جمعة النفير في القدس
واكب الاستيطان الصهيوني في فلسطين منذ البداية ظاهرة التعالي القومي تجاه المواطنين المحلّيين، فساد بينهم الرأي القائل بإن "العربي يحترم الآخرين إذا فَهِم لغة واحدة هي القوة، فقد ارتبطت الصهيونية بالاستيطان باعتباره جزءاً منها، وأساساً مهماً في مشروعها"، إذ قامت على ثلاثة أسُس مُتكاملة..
وقد جسّدت الحركة الصّهيونية في فلسطين العقيدة التوراتية، عبر ممارساتها العملية باستعمارها الاستيطاني في فلسطين التّاريخية، وفق مفهوم توراتي مُلفّق يقضي بعودة الشّعب اليهودي إلى (أرض الميعاد)، فتمّ دفع اليهود على الهجرة إلى أرض فلسطين، كمهاجرين إلى (أرض إسرائيل)، وعدّوا ذلك حقاً دينياً وتاريخياً لهم، ولليوم لم تتوقّف هجرة اليهود إلى فلسطين، فمطارات الدولة العِبرية العنصرية تستقبل بشكلٍ دائم قطعان المُهاجرين اليهود من كافة أصقاع العالم وحتى من بعض الدّول العربية. واكب الاستيطان الصهيوني في فلسطين منذ البداية ظاهرة التعالي القومي تجاه المواطنين المحلّيين، فساد بينهم الرأي القائل بإن "العربي يحترم الآخرين إذا فَهِم لغة واحدة هي القوة، فقد ارتبطت الصهيونية بالاستيطان باعتباره جزءاً منها، وأساساً مهماً في مشروعها"، إذ قامت على ثلاثة أسُس مُتكاملة: - الأساس الأول: أنّ اليهود رغم انتمائهم للعديد من الدول والمجتمعات، يمثّلون قومية واحدة تتميّز بصفات عِرقية سامية. - الأساس الثّاني: أنّ علاقة اليهود مع الشعوب الأخرى تقوم على العداء والصراع، وتلخصّها ظاهرة مُعاداة السّامية. - الأساس الثّالث: أنّ المشكلة اليهودية لا يمكن حلّها إلا بإقامة دولة يهودية وأنّ هذه الدّولة تتمثّل في أرض الميعاد، والاستيطان فيها. وأساس ذلك، أنّ للشعب المختار، أرضاً مختارة، هي فلسطين؛ فالأصل في استمرار الصهيونية لا يكون إلا من خلال الاستيطان في فلسطين. وعليه فقد رسمت البرامج الاستيطانية الصّهيونية إقامة المستوطنات اليهودية على الأراضي العربية الفلسطينية، تحت تبريرات توراتية دينية وتاريخية، مفادها أن هناك حقوقاً تاريخية ودينية يهودية على أرضها، وأنّ هذه الحقوق هي التي وعد بها الرّب الشعب اليهودي المختار. وتطوّر هذا المفهوم في ما بعد، فجعل إقامة المستوطنات أداة لتعزيز أمن ( دولة إسرائيل) بعد قيامها ظلماً وعدوانا عام 1948، (حسب زعمهم). كما قامت الأيديولوجية الصهيونية في فلسفتها الخاصة على أساس نفي الآخر واقتلاعه لا التعايُش معه والقبول بوجوده، وعليه فإنّ غايتها هي: الإجلاء والإحلال، وتهجير الشعب العربي الفلسطيني بمسلميه ومسيحيّيه لتوطين هؤلاء المُهاجرين الدُخلاء مكانه ، ولهذا هبّ النّصارى مع المسلمين نصرةً للأقصى مؤخّراً، وهذا ديدنهم منذ فاتحة التاريخ، فهم يعلمون عِلم اليقين، أنّهم إن تراخوا واستكانوا فستنطبق عليهم مقولة ( أكلتُ يوم أكل الثّور الأبيض) وستكون كنيسة القيامة الهدف المقبل لليهود المُتطرّفين بعد فراغهم من الأقصى الشريف، وقد تعرّضت الكنائس للتدنيس والقصف والتخريب تماماً كمساجد المسلمين، فعلى سبيل المثال لا الحصر تم قصف كنيسة المهد إبان الحصار الأخير على الرئيس الرّاحل ياسر عرفات. ومن مدخل باب الأسباط، كانت صورة الشّاب المناضل المسيحي الفلسطيني التي تناقلتها وسائل الإعلام كافة، وهو يُصلّي بكتابه المُقدّس إلى جانب إخوته من أبناء شعبه من المسلمين في صلاتهم بجمعة النفير في مواجهة بوابات الاحتلال الإلكترونية، خير آيةٍ على توحّد المقاومة العربية الفلسطينية بمُسلميها ومسيحيّيها في وجه طوفان الحقد الأعمى الديني والعنصري لليهود العابرين. شعبٌ بمثل هذا التكاتُف والتعاضُد، والأخوّة والتسامُح، لن يُهزَم أبداً بحول الله وقوته، وسينتصر في نهاية المطاف حتى لو طال الزمن واستطال العدو، وتعدّدت الالتواءات والتعرّجات على طريق انتصاره الوطني المُضمّخ بدماءٍ عربيةٍ كريمة، سُكبت بكل جودٍ وسخاء دفاعاً عن شرفها وكرامتها، كدمِ ملك المناذرة المسيحي النّعمان بن المنذر الذي لوّن شقائق النّعمان.