مَن يسمع كلام أردوغان عن سوريا يظنّ أن السلطنة العثمانية ما زالت حيّة
هل ستُشكّل حلب نهاية مرحلة وبداية أخرى في التاريخ السوري الحديث وربما في
منطقة الشرق الأوسط بأسرها؟
وهل ستُعيدنا معركة حلب التي يخوضها الجيش السوري ضدّ المنظمات الإرهابية
المدعومة من الولايات المتحدة وتركيا وبعض الدول العربية والغربية إلى معركة مرج
دابق (سيّئة الذِكر) قبل خمسمائة عام، طبعاً مع الاختلاف في النتيجة؟
الجواب: نعم، لسببين:
الأول: إن ما قام به السلطان سليم الأوّل يحاول أن يقوم به الرئيس التركي
رجب طيّب أردوغان، وليتذكّر الجميع أن الرئيس أردوغان يدعم فئةً من السوريين ليس المقصود
(طائفة) وإنما الفئة التي تُكفّر الآخر وترفض التعايُش معه (داعش .. النصرة أحرار
الشام .. الخ) على الرغم من تنوّع الشعب السوري، تماماً كما كان يفعل السلطان سليم.
الثاني: إن أردوغان عندما دخل سوريا تحت مُسمّى (درع الفرات) دخل في الرابع
والعشرين من آب 2016 أي في اليوم نفسه الذي غزا فيه السلطان سليم سوريا ليدوم
الاحتلال العثماني / 400 / سنة عاش خلالها السوريون والعرب أسوأ سنوات التخلّف
والانحطاط والبُعد عن الحضارة.
والسؤال الآن؟ هل كان أردوغان
بعيداً عن تفكير السلطان سليم وأهدافه؟ ألم
يكن السلطان سليم دموياً مع مُعارضيه كما هو حال أردوغان اليوم؟ ألم يقم بنصَب الخوازيق وتعليق المشانق وقطع رؤوس
مُعارضيه، وكل مَن وقف في وجهه كما فعل بالملك قانصوه الغوري وغيره من السوريين؟
وهنا لا بدّ لنا من أن نستذكر ما جاء في تصريحات أردوغان الأخيرة أمام
المجتمعين في ندوة - كان يُعتقد أنها مُكرّسة للقدس وتحرير فلسطين - لكن الذي حدث أن
الندوة تحوّلت إلى (اجتماع إخواني) ضدّ سوريا ورئيسها، وهو ما نطق به أردوغان نفسه
عندما قال: "إن الهدف من عملية درع الفرات هو إنهاء حكم الطاغية بشّار الأسد
وإعطاء الأراضي لأصحابها الحقيقيين"، وكأن الرئيس بشّار الأسد وكل السوريين
الذين يقاتلون معه ليسوا هم أصحاب الأرض الحقيقيين.
وعلى الرغم من تراجع أردوغان بعَظمَة لسانه تحت الضغط الروسي إلا أن ما
قاله يدلّ على أن العقلية العثمانية هي التي تحكم تصرّفات (الرئيس العتيد).
والسؤال .. ألم يقرأ أردوغان التاريخ جيّداً، صحيح أن الملك قانصوه الغوري
لم يستطع أن يدافع عن سوريا وحلب، ربما لأسبابٍ لا نعرفها، وربما بسبب خيانة والي
حلب خائر بك وبعض عملاء السلطان العثماني الآخرين، لكن هل يمكن نسيان ما قام به سيف
الدولة الحمداني من دحرٍ لجيش الإمبراطور البيزنطي برزوس فوكاس سنة 953 م الذي قذف
إلى ميدان حلب جيشاً عظيماً، لكن سيف الدولة هزمه هزيمة شنعاء قرب مرعش.
ومثل هذا النصر تكرّر على يد سيف الدولة مرة ثانية سنة 964م على القائد
البيزنطي نقفور الذي استطاع أن يحتلّ حلب لمدة سنتين.
