون من أنفسكم؟ هاهم أغلقوا أقصانا فلم يلبِ سلاحكم". مُضيفًا بأنه لا يمتلك سوى سكيناً سيُلبي به نداء الأقصى في حال عدم استجابة الاحتلال وفتح أبواب الأقصى.
وصرّح مصدر أمني إسرائيلي أن مُنفّذ عملية حلميش قال في التحقيقات الأوليّة معه إنه قرّر تنفيذ العملية ردّاً على الانتهاكات الإسرائيلية الأخيرة في المسجد الأقصى.
ففي السابق كانت منظمة التحرير الفلسطينية من تونس والفصائل الفلسطينية والقيادة الموحدة للانتفاضة الأولى والثانية ، هم مَن يقودون الشعب والانتفاضة والثورة ، وهم مَن يقومون في التخطيط وتنفيذ العمليات الفدائية، ولكن اليوم انقلبت الصورة فالأفراد هم مَن يقومون بتنفيذ العمليات ضد الاحتلال من دون عِلم التنظيمات، والشعب يهبّ وينتفض من دون قيادة ومن دون مشاركة التنظيمات ، بل حتى تبقى التنظيمات متفرّجة ولا تفعل شيئاً وعند النصر يتحرّكون ويبدأون بإصدار بيانات التبنّي التي لا تغني ولا تسمن من جوع . وآخر مثال حيّ على ثورة المقدسيين ووقوفهم في وجه الاحتلال وانتصار إرادتهم على الاحتلال. حتى وصل حد تبنّى انتصار المقدسيين للدول العربية التي سارعت لمحاولة قطف ثمار النصر، مع العِلم أن اجتماع الوزراء العرب في جامعة الدول العربية عُقِدَ بعد أسبوعين من هبّة الأقصى قُبيل ساعات من نصر المقدسيين.
كان في الماضي القريب التنسيق الأمني مع إسرائيل مُقدّس ولكن بعد اعتداء إسرائيل على الأقصى ووضع البوابات الإلكترونية وإمعانها في استهداف الأقصى والمقدسيين، اضطرت القيادة الفلسطينية لوقف التنسيق الأمني مؤقتاً لأول مرة في عهد الرئيس عباس، وفي الرابع من آب/أغسطس 2017 تم استئناف التنسيق الأمني حيث نقل الصحافي الإسرائيلي شلومي إلدار عن مصدر أمني إسرائيلي قوله " تم استئناف التنسيق الأمني بين الإسرائيليين والفلسطينيين من دون الإعلان عن ذلك، ومن الواضح أنه لن يتم الإعلان عن استئنافه ، وطلب من الأجهزة الأمنية الفلسطينية إبقاء الموضوع طيّ الكتمان بالكامل حسب قول الصحافي الإسرائيلي.
لقد رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إزالة البوابات واستبدلها بكاميرات ولكن إصرار المرابطين أجبره على إزالتها وفتح بوابات الأقصى، فالفلسطينيون في بداية تموز/يوليو2017 كانوا ضعفاء ومعنوياتهم تحت الصفر، ولكن مع نهاية نفس الشهر أصبحت المعنويات والهامات شامِخة شموخ الأقصى والمقدسيين وتحوّل الانكسار إلى نصر.
في الماضي كان التنظيم الواحد في فلسطين قراره موحّد ويُلزم جميع أعضائه في الضفة وغزّة، واليوم أصبح التنظيم تنظيمين أو أكثر ففتح غزّة وفتح الضفة وفتح دحلان وفتح الرئيس عباس، وحتى وصلت هذه الحال إلى حركة حماس في غزّة بالتحالف مع التيار الإصلاحي الذي يقوده دحلان، وحماس الضفة أيضاً تفتّش عن مصالحها من خلال التصالح مع الرئيس عباس، وتكلّل ذلك من خلال زيارة وفد حمساوي من الضفة للرئيس عباس في ظل كل الإجراءات العقابية بحق القطاع من قِبَل الرئيس عباس. ويمكن أن تقدم حماس الضفة على أكثر من التصالح مع الرئيس عباس بتشكيل إطار سياسي مصلحي اضطراري مؤقت من النُخب الحمساوية الليبرالية في الضفة، يُجيز التحالف مع الرئيس ومرشّح لقيادة هذا التيار الدكتور ناصر الشاعر نائب رئيس الوزراء في الحكومة العاشرة، ويمكن أن ينضمّ إليه أعضاء المجلس التشريعي والوزراء الحمساويين في الضفة حيث تم عقد اجتماع مع رئيس الوزراء رامي الحمدالله في رام الله في الرابع عشر من آب/أغسطس 2017 ، وسيكون هذا التيار شبيه بالحال المغربية بحزب العدالة والتنمية المغربي الذي تعايش مع الملك. وستكون قاعدة هذا التيار التبريرية بأن الرئيس عباس مُنتخَب ويحظى بشرعيّة لاتتوافر عند شريك حماس في غزّة.
حتى أن موظفي السلطة أصبحوا مُقسّمين موظفي غزّة وموظفي الضفة، والسلطة تعاقب حماس من خلال الخصومات والتقاعد القسري المُبكر لموظفيها في غزّة. في فلسطين كل لحظة هناك قرار وقد يخالف القرار السابق وقد لا تكون هناك قاعدة قانونية ودستورية ومُبرّر للقرار، ولكن الحال المتغيّرة والتطوّرات والأحداث والمزاجية والفعل وردّات الفعل تعكس نفسها بكل قوة على السياسة الفلسطينية التي تتحكّم بها إسرائيل والواقع العربي المحيط والقرار الفردي الفلسطيني!!!