هل سينجو نتنياهو هذه المرة أيضاً؟!
إذا ربطنا ما سبق مع ما نشرته القناة العاشرة الصهيونية أن "هارو" اعترف للشرطة أن نتنياهو طلب منه بشكل شخصي فحص إمكانية عقْد صفقة مع "نوني موزس" مالك صحيفة "يديعوت أحرنوت" تهدف لإقفال أو الحدّ من انتشار صحيفة "إسرائيل هيوم" المُنافِسة لليديعوت، مقابل أن تقدّم يديعوت خدمات لنتنياهو وتتوقّف عن مُهاجمته وهذا ما عُرِف بقضية 2000.
آري هارو كاتِم أسرار نتنياهو ورئيس طاقمه السابق يوقع على اتفاق شاهِد ملك في قضية الفساد المُتّهم بها
على مدار أكثر من أسبوع من العناوين الرئيسة اليومية في الإعلام العِبري عن تطوّرات التحقيقات في قضايا
الفساد الخاصة "ببنيامين نتنياهو" رئيس وزراء "إسرائيل"، والتي شهدت تطوّرين مُهمّين، الأول الإعلان الرسمي
من قِبل الشرطة الصهيونية عن التحقيق مع نتنياهو بتهمة الرشوة والغشّ وخيانة الأمانة، ونيّتها تقديم لائحة اتّهام ضدّه، والأمر الثاني الإعلان الرسمي عن توقيع
"آري هارو" كاتِم أسرار نتنياهو ورئيس طاقمه السابق على اتفاق شاهِد ملك في قضية الفساد المُتّهم بها، بشريطة تقديم كل المعلومات
التي لديه عن القضية وبالذات عن نتنياهو للشرطة، وذلك بموافقة "أفخاي
ماندلبلت" المُستشار القانوني لحكومة الاحتلال.
هذا المستشار الذي يُعتبَر من أصدقاء نتنياهو والذي عمل نتنياهو جاهداً
على تولّيه هذا المنصب، إلا أن اعلان الشرطة عن تقديم لائحة الاتّهام تُشير إلى أن
المستشار القانوني وجد من الدلائل التي تجعل من القضية مُترابطة الأركان وخاصة أنه
صرّح بالسابق على خلفيّة التظاهرات شبه اليومية أمام بيته من قِبَل الجمهور
اليساري والناشطين من أجل الشفافية وجودة الحُكم في الدولة "أنه لن يوصي بتقديم لائحة اتّهام
من دون أن تكون هناك دلائل ملموسة لا تجعل القضية تسقط في المحكمة".
وإذا ربطنا ما سبق مع ما نشرته القناة العاشرة الصهيونية أن "هارو" اعترف للشرطة أن نتنياهو طلب
منه بشكل شخصي فحص إمكانية عقْد صفقة مع "نوني موزس" مالك صحيفة "يديعوت أحرنوت" تهدف لإقفال أو
الحدّ من انتشار صحيفة "إسرائيل هيوم"
المُنافِسة لليديعوت، مقابل أن تقدّم يديعوت
خدمات لنتنياهو وتتوقّف عن مُهاجمته وهذا
ما عُرِف بقضية 2000.
والشيء المُعتاد أن تطالب المعارضة باستقالة نتنياهو على خلفيّة هذه المُستجدات في قضايا الفساد، ولكن الأمر الذي استجدّ هو بروز
بعض الأصوات_ ولو أنها حتى الآن خجولة جداً_ من داخل الليكود أهمها "آفي ديختر"
الذي طالب بشكل غير مباشر أنه في حال تقديم لائحة اتّهام ضدّ نتنياهو يجب عليه أن
يُقدّم استقالته، ورغم الدعم الكبير من قِبَل جوقة نتنياهو داخل حزبه وخاصة "دفيد
بيتن" رئيس كتلة الائتلاف الحكومي في الكنيست و"ميري ريجف" وزيرة
الثقافة، والذين تجنّدوا طوال الأيام الماضية داخل استديوهات قنوات الإعلام العِبري
يدافعون عن زعيمهم ويهاجمون كالمعتاد مَن يعارضه.
