تيران وصنافير وقناة بن غوريون
اتفاقية نقل السيادة على جزيرتي تيران وصنافير من مصر إلى السعودية قد لا تكون مجرد صفقة تجارية تم من خلالها بيع أرض مصرية من أجل المال لضخه في اقتصاد البلاد المتهالك، كما يتم تصوير الأمر. ربما تتعلق المسألة بمشروع أوسع تم التخطيط له وهو اليوم يُنفّذ بعد أن أصبح الظرف مناسباً لتنفيذه.
اتفاقية نقل السيادة على جزيرتي تيران وصنافير من مصر إلى السعودية قد لا تكون مجرد صفقة تجارية
أصبح
ممر تيران ممراً دولياً بموجب اتفاقية نقل السيادة إلى المملكة السعودية، بعد أن كان
ممراً خاضعاً للسيادة المصرية. وأصبح بإمكان إسرائيل تبعا لذلك فتح قناة تربط بين
الممر والبحر الأبيض المتوسط. وهذا ما أعلنته "إسرائيل" حيث بدأ العمل
على إنجاز قناة بن غريون الرابطة بين البحر المتوسط والبحر الأحمر عبر مضيق تيران،
لتكون قناة بديلة لقناة السويس.
خسرت
مصر بتنازلها عن الجزيرتين الحق في التحكم بممر تيران، وهو ما كانت تفعله قبل ذلك.
فرغم أن اتفاقية كامب ديفد تشترط أن تكون مضايق تيران مفتوحة أمام كل السفن،
فإن هذا الشرط يسري فقط في أحوال السلم وفي ظروف "المرور البريء"، وما
دامت المضايق تحت السيطرة المصرية فإن مصر تستطيع إغلاقها في حالة الحرب أو لو
اشتمت نوايا سيئة للسفن المارة. غير أنه وبعد التنازل عن الجزر للسعودية تصبح مياه
مضيق تيران دولية وليس لمصر أي حكم عليها لا في السلم ولا في الحرب.
إنشاء
قناة بن غريون يعني خنق قناة السويس. فالقناتان متقاربتان في الطول باعتبار أن
المسافة بين إيلات والبحر المتوسط مساوية تقريبا للمسافة التي أنشئت عليها قناة
السويس. غير أن "إسرائيل" ستقوم بخفض المسافة في قناة بن غريون
بالمقارنة مع تلك التي تجتازها السفن في قناة السويس إلى البحر الأبيض المتوسط..
وهو ما يعني خلق منافسة غير متكافئة أبدا بين القناتين.
والامتياز
الآخر لقناة بن غريون المزمع إنشاؤها في ظرف 3 سنوات بكلفة 14 مليارًا من
الدولارات سيتم اقتراضها من 3 مصارف أمريكية بفائدة 1 % على أن تردَّها على مدى 30
سنة، وهي ستكون قناة بممرين؛ أحدهما من البحر الأحمر إلى البحر المتوسط والآخر من
المتوسط إلى البحر الأحمر. إن ذلك سيكون ضربة إضافية لقناة السويس ذات الممر
الواحد الذي يستخدم بالتداول يوم للسفن القادمة من البحر الأحمر في اتجاه البحر
المتوسط ويوم للسفن القادمة من المتوسط في اتجاه البحر الأحمر.
وفوق ذلك ستكون القناة الإسرائيلية أكثر مرونة وتنظيماً وحداثة، فمثلا ستكون القناة بعمق 50 مترًا، أي زيادة 10 أمتارعن قناة السويس، وستستطيع سفينة بطول 300 متر وعرض 110 أمتار، وهي أكبر قياس السفن في العالم، العبور في القناة التي ستبنيها "إسرائيل". كما ستحاول "إسرائيل" إقامة مدن على طول القناة على مسافة ضخمة حولها، كما هي المدن والبيوت القديمة، لإحياء إيلات شبه الصحراوية.
ومن أجل تأمين القناة ستضع "إسرائيل" أجهزة تجسس في عمق القناة، وأجهزة مراقبة في قلب القناة، وستقيم أكبر حاجز يكشف الأسلحة ويصوِّر بطريقة الأشعة الليزر كل سفينة تقطع القناة ذهابًا أو إيابًا.
تساهم قناة السويس الآن بـ8 مليارات دولار من المداخيل وعند تشغيل القناة الصهيونية فإنها سوف تنخفض إلى 4 مليارات، إذ تتوقع "إسرائيل" أن مدخول القناة الجديدة سيكون 4 مليارات في السنة وما فوق. ولا تستطيع مصر المكبلة باتفاقية كامب دايفيد فعل شيء لإيقاف مشروع قناة بن غريون لو فرضنا جدلا نيتها فعل ذلك. فالجيش المصري ممنوع من تجاوز قناة السويس. وحتى لو ألغت مصر كامب دايفد فلن تستطيع استعادة سيناء؛ لأن القوة العسكرية "الإسرائيلية" قادرة على ضرب الجيش المصري في حال تجاوزه قناة السويس.
أما الاعتراض المصري الرسمي على إنشاء هذه القناة والتهديد بقطع العلاقات مع "إسرائيل" قد لا يكترث له الكيان الغاصب معتبراً أن العلاقات الدبلوماسية مع مصر شبه مقطوعة، كما لم يكترث للتهديد العسكري.
ألم يكن الرئيس المصري وحكومته يعرفان أن نقل السيادة على تيران وصنافير إلى السعودية يعني إعدام قناة السويس، وما يجره ذلك من خسائر اقتصادية فادحة على مصر؟ ألا يبرر هذا القرار بالتخلي عن السيادة على الجزيرتين طرح أسئلة حول الجهة التي تستفيد من إضعاف مصر؟
كانت الأغلبية الكبيرة من المصريين تعيش إحساساً بالتهديد في حياتها ومستقبلها وأرزاقها منذ عقود، لكنها الآن تشعر بتهديد وجودي. وإذا أضفنا إلى صدمة التنازل عن الجزيرتين، التهديد الذي يمثله السد الأثيوبي الذي يوشك بناؤه على النهاية، وما يمثله ذلك من تهديد لحصة مصر من مياه النيل أمام التربة المجهدة، وموارد البلاد المستهلكة، والاقتصاد المترنح، وعوز الكثير من المواطنين، وهواء المدن الملوث، يصبح واضحاً أن مصر مستهدفة اليوم كما تكن مستهدفة في أي وقت مضى..