الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي واستراتيجية الحل
ربما التاريخ يُعيد نفسه في طرْح نتنياهو عن رؤيته للسلام الإقليمي وهذا ما تفسّره رؤية الإدارة الأميركية الجديدة برئاسة دونالد ترامب ، لشروط استئناف عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين بالدعوة إلى مؤتمر إقليمي تحضره أطراف عربية وإسرائيل والسلطة الفلسطينية برعاية أميركية لإطلاق حوار عربي- إسرائيلي مُباشر، على أن يتحوّل لآلية دائمة يتم استدعاؤها حين الاتفاق بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي.
ما يجري في القدس يعود إلى الواجهة من جديد أمام سياسة التهجير والتهويد والتطهير العرقي
يبدو
أن فُرَص نجاح التسوية السياسية بين الفلسطينيين والإسرائيليين تراجعت في السنوات
الأخيرة إلى الوراء كثيراً وخصوصاً مع اعتلاء بنيامين نتنياهو سدّة الحُكم في
إسرائيل، بَيْدَ أن استطلاع الرأي الذي أجراه مؤخّراً المركز الفلسطيني للبحوث
السياسية والاقتصادية وجامعة تل أبيب في بداية شهر تموز/ يوليو المنصرم، الذي أظهر
أن 52% من الفلسطينيين و 53% من الإسرائيليين يؤيّدون حلّ الدولتين مُقارنة
باستطلاع مُماثل جرى في كانون أول/ديسمبر 2016 بزيادة التأييد بنسبة 8% لدى
الفلسطينيين وانخفاض لدى الإسرائيليين بنسبة 2%.
اللافت
أن نتنياهو قدّم خططاً للسلام مع الفلسطينيين في خطابه الشهير في جامعة بار إيلان
في عام 2009، منها السلام الإقليمي تارة والسلام الاقتصادي تارة أخرى كمُقدّمة لحلّ
الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والاعتراف بيهوديّة الدولة أو دولة قومية للشعب
اليهودي، والذي عاد يطفو على السطح مرة أخرى في ظلّ الانقسام الفلسطيني والكارثة
الإنسانية في غزّة وتهويد وأسْرَلَة القدس.
ربما
التاريخ يُعيد نفسه في طرْح نتنياهو عن رؤيته للسلام الإقليمي وهذا ما تفسّره رؤية
الإدارة الأميركية الجديدة برئاسة دونالد ترامب ، لشروط استئناف عملية السلام بين
الفلسطينيين والإسرائيليين بالدعوة إلى مؤتمر إقليمي تحضره أطراف عربية وإسرائيل
والسلطة الفلسطينية برعاية أميركية لإطلاق حوار عربي- إسرائيلي مُباشر، على أن
يتحوّل لآلية دائمة يتم استدعاؤها حين الاتفاق بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي.
على ما يبدو أن شهيّة التطبيع العربي الإسرائيلي قد بدأت فعلاً وهذا تكلّل
بالتحالفات العربية مع إسرائيل في ما يُسمّى مُحاربة "الإرهاب".
بَيْدَ أن ما يجري على الأرض يتعارض
مع استطلاعات الرأي المؤيِّدة لحلّ الدولتين ويسير بخطى مُتسارِعة يفرض حلولاً على
الأرض تحول دون قيام دولة فلسطينية على حدود 4 حزيران/يوليو 1967. فالمطروح على
الفلسطينيين حالياً ليس الاختيار بين حلّ الدولتين وحلّ الدولة الواحدة كما يُروّج
البعض ، بل القبول بالرؤية الإسرائيلية القائمة على منْح الفلسطينيين حُكماً ذاتياً
وإدارة محلية من دون سيادة على الأرض، لأن اتفاق السلام المعهود لمنْح الفلسطينيين
دولة بمساحة 22% من أراضي فلسطين التاريخية بدأ يضمحل مع سيطرة إسرائيل على
أكثر من 85% من الأرض التاريخية، ويتعزّز مع استمرار الانقسام الفلسطيني
وحذو قطاع غزّة نحو مصر، فيما القدس تواجه مصيراً تهويدياً يأخذ أشكالاً عدّة في
التهويد والترانسفير والأسْرَلَة. يبدو حقيقة أن ضحايا النازية من اليهود قد تحوّلوا
إلى نازيين جُدد.
