قانون تنظيم الفتاوى بين البرلمان والأزهر الشريف هل يحمي الأمّة من الفِتن ؟
يعيش المسلمون في هوجة من الفتاوى المتضاربة، هذا يقول حلالاً وذاك يقول حراماً، ثم تأتي الكارثة عندما يفتي البعض بقتل النفس التي حرّم الله إلا بالحق، وهي فتاوى داعش وبوكو حرام وأنصار بيت المقدس والقاعدة وإرهابيو سوريا ومصر وليبيا وغيرها من البلاد
فقد وافقت لجنة الشؤون الدينية والأوقاف في مجلس النواب يوم الخميس 4 أيار/مايو 2017 على الطلب المقدّم من النائب عمرو حمروش برعاية الدكتور شوقي علاّم مفتى الجمهورية، والدكتور على جمعة مفتى الجمهورية السابق، ووزير الأوقاف الدكتور محمّد مختار جمعة، والدكتور محيى الدين عفيفى، أمين عام مجمع البحوث الإسلامية على تغليظ عقوبة مَن يُطلق الفتاوى من دون تصريح لتصل للحبس 6 أشهر وغرامة 20 ألف جنيه، وذلك بمشروع قانون تنظيم الفتوى الجديد، حيث دمجت اللجنة المادتين الرابعة والخامسة في مادة واحدة، ، وأصبح نصّ المادة بعد التعديل كالتالى: "يُحظّر بأية صورة التصدّى للفتوى العامة إلا إذا كانت صادرة من هيئة كبار العلماء في الأزهر الشريف أو دار الإفتاء المصرية أو مجمع البحوث الإسلامية أو الإدارة العامة للفتوى في وزارة الأوقاف، ومن هو مرخّص له بذلك من الجهات المذكورة، وفقًا للإجراءات التى تحدّدها اللائحة التنفيذية لهذا القانون" والمادة الثانية المُتعلّقة بالموضوع : "تقتصر ممارسة الفتوى العامة عبر وسائل الإعلام على المصرّح لهم من الجهات المذكورة في المادة الأولى، ويُعاقَب على مخالفة أحكام هذا القانون بالحبس مدة لا تزيد عن ستة أشهر وغرامة لا تزيد عن خمسة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، وفي حال العودة تكون العقوبة هي الحبس وغرامة لا تقلّ عن عشرة آلاف جنيه"، هذا هو ملخّص مشروع تقنين الفتوى.
وعندما ننظر إليه نجده موجّهاً فعلا لتنظيم الفتوى وتقليل التطرّف وقَصر الفتوى على الأزهريين ومجمع البحوث الإسلامية ودار الإفتاء، وهو أمر حميد، ولكن الأمر له وجوه أخرى، صحيح أن الأزهر الشريف يُعتَبر المرجعية السنّية الكبرى في العالم، ولكن المذاهب الأربعة لا تحصر الفتوى في مرجع واحد، أو حتى بعض المراجع، كما هو الحال في المذهب الجعفري الإمامي، وظلّت الفتوى غير منظّمة طوال تاريخ المسلمين، وعاش أبناء الأمّة على الفتوى من هنا وهناك، من شيخ أو نصف شيخ..
وبالتالي ظلّ المسلمون يستقون الفتوى في ربوع القرى والمدن المصرية وغير المصرية من شيوخ غير متخصّصين وغير أزهريين أيضاً، يفتون في الزواج والطلاق والمواريث وغيرها، ومن الصعب متابعتهم، أو حتى التقليل من أثر فتاواهم، وإذا اقتصر الأمر على فتاوى الأحوال الشخصية لهان الأمر، ولكن وبعد أن انتشر الفقه الوهّابي، صارت الفتاوى تُطلق على أعنّتها، يقولون زيارة القبور شركاً، والطلاق اللفظي حتى من الغضبان يقع، والاحتفال بكل المناسبات الدينية شرك والسينما والتلفزيون باطل، والسينما حرام والرّق حلال، ولا يمكن الوصول إلى هؤلاء المفتين في كل ركن من العالم، لأنهم موجودون في الفضائيات من داخل الحدود ومن خارجها، فضلاً عن الزوايا المنتشرة في مصر تحت العمارات والأبراج، وهو ما منعته الحكومة المصرية، عندما منعت الصلاة في الزوايا، ومعها مكاتب تحفيظ القرآن الكريم، التي يشرف عليها وهّابيون يحفّظون الأطفال القرآن ومعه الفكر الوهّابي..
وهذا يقودنا أيضا إلى شيوخ السلفية الكبار مثل ياسر برهامي ومحمّد حسان ومحمّد يعقوب والحويني ومعه ابنه، لا ينفكّ هؤلاء وغيرهم عن الفتاوى في الفضائيات ويشاهدهم الملايين، ويأخذون عنهم الدين، وياسر برهامي مثلاً دائماً يهاجم المسيحيين ويطلق فتاوى التكفير، ويقول بشرك من يحتفل بأعياد الأمّ وشمّ النسيم وعيد النصر، بل وشرك من يحتفل بالمولد النبوي أو ذكرى الإسراء والمعراج أو النصف من شعبان، وكلنا يعلم أن فتاوى حرق الكنائس والتفجيرات الدموية هي في الأصل فتاوى وهّابية، يجب منعها ومحاربتها، وهو يحتاج إلى جهد وعقل وفهم ودراية قبل الرواية.
وعندما يريد الأزهر منع الفتوى، فلا بدّ من أن يصطدم بشيوخ الوهّابية في مصر وخارجها، في الأزهر وخارج الأزهر.. مع السياسة السعودية التي تستمد شرعيتها من المدرسة الوهّابية.
على أية حال يُعتبر قانون تنظيم الأزهر خطوة أولى في سبيل تصحيح مفاهيم الأمّة، مع العلم أن موسوعة فتاوى الأزهر التي صدرت عام 2007، لا يوجد فيها فتوى تكفير واحدة، ولا فتوى ازدراء واحدة للمسيحية واليهودية، ولكن ظلّت فتاوى التكفير الدموية منتشرة، ومعنى ذلك أن المتطرّفين التكفيريين لا يأخذون برأي الأزهر، ولا يعتبرونه مرجعيتهم، بل إنهم يكفّرون الأشاعرة والصوفية، والمذهب الأشعري هو مذهب الأزهر ودار الإفتاء ووزارة الأوقاف، إذن يظلّ قانون تنظيم الفتوى يحتاج إلى عملية ثقافية أزهرية تربوية لتجديد الخطاب الديني وتنشيط الفكر السياسي الإسلامي، ويحتاج للتقارب بين كل المذاهب الإسلامية، والمطلوب أيضاً هو التفريق بين الفتوى والرأي، فالفتوى رأي ديني في واقعة محدّدة، أما الرأي فهو البحث في الأمور الدينية، ومنها نقد كتب التراث وأصحابها، حتى يمكن تخطّي العقبة التي تقف في طريق التجديد المطلوب، وهو ما نكتب فيه وعنه، وهو ما نأمله من الأزهر الشريف بتاريخه المُمتد، ووسطيّته المعروفة... حمى الله الأمّة من الفِتَن...