إلا أن المهم في مشهد المدافعين
هو موقف الأحزاب المشاركة في الائتلاف الحكومي مع الليكود، وخاصة حزب البيت
اليهودي المُنافس على قيادة اليمين في "إسرائيل" والذي ظهر موقفه من
خلال تصريحات كلٍ من وزيرة العدل "إييلت
شكيد"، والتي صرّحت أن "القانون الصهيوني لا يُجبِر رئيس الوزراء على
الاستقالة حتى في حال تقديم لائحة اتّهام ضدّه"، ولكن يبقى التصريح الأهم
بهذا الشأن هو لزعيم البيت اليهودي "نفتالي بينت" والذي أكدّ في تغريدةٍ
له على حسابه على التويتر "أن قوة الحقيقة وحدها القادرة على أن تقف خلف
نتنياهو وتدعم موقفه" مع التأكيد على
حرصه على استقرار الائتلاف الحكومي، وأنه لا يسعى لإسقاط الحكومة، وهذا يشير بشكلٍ
جلّي إلى أن اليمين الصهيوني بكافة أطيافه غير معني بإسقاط الحكومة، والحديث فقط
عن استمرار قيادة نتنياهو لها أم لا؟.
إن استطلاع الرأي الذي أجرته
القناة العاشرة الصهيونية الذي أعطى الليكود من دون زعامة نتنياهو 31 مقعداً في
الكنيست، أما في حال وجوده فأعطاه 27 مقعداً، يشير إلى أن فُرَص الليكود في
الانتخابات من دون قيادة نتنياهو أفضل من فُرَصه
بحال بقائه على رأسه، وهذه ضربه لأسطورة عدم وجود بديل عن نتنياهو داخل الليكود بشكل
خاص، وداخل اليمين الإسرائيلي بشكل عام، وخاصة أن دعاية نتنياهو تستند إلى أن مَنْ
أحرز الثلاثين مقعداً لليكود في انتخابات الكنيست السابقة 2015 م، هو شخص نتنياهو العبقري، وجميعنا نتذكّر أغنية "أنت الأعظم من الجميع" للمطربة الصهيونية "سريد حداد"، وهي
تمدح نتنياهو وتُعدّد مناقبه، وهذا يتعارض مع قناعة 51% غير المقتنعين بمصداقية
رواية نتنياهو، حسب الاستطلاع.
هذا المشهد يفتح الباب أمام سيناريوهات مُتعدّدة ومُتنوّعة داخل الحلبة السياسية الصهيونية، حيث من
الاحتمالات واردة الحدوث أن يستمر نتنياهو في قيادة الحكومة في ظل التحقيقات،
وخاصة إذا طال زمن التحقيقات في القضية، كما هي العادة في مثل هذه القضايا، وأن يستنجد
نتنياهو بخبرته التي اكتسبها على مدار عقدين من الزمن في إدارة حزبه ويمنع حاجز الصمت _مثل ما وصفه الصحافي "بن
كسبيت "_ أن يسقط داخل الليكود ويحافظ على جوقة المُستفيدين من وجوده وخاصة
أن الانتهازية السياسية هي السمة الغالبة في الحياة الحزبية في "إسرائيل".
الاحتمال الثاني أن يسقط جدار
الصمت داخل الليكود وتتعالى الأصوات وتزداد القوى الضاغطة على نتنياهو لتقديم
استقالته، وخاصة إذا حدث تطوّر دراماتيكي في التحقيقات أو حتى في استطلاعات الرأي، وعندها الباحثون عن خلافة نتنياهو أمثال "جدعون ساعر" المُغيّب عن الليكود قسراً من قِبَل نتنياهو، أو
حتى وزير المواصلات "إسرائيل كاتس" المحافظ حتى الآن على دعمه الكامل
لنتنياهو، ولكن لا يُخفي رغبته بخلافته، أن يتصدّروا المشهد ويبدأون في المطالبة
بانتخابات تمهيدية مُبكِرة "برايمرز" لقيادة الحزب، ويعتلي أحدهم رئاسة
الحكومة ويحافظ على استقرارها حتى الانتخابات القادمة، وهذا ينسجم مع مصلحة أحزاب
الائتلاف الحاكم القلقة من نتائج الانتخابات المقبلة على ضوء استطلاعات الرأي الحالية.
تبقى الاحتمالات كثيرة ومفتوحة ولكن الشيء المؤكّد أن سير ومجريات
التحقيق وتطوّراته، هي العامل الأول في تحديد مستقبل ملامح المشهد السياسي الإسرائيلي,
ومصير نتنياهو السياسي بشكل خاص، والعامل الثاني، أن أحزاب ائتلاف اليمين الحاكم
لا مصلحة لها بإسقاط الحكومة أو الدعوة لانتخابات كنيست مبكرة ، وهذان الأمران يتيحان
مساحة من المناورة يمارس فيها نتنياهو فن
البقاء الذي تمرّس عليه ويُجيد قواعده باحترافية.