أردوغان يُعيد الصراع إلى أوجّه بين العلمانية والإسلاموية
تميّزت فترة حُكم حزب العدالة والتنمية بقدرة الحزب على حشد أنصار معظم الحركات الإسلامية خلف رؤيته وبرنامجه السياسي، من دون الدخول في مواجهات مباشرة مع مؤسّسات الدولة العلمانية، وعلى وجه الخصوص المؤسّسة العسكرية إلى أن أصبح هو الحزب المُهيمن على مُقدّرات الدولة ، حتى أنه لم يقبل الهزيمة في انتخابات السابع من حزيران عام 2015 ، لتتم إعادتها في الثاني من تشرين الثاني وفوز الحزب بالأغلبية التي مكّنته من تشكيل الحكومة لوحده.
لم يكن الاستفتاء الرئاسي الذي جرى وحقّق نسبة ضئيلة إلا محاولة من أردوغان لإحكام سيطرة الحزب الواحد على الدولة التركية
يمكن القول إن الانقسام الحاصل في تركيا اليوم ليس جديداً ، وإنما يعود إلى
عام 1908 عندما قامت جماعة الاتحاد والترقّي بانقلاب على السلطان عبد الحميد
الثاني، ومن وقتها لم يعد الإسلام هوية
للنُخب وأصحاب القرار في اسطنبول ، حيث بدأ يظهر الصراع بين مكوّنات الشعب التركي
.. بين القومية الطورانية العلمانية من جهة ، والإسلاموية من جهة أخرى ، واستمر
هذا الصراع بأشكال مُتعدّدة حتى أعلن مصطفى كمال أتاتورك قيام جمهورية تركيا
الحديثة عام 1923، وإلغاء الخلافة الإسلامية التي كانت تتّخذ من اسطنبول مقراً لها
في الثالث من آذار عام 1924 لتصبح القومية التركية ذات النزعة الغربية هوية النظام
التركي الجديد .
واستمرت تركيا تحت حُكم حزب الشعب ( العلماني ) الذي أسّسه أتاتورك إلى عام
1946، إلى أن انشقّ كل من جلال بايار وعدنان مندريس ونواب آخرين عن حزب الشعب نفسه
، وشكّلوا الحزب الديمقراطي ذا التوجّه الإسلامي الذي خاض أول انتخابات برلمانية
في العام نفسه ، وكاد يهزم الحزب الحاكم .
بعد تشكيل الحزب الديمقراطي لم يعد الصراع خفياً بين العلمانية والإسلاموية،
فالحزب الديمقراطي استطاع الوصول إلى السلطة بانتخابات عام 1950 محقّقاً فوزاً
كاسحاً على حزب الشعب ، فمقاعد الديمقراطي
وصلت إلى /403/ مقابل /96/ ليبقى الحزب الديمقراطي الإسلامي حاكماً تركيا
ومحتفظاً بالأغلبية البرلمانية إلى السابع والعشرين من أيار 1960 ، حيث قام الجيش
بالاستيلاء على السلطة واعتقال بايار وإعدام مندريس ، لتعود العلمانية تحكم تركيا
بحماية الجيش الذي قام بانقلابين عسكريين آخرين عامي 1970 و1981 ، بحجّة حماية
العلمانية ، وانتهاك الأحزاب الحاكمة للمبادئ العلمانية والمساس بهيبة الجيش .
واستمر الصراع الخفيّ تارةً ، والعلني أحياناً ، بين التيّارين العلماني
والإسلامي، إلى أن وصل نجم الدين أربكان رئيس حزب الرفاه إلى الحُكم عن طريق
تحالفه مع حزب الطريق المستقيم الذي كانت تتزعّمه تانسو تشلر في التاسع والعشرين
من حزيران 1996 ، واستمر أربكان في الحُكم لمدة عام مُطلقاً اليد الطولى للتيّار
الديني في مؤسسات الدولة ، كما قام بزيارات عدّة إلى دول عربية وإسلامية من بينها
ليبيا وإيران ، إلى أن بلغت ذروة الضغوط العسكرية على حكومة أربكان في الثامن
والعشرين من شباط 1997 ، حيث أقرّ مجلس الأمن القومي ثمانية عشر مطلباً واجبة التنّفيذ
، بغرض حماية العلمانية ، مُقدّمة إلى حكومة أربكان .. كان من أبرزها ما يتعلّق
بتقييد انتشار التعليم الديني ، ما اضطر أربكان لتقديم استقالته في الثامن عشر من
حزيران 1997 لتعود العلمانية إلى الحُكم .
استمر غياب الإسلاميين عن الحُكم مدة خمس سنوات إلى أن أُسّس حزب العدالة والتنمية في 14 أب 2001،
على يد نواب انشقّوا عن حزب الفضيلة الإسلامي (حزب الرفاه سابقاً ) بزعامة نجم
الدين أربكان ، كان على رأسهم الرئيس الحالي رجب طيّب أردوغان و رئيس الجمهورية
السابق عبد الله غول و بولنت أرينتش، والكثير من القيادات الإسلامية الشابّة في
حينه ، وخاض الحزب انتخابات مُبكرة في الثالث من تشرين الثاني عام 2002 ، تمكّن
خلالها من الحصول على 363 مقعداً من أصل 550 ما مكّنه من تشكيل الحكومة بمفرده .
تميّزت فترة حُكم حزب العدالة والتنمية بقدرة الحزب على حشد أنصار معظم
الحركات الإسلامية خلف رؤيته وبرنامجه السياسي، من دون الدخول في مواجهات مباشرة
مع مؤسّسات الدولة العلمانية، وعلى وجه الخصوص المؤسّسة العسكرية إلى أن أصبح هو
الحزب المُهيمن على مُقدّرات الدولة، حتى أنه لم يقبل الهزيمة في انتخابات السابع
من حزيران عام 2015 ، لتتم إعادتها في الثاني من تشرين الثاني وفوز الحزب
بالأغلبية التي مكّنته من تشكيل الحكومة لوحده .
ولم يكن الاستفتاء الرئاسي الذي جرى في السادس عشر من نيسان وحقّق نسبة
ضئيلة لم تتجاوز الاثنين بالمئة، إلا محاولة من رئيس الدولة ومؤسّس حزب العدالة
والتنمية رجب طيّب أردوغان لإحكام سيطرة الحزب الواحد على الدولة التركية، وتحجيم
دور العلمانيين، الأمر الذي رسخ لدى الجميع انقسام المجتمع التركي إلى تيّارين
علماني وإسلامي، لا يمكن لأحدهما أن يستأثر بالسلطة، أو يفرض نفسه على الآخر،
ما يعني أن كل محاولات حزب العدالة والتنمية التي تهدف إلى سيطرة التيّار الإسلامي
ستبوء بالفشل، والخلاف سيستمر، ما لم يجد الأتراك طريقة للتفاهم قبل أن تتفاقم
وينتقل الصراع إلى الميدان .