من أم عطا إلى رياض محرز: نعم.. هكذا تؤكل الكتف!
أيقظ مقطع فيديو يظهر بطلاً عربياً مخلصاً للقدس وفلسطين مشاعر الانتماء والولاء، ووجَّه البوصلة إلى اتجاهها، حيث يجب أن تكون، لتكون القدس أقرب، كما لم تكن من قبل.
خلال اليومين الماضيين، اكتسح مواقع التواصل الاجتماعي في الجزائر، وعلى الأغلب في كل المنطقة العربية، مقطع فيديو يظهر فيه الزميل في قناة الميادين، أحمد شلدان، وهو يسأل طفلاً: ماذا تقول للاحتلال الإسرائيلي؟ فيجيبه ببراءة وقوة: "ينعل أبوهم كلهم".
قد يحاجج بعض المتفيقهين أن هذا الكلام الصادر عن طفل لم يكن ينبغي أن ينال كل هذا الاحتفاء والشهرة بين الشعوب العربية، وقد يسوقون في هذا الإطار نظريات سوسيولوجية قيمية ما أنزل الله بها من سلطان، وقد يطل شيوخ البلاط الذين باعوا دينهم وعرضهم وشرفهم، على شاكلة وسيم يوسف، ليسوقوا الأحاديث والمواعظ التي تحرم شتم القتلة والمجرمين الصهاينة.
نسوق قصة الطفل/الرجل/البطل الغزاوي للحديث عن ملمح آخر من ملامح ملحمة فلسطين الباسلة، وهو ملمح لا يقل أهمية وخطورة عن جوانب سياسية ودبلوماسية وسيكولوجية وثقافية وفكرية وعقائدية وفلسفية لمعركة "سيف القدس".
في العام الماضي (خلال شهر رمضان)، خاضت "الميادين"، ومعها إعلام المقاومة، معركة شرسة وضارية في وجه ماكينة التطبيع والخيانة والإعلامية والدرامية، حين أطلقت شبكة "الميادين" شعار "أم عطا حارسة الأرض"، في وجه سارقة الأرض والعرض أم هارون. ورغم قلة إمكانيات إعلام المقاومة، فإنه يقاوم وينتصر، شأنه شأن كل من كان الحق سلاحه. وقد انتصرت أم عطا وحنظلة على كل مشاريع الأسرلة الدرامية والثقافية والنفسية.
في رمضان الماضي، تجددت المعركة، هذه المرة بشكل أشرس وأصعب وأخطر، وذلك حين اعتقد الكيان الصهيوني واهماً أن حالة التشظي والتشرذم التي وصلت إليها المنطقة العربيّة تسمح له بالاستفراد بالقدس والمقدسيين لتمرير آخر مراحل تهويد المدينة المقدسة، لكن الله تعالى أراد غير ذلك. وبفضل سواعد رجال المقاومة، كل المقاومة، من طفل غزة البطل وشبابها، وابتسامة النصر في القدس، مروراً بقوافل من المجاهدين والمقاومين، كلّ في ساحته وميدانه، أرسيت معادلة أخرى، لكن ثمة ساحة بعينها ربما تستحقّ، بعد أن هدأت هدير صواريخ غزة إلى حين، أن نتوقّف عندها بالتأمل، على الأقل في هذه المرحلة، لاستخلاص الدروس والعبر لاحقاً.
على ديدن حنظلة وأم عطا وطفل غزة البطل، صنع بطل عربي آخر هذه الأيام، وعلى طريقته وفي ساحته، ملحمته الخاصة، وذلك حين نقل القضية الفلسطينية والحق الفلسطيني إلى شاشات وصفحات لم تكن معنية إطلاقاً بمعركة "سيف القدس".
ذروة هذه الملحمة تجلَّت حين اتّشح النجم الجزائري وبطل أفريقيا وأحد أبرز اللاعبين في العالم حالياً، رياض محرز، بالعلمين الفلسطيني والجزائري، وذلك أثناء احتفاله بفوز فريقه مانشستر سيتي بالدوري الإنجليزي الممتاز.
من يمتلك الحد الأدنى من المعلومات عن الاقتصاد ونسب مشاهدة دوريات كرة القدم في العالم، يدرك أن الدوري الإنكليزي الممتاز يتصدر عرش جميع المنافسات والدوريات. وبحسب بعض الإحصائيات، يفوق عدد مشاهدي بعض مباريات الدوري الإنجليزي مليار مشاهد، فما بالك إن كنا نتحدث عن الفريق الفائز بلقب الدوري!
واليوم، بعد أن أطلّ محرز، وهو الذي يحظى بشعبية كاسحة في أغلب دول العالم، رافعاً العلم الفلسطيني، ومتجولاً به في الملعب أمام مئات الملايين من المشاهدين حول العالم، ماذا سيقول صنّاع مسلسل أم هارون، وهم الذين ضخّوا مئات الملايين من الدولارات لتصفية القضية الفلسطينية في وجدان الشباب العربي، ثم جاء فيديو البطل رياض محرز ونسف مخططاتهم ومشاريعهم، وبعث الحلم الفلسطيني في نفوس ملايين الشباب العربي ودول العالم!
برز احتفاء فلسطيني وجزائري وعربي غير مسبوق بصاروخ محرز الذي دكَّ به قصور المطبعين والمتآمرين، وانطلقت آلاف التغريدات بعد لحظات من انتشار الفيديو الذي يظهر رفعه العلم الفلسطيني في سماء إنجلترا التي انطلق منها وعد "بلفور" المشؤوم، وكان لسان حاله يقول: "سنرجع يوماً.. خبرتني فيروز والعندليب".
معركة أم عطا، وصرخة طفل غزة، وخطوة محرز، تمثل جميعاً جانباً مهماً وأصيلاً في مسيرة التحرير، لأنَّ النصر يبدأ أولاً بالإيمان الصّلب بالقضيّة. وقد أيقظ مقطع فيديو يظهر بطلاً عربياً مخلصاً للقدس وفلسطين مشاعر الانتماء والولاء، ووجَّه البوصلة إلى اتجاهها، حيث يجب أن تكون، لتكون القدس أقرب، كما لم تكن من قبل.