في دهاليز "العروس الكاذبة" التي كسرت المقاومة جدارها
كسرت معركة "سيف القدس" جدار التّطبيع، ودفنت ادعاءات الصّهاينة بأنَّ التّطبيع معهم سيقود إلى هذه الحياة الورديَّة، وأظهرت للعالم أجمع شكل الدول المطبّعة المحرَجة التي تسمّرت مترقّبة ما سيؤول إليه مصيرها.
لم تتمكّن "إسرائيل" التي تسعى حافية لتحقيق "اندماجها" في منطقة الشرق الأوسط من التقاط أنفاسها، فبعد فشلها خلال 4 جولات انتخابية متتالية في حل المأزق في الكنيست لمدة عامين، بالتزامن مع مرور أقل من عام على تطبيع 4 دول عربية معها، كان الرأي الإسرائيلي يؤكّد أنَّ "من الضروري توفر استقرار سياسي في إسرائيل، لأن غياب معالم هذا الاستقرار يدفع حلفاءنا الجدد (المطبعين) إلى الشعور بالقلق"، فهم يريدون أن يروا ما ستكون عليه أجندة الحكومة الإسرائيلية الجديدة.
هكذا، ظنّ الإسرائيليون أن الحسم في الانتخابات وتشكيل الحكومة سيؤمن لهم سبلاً لتوطيد العلاقات أكثر مع الدول المطبعة معهم، وسيحققون "إنجازات دبلوماسية" واسعة النطاق في إقدام المزيد من الدول العربية على إخراج علاقاتها مع "إسرائيل" من السرّ إلى العلن، وبالتالي تصبح "إسرائيل" "العروس المسالمة" التي هي "الأمر الواقع والجزء الأساسي من المنطقة الذي لا يمكن تجاهله ولا إغفاله".
مخطّط التوغّل برفق الذي رسمته "إسرائيل"؛ هذا التوغل الناعم بكل مفاصله، حتى الثقافية والفنية والرياضية، وما يحدث في دهاليز العمل السياسي والعسكري والمالي واللوجستي بين الصهاينة ودول ارتضت التخلّي عن القضية الفلسطينية، أعطى "إسرائيل" شعوراً بالنشوة "الزائفة" التي سرعان ما بددتها صواريخ "سيف القدس"؛ فبعد أن شكلت "إسرائيل" حكومتها الجديدة "الهشة" - بعد معركة "سيف القدس" - وجدت أنّ حلفاءها من الدول المطبعة عالقون بين طرفي كماشة:
- انتفاضة غير مسبوقة في فلسطين في وجه آلة الحرب والتّنكيل الإسرائيليّة، وخصوصاً في القدس، وما حصل من تضامن شعبي مدوٍّ مع فلسطين، حتى بدأت أصوات من داخل الدول المطبعة تطالب حكامها بالتراجع عن التطبيع.
- وحشية الاحتلال التي كانت واضحة مثل عين الشمس، وبالتالي كشْف زيف ادعاءات هذه الدول بحججها الواهية التي ساقتها بأنها طبَّعت علاقاتها مع الاحتلال الإسرائيلي، لأنها تريد سلاماً في المنطقة.
التعاطف الشعبي الكبير على الصعيد العربي ودولي إزاء ما يحدث في فلسطين، كان يعني أن أيّ انحياز إلى "إسرائيل" يعني حتماً سقوط شعبية هذه الدول على مستوى الوطن العربي، ما اضطر الأنظمة المطبعة إلى التزام الصّمت في البداية، ولكن مع تطورات الحالة الميدانية، وقصف منازل الآمنين، وسقوط الشهداء الفلسطينيين، ومشاهد جثث الأطفال، وفعل المقاومة الجريء والمدروس والحكيم في الردّ والتوقيت، حدث تغير نسبي في الرأي العام العالمي لمصلحة القضية الفلسطينية وقلب الموازين ووضع الدول المطبّعة في موقف مقيت ومحرج، ما دفع مثلاً شخصية مثل زوجة حاكم الشارقة، جواهر بنت محمد القاسمي، إلى دعوة المسلمين إلى تحمُّل مسؤوليتهم تجاه المسجد الأقصى، معتبرةً أنه "ليس مُلكاً لقائد ولا لحاكم ولا لملك. المسجد الأقصى ليس مسؤولية إخواننا الأحرار في فلسطين فقط. هذا مسجد المسلمين جميعاً".
في المقابل، ألقت أصوات أخرى اللوم على "حماس في جرّ السّاحة الفلسطينيّة إلى الحرب، والتسبّب بقتل المدنيين الفلسطينيين عبر مهاجمة إسرائيل"، لكن أين التطبيع الذي سيجلب السلام إلى المنطقة؟ أين التطبيع الذي سيحقّق مكاسب استراتيجية من خلال توقيع اتفاقيات مع المحتلّين الصّهاينة؟ وأين الشّعوب العربية التي سمح المطبّعون لنفسهم بالحديث نيابة عنها، والقول إنها تريد أماناً بالشراكة مع "إسرائيل" ضدّ الخطّ الإيراني؟ أليست هي نفسها الشعوب التي صدحت أصواتها - خلال الحرب الأخيرة على غزة - مطالبةً حكامها بالتراجع عن اتفاقيات التطبيع؟
تقول تمارا كوفمان ويتس، المسؤولة السابقة في وزارة الخارجيّة الأميركيّة، والتي تعمل الآن في معهد "بروكينغز"، إنَّ "الخطر الآن يتمثّل بأنَّ الدول العربية التي طبّعت مع إسرائيل اشترت هذه الفوضى، وعليها الآن التعايش معها"، فيما أكّد الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمنية في الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل - عقب معركة "سيف القدس" - أن قيام بعض الدول العربية بتطبيع العلاقات مع "إسرائيل" أضرَّ بالقضية الفلسطينية.
نعم، لقد كسرت معركة "سيف القدس" جدار التّطبيع، ودفنت ادعاءات الصّهاينة بأنَّ التّطبيع معهم سيقود إلى هذه الحياة الورديَّة، وأظهرت للعالم أجمع شكل الدول المطبّعة المحرَجة التي تسمّرت مترقّبة ما سيؤول إليه مصيرها.