مَن يسمع كلام الرئيس التركي عن المدن السورية يظنّ أن السلطنة العثمانية
ما زالت حيّة تُرزَق فكما تكلّم عن حماة وحمص ودمشق وغيرها من المدن السورية ها هو
يتكلّم عن حلب .. اسمعوا ماذا قال (السلطان الجديد) عن حلب في اجتماع جمعه مع
المخاتير في الخامس والعشرين من شهر تشرين الأول / أوكتوبر الماضي: " آه يا حلب...
يا روحي يا حلب .. حبيبتي يا حلب "، مُصاحباً ذلك بتنهّداتٍ وآهاتٍ ليقول: "
إننا سنُعيد بناء المدينة بعد وقف النار"، وكان أردوغان وصف في وقت سابق حلب
بأنها درّة التاج العثماني
كلام أردوغان عن حلب يكشف الأطماع التركية في سوريا ويعود بنا إلى ما قبل معاهدة
لوزان وتحديداً إلى (الميثاق المِلَلي) الذي أقرّه مجلس المبعوثان العثماني سنة
1920، وللعِلم فإن حدود الميثاق المِلَلي الذي يتحسّر عليه أردوغان، كان يضمّ شمال
سوريا وحلب وشمال العراق والموصل، لكن تركيا تخلّت عن هذا الميثاق لفرنسا عام 1921،
وانكلترا عام 1926. وأصبحت معاهدة لوزان 1923 هي التي ترسم خريطة تركيا الحالية ما
عدا لواء الإسكندرون الذي أخذته تركيا بصفقة مع المُحتلّ الفرنسي عام 1939.
الرئيس التركي كان انتقد الاتفاقية في نهاية أيلول / سبتمبر الماضي وقال: "
إن خصوم تركيا أجبروها على توقيع معاهدة سيفر عام 1920 وتوقيع معاهدة لوزان 1923، وبسبب
ذلك تخلّت تركيا لليونان عن جُزرٍ في بحر إيجه، على الرغم من أن الصرخة من هناك تُسمَع
من على الشواطئ القريبة جداً من الساحل التركي، هناك توجد مساجدنا ومُقدّساتنا ،هذه
المشكلة ظهرت بسبب الذين جلسوا خلف طاولة المفاوضات في لوزان، ولم يتمكّنوا من الدفاع
عن حقوقنا".
وهنا لا بدّ من التوقّف عند حديث الرئيس السوري بشّار الأسد الأخير لصحيفة
الوطن السورية الذي قال فيه: " إن التطوّرات في حلب ستُغيّر مجرى المعركة في كل
سوريا "، مُضيفاً أن " الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان وضع كل رِهانه على
حلب".
ولم يكن تراجع الرئيس التركي عن تصريحاته السابقة بشأن رحيل الرئيس السوري بشّار
الأسد إلا دليلاً على ضعفه الداخلي والخارجي، وليس تخلّياً عن حلمه العثماني، لكنه
بعد الانقلاب الفاشل في تموز الماضي وجد نفسه وحيداً لا الاتحاد الأوربي وقف إلى
جانبه، ولا أمريكا استنكرت لا بل حسب قوله إنها كانت مُتآمرة عليه مع فتح الله
غولن للإطاحة به وقتله، ولم يجد نصيراً له إلا عدّوه القديم بوتين ليكون المُنقذ.
تراجع (السلطان أردوغان) أمام (القيصر بوتين) ولو بشكلٍ جزئي، ربما هو ما
سرّع انتصار حلب فالدعم الأكبر الذي يحصل عليه الإرهابيون لم يكن ليحصل لولا
أردوغان، ولكن كلام وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عن وجود علاقة ما بين
استرجاع حلب وعودة داعش إلى تدمر يطرح أسئلة كثيرة عن علاقة تركيا وغيرها من دول
التحالف الدولي المزعوم ضدّ الإرهاب مع داعش في منطقتي الموصل والباب، ما يؤمّن
لهذه العصابات التسليح والتمويل وتجارة النفط، وبالتالي التمدّد في دول كسوريا
والعراق.