ربما
ما يجري في القدس يعود إلى الواجهة من جديد أمام سياسة التهجير والتهويد والتطهير
العرقي، بمصادقة الكنيست الإسرائيلي على مشروع منع تقسيم القدس حتى لو في إطار
عملية سلام، والذي تزامن مع سياسة التهجير في حي الشيخ جراح في القدس المحتلة التي
طالت عدداً من الأسر الفلسطينية تحت ادّعاءات البناء من دون ترخيص أو عدم ملكية
الأرض، بالتزامن مع المُخطّطات الاستيطانية في الحيّ المقدسي مع السعي الإسرائيلي لإحداث
تغيير ديمغرافي كبير بنقل (140 ألف مواطن فلسطيني) من مخيم شعفاط وكفر عقب وعناتا إلى
خارج حدود بلدية القدس ، وضم 24 مستوطنة إسرائيلية منها "معاليه أدوميم"،"غفعات
زئيف"، "غوش عتسيون"، "أفرات" و"بيتار عيليت" (150 ألف مستوطن) إلى داخل حدود بلدية القدس بما يضمن سيادة
إسرائيلية والتطويق الكامل للقدس.
إن
تهويد القدس يدخل مرحلة الخطر الشديد مع الكشف عن قضية السمسرة التي تقودها
الكنيسة اليونانية الأرثوذكسية في بيع وتسريب وتحكير أملاكها لجمعيات استيطانية،
كما هي الحال مع استئجار مستوطنين لحقوق قانونية لثلاثة عقارات في البلدة القديمة
لمدة 99 عاماً مع إمكانية التمديد لـ99 عاماً أخرى، وهي فندق البتراء قرب باب
الخليل وفندق أمبريال قرب المبنى الثالث وهو بيت المُعظمية بالقرب من باب حُطة
المؤدّي للمسجد الأقصى، وهذا ما كشف عنه الإعلام الإسرائيلي بعد أحداث الأقصى
لتوجيه رسالة للفلسطينيين "أننا ستكون مسؤولين عن هذا الباب".
المُتتّبع
للممارسات والخطط الاستيطانية المُتسارِعة وسياسة الترانسفير والتطهير العرقي، التي
تدفع بها إسرائيل نحو أهدافها بترتيبات عملية وأحادية من جهة وترسيم ذلك من جهة أخرى
في إطار اتفاق سلام مستقبلي ترعاه الولايات المتحدة الأميركية، وهذا ما برز في رؤية
واشنطن للسلام التي نقلها المبعوث الخاص للرئيس الأميركي جيسون غرنبيلات للرئيس الفلسطيني
محمود عباس والمُتمثّلة، بعدم مناقشة المشاريع الاستيطانية السابقة وتأسيس لجنة أميركية
إسرائيلية لمناقشة خطط الاستيطان اللاحقة من دون وقف الاستيطان بالكامل.
على
حكومة نتنياهو أن تُعيد النظر في حساباتها وخاصة بعد أحداث انتفاضة القدس التي عزّزت
سيادة الفلسطينيين على المدينة المُقدّسة ووضعت حداً لأطماع إسرائيل في فرْض
التقسيم المكاني والزماني في المسجد الأقصى. فالفلسطينيون في أم الفحم وكفر قاسم
ليسوا مستوطنين يجري نقلهم من مكان إلى أخر لأسباب سياسة عنصرية، بل هم سكان
البلاد الأصليين، وعروبة القدس وضرورة عودتها للسيادة الفلسطينية عاصمة لدولة
فلسطين بمُقدّساتها الإسلامية والمسيحية وببلداتها وقُراها ليست معروضة للمقايضة
أو التبادُل مع مستوطنات غير شرعية أقامتها الحكومات الإسرائيلية المُتعاقِبة
خلافاً للقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية.
ألم
يَحِن الوقت للفلسطينيين للنهوض بالمسؤوليات الوطنية الجِسام لمواجهة سياسات حكومة
الاحتلال، بوضع حد للانقسام المُدمّر بعيداً عن المناورات السياسية والاشتراطات
المُسبَقة. فما أحوجنا للوحدة الوطنية، وإنهاء حال الترهّل والتيه السياسي
الفلسطيني، وتحمّل الجميع مسؤولياته الوطنية وتطبيق اتفاقات الإجماع الوطني على
رأسها اتفاق القاهرة 4 مايو 2011 ، ومخرجات قرارات اللجنة التحضيرية للمجلس الوطني
الفلسطيني، قرار تشكيل حكومة وحدة وطنية شاملة وتخلّي حركة حماس عن لجنتها
الإدارية وبالتوازي تجهيز قانون وآليات الذهاب للانتخابات التشريعية والرئاسية لكل
مؤسّسات م.ت.ف. بالتمثيل النسبي الكامل، ضماناً للشراكة الوطنية والبرنامج الوطني
الفلسطيني الموحَّد والموحِّد.