الرئيسُ التركي المسكونُ بالهاجس العثماني
يقول جورج فريدمان مؤلّفُ كتاب ( الـ مئة عام القادمة – توقّعاتٌ للقرنِ الحادي
والعشرين ): "إن تركيا ستبسطُ سيطرتَها من جديدٍ على الأراضي والدولِ التي
كانت خاضعةً للدولةِ العثمانيةِ مع حلولِ عامِ ألفين وأربعين"
أما الرئيسُ التركيُ رجب طيّب أردوغان فيقولُ: نحنُ أملُ سبعةِ ملياراتِ مسلم،
ومسؤولون عن ثلاثمئةِ مليونِ تركيٍ في العالم!
كلامُ كلٍ من فريدمان وأردوغان نفسُه يؤكّدُ الطموحاتِ التركيةَ الحاليةَ ليس
في المنطقةِ وإنما في ( العالمينِ التركي والإسلامي ) كتعبيرٍ مجازي، وهو ما جعلَ الرئيسَ
أردوغان ينتقدُ معاهدةَ لوزان ويعتبرُها هزيمةً لتركيا وليست نصراً، ليعود ويؤكّدَ كلَ مطلعِ شمسٍ أن تركيا ستتدخّلُ في كلٍ من سورية والعراق ،أي
في حلب والموصل.
الرئيسُ التركي المسكونُ بالهاجس العثماني، يبدو أنه يريدُ العودةَ إلى خريطةِ
الميثاق المِللي (الوطني) التي أقرَّها البرلمانُ التركيُ الموروثُ من الدولةِ العثمانيةِ
في العام 1920 في اسطنبول، والذي وافق عليه مؤسّس جمهورية تركيا الحديثة لاحقاً مصطفى
كمال أتاتورك الذي قال في خطابٍ لمؤسّساتِ الميثاقِ الوطني Misak-ı Millî عام 1920:
" حدودُ أمّتِنا، من جنوبِ خليجِ الإسكندرونة، من أنطاكية، وجنوب جسر جرابلس
ومحطّة سكّة الحديد ، وجنوب حلب ثم تسير جنوباً مع نهر الفرات حتى تضمّ دير الزور ،
ثم تتجّه شرقاً لتضمّ الموصل ، وكركوك والسليمانية".
طبعاً لم تُسعف الظروف أتاتورك ليحقّق حلمه في رسم هذه الحدود، فقد عاجله الحلفاء
بعقد اتفاقية سيفر في العاشر من آب / أغسطس عام 1920 مع ممثلين عن الحكومة العثمانية
التي كانت تتّخذ من إسطنبول عاصمة لها، وتم في هذه المعاهدة إلغاء كافة الحقوق مع الدول
العربية في آسيا وشمال أفريقيا، وإعلان قيام دولتين جديدتين ضمن ما يُعرف بأراضي
تركيا هما أرمينيا وكردستان في المنطقة الشرقية الجنوبية من تركيا وشمالها، إضافةً
إلى سيطرة اليونان على شرق تراقيا، على الساحل الغربي للأناضول وجزر بحر إيجة المُتحكّمة
في مضيق الدردنيل.
لكنَّ كمال أتاتورك الذي كان يرأسُ الجمعية الوطنية في أنقرة ويُعارض حكومة
إسطنبول العثمانية أعلن حرب التحرير الشعبية ليسترجع من خلالها كافة الأراضي
التركية من دول الحلفاء، ويفرض معاهدة لوزان بديلاً عن معاهدة سيفر، حيث تم رسم
خريطة تركيا الحالية ما عدا لواء الإسكندرون الذي استولت عليه تركيا عام 1939 بصفقة مع فرنسا المُنتدبَة على سورية من قِبَل
عصبة الأمم .
وبذلك يكون أتاتورك تخلّى رسمياً عن وثيقة الميثاق المِللي من خلال موافقته
على معاهدة لوزان واعتبارها نصراً جرى الاحتفال به في أنقرة، ليصبح بعدها هو
الحاكم الفعلي لتركيا مُلغياً السلطنة العثمانية في السابع عشر من تشرين الثاني /
نوفمبر 1922 والخلافة الإسلامية في الثالث
من مارس / آذار عام 1924.
وهنا يحضُرُني ما قاله كمال أتاتورك لعصمت إينونو رداً على سؤال الحلفاء له
أثناء مفاوضات لوزان عن مطالب تركيا في الدول العربية ؟ فقال:
" أبلغ مندوبي الحلفاء أنه ليس لتركيا أية مطامع في مُخلّفات الإمبراطورية
العثمانية، وأن كل ما نطلبه بالنسبة إلى الدول العربية هو أن تصبح دولاً مُستقلّة،
وأن تجلو جميع القوات الأجنبية المُحتلّة عنها"
المشكلة الوحيدة التي ظلّت عالِقة بين تركيا وجيرانها بعد معاهدة لوزان
كانت مشكلة الموصل، والتي حُلّت بتوقيع تركيا على اتفاقية أنقرة في الخامس من حزيران
/ يونيو 1926 مع بريطانيا والتي نصّت على
أن تتبع ولاية الموصل للعراق، ويكون خط بروكسل هو الخط الفاصل الذي يتّفق عليه العراق
وتركيا على أن يُعطي العراق عشرة بالمئة من عائدات نفط الموصل لتركيا لمدة خمس
وعشرين سنة.
لكن مشكلة اتفاقية أنقرة، أنها احتوت على شرط تركي يقول: " بأن على العراق
أن يُحافظ على وحدته، وأن لا يسمح بإقامة دولة كردية في هذه الولاية، التي تُجيز
لتركيا إلغاء الاتفاقية والمطالبة باستعادة
الولاية !"
اليومَ تعيشُ تركيا تحت حكم حزب العدالة والتنمية ذو النزعتين العثمانية
والطورانية، والكل يتذكّر ما قاله مُنظّر الحزب أحمد داوود أوغلو عندما زار الموصل عام
2011 كوزير للخارجية بدعوة من محافظ الموصل أثيل النجيفي (في يوم
من الأيام دخل أجدادنا هذه المنطقة وهم يركبون الخيول، وسيأتي يوم نعود نحن إلى هذه
المنطقة ولكن بمعدّات حديثة )!
السؤال اليوم: هل
ستقومُ تركيا بمُغامرةٍ جديدةٍ كما تفعلُ الآن في سوريةَ في ما تُسمّيه عمليةَ (درع
الفرات )؟ هل الوضعُ في المنطقةِ يحتمل هذه الطموحات التركية؟ والعودة إلى الوراء
مئة عام؟ أليست إتفاقية1926 صنيعة الاحتلال البريطاني للعراق والمفروض أنها انتهت
برحيل الاحتلال واستقلال العراق ودخوله عضواً مؤسّساً في الأمم المتحدة؟ وهل
المنطقُ يقضي بأن يكون العراق مسؤولاً عما وقَّعت عليه دولة الاحتلال البريطاني
منذ ما يُقارب المئةَ عام؟