هل ينبغي أن تبدأ الآن ببناء علامتك الشّخصيّة والتّسويق لنفسك؟
العلامة التجارية الشخصية أو التسويق الذاتي لم يعد ترفاً أو حكراً على أصحاب المصالح والشركات، بل أضحى أمراً ضرورياً وأساسياً لنجاح الأفراد.
أرادت إحدى الصّحافيات الواعدات أن تجري مقابلةً مع روبرت كيوساكي، مؤلف كتاب "الأب الغني والأب الفقير"، والذي حصد شهرة واسعة النطاق بعد كتابه المثير الذي أصبح أكثر الكتب مبيعاً على مستوى العالم. أثناء لقائهما، أعربت الصحافية عن إعجابها بأسلوب الكاتب ومضمون كتابه، وطلبت منه نصيحةً لتصبح كاتبةً ناجحةً مثله، لكنّها صعقت بإجابته: "عليكِ أن تدرسي التسويق في الجامعة".
لم تخفِ انزعاجها من إجابته، وقالت له بعصبية: "لدي شهادة في الأدب الإنجليزي، وأعمل في الصّحافة منذ عدة سنوات، فلماذا تهينني؟". أجابها: "على العكس تماماً. أنا معجب بأسلوبك وثقافتك، لكنك أردتِ أن تكوني مثلي. لست أفضل كاتب، ومضمون كتابي ليس أعظم مضمون. كتابي هو الأكثر مبيعاً، لأني أتقن التسويق وأحترف البيع".
ما قاله كوازاكي هو الحقيقة الَّتي يتغافل عن أهميتها معظم الناس، فأعظم كاتب وأهم طبيبٍ وأفضل مهندسٍ لن ينجح ويذيع صيته إن لم يحسن الترويج لنفسه وتسويق عمله بشكل مقنعٍ للجمهور.
يُحكى أنَّ محامياً استثنائياً كان يحفظ القوانين عن ظهر قلب، ويتذكَّر الاجتهادات والقضايا مهما طال عليها الزمن، لكنه كان خجولاً، ولم يكن يهتمّ بمظهره. كان يقضي وقته في المكتبات بين الكتب، متجنّباً الاجتماعات والنقاشات. لم يكتب النّجاح لهذا المحامي، وبقي علمه أسير ذاته، وظلَّ ذكاؤه طيّ الكتمان، فعاش حياته فقيراً ووحيداً، لأنه لم يحسن إظهار موهبته وقدراته للناس.
العلامة التجارية الشخصية أو التسويق الذاتي لم يعد ترفاً أو حكراً على أصحاب المصالح والشركات، بل أضحى أمراً ضرورياً وأساسياً لنجاح الأفراد، بمن فيهم الموظفون داخل المؤسسات، فكيف يمكن لأرباب العمل وزملاء المهنة أن يدركوا مهارات الموظّف المتنوّعة ما لم يبرزها ويجِد عرضها للمؤثرين من حوله؟
سامي شاب درس المحاسبة في الجامعة، ولم يجد فرصة عمل بعد تخرجه، فاستمر بالعمل الذي بدأه في سنته الجامعية الأولى: نادلٌ في أحد المطاعم. يعرّف نفسه في وسائل التواصل الاجتماعي بأنه يعمل في مطعم من دون أن يذكر شهادته في المحاسبة، ويتابع الدورات وورش العمل المتخصّصة في عالم الفندقية.
مضى 6 سنوات على تخرّجه، وما زال نادلاً، ولم يصبح محاسباً، وربما لن يصبح يوماً ما. سامي يرى أنَّ القدر لم ينصف أصحاب الشهادات، وأنَّ الواسطة وحدها سرّ النجاح، لكن أليس سامي مقصّراً ومتقاعساً في إبراز مهاراته والتّسويق لنفسه ليستحقّ بجدارة وظيفة محاسب، فهو لم يذكر، ولو لمرة واحدة، لمدير مطعمه، أنه حاز شهادة المحاسبة، ولم يتقدّم بطلبات وظيفة كمحاسب سوى مرة واحدة، فكيف يمكن أن تأتيه الفرصة إن لم يطرق بابها؟
تشير دراسة نُشِرّت في موقع "بيت.كوم" إلى أن 90% من المهنيين يقومون بالبحث في صفحات الأشخاص الذين يلتقونهم أو سيلتقونهم، سواء في مقابلات التوظيف أو اجتماعات العمل. لذا، لا يمكن الاستهانة بتحديث الحسابات الشخصية في وسائل التواصل الاجتماعي وتفعيلها، لتبرز مهارات الشخص وكفاءاته من دون مبالغة وابتذال. ويرى الكاتب ورائد الأعمال غاري فاينرتشوك أن "علامتك التجارية الشخصية هي سمعتك، وسمعتك هي أساس حياتك المهنية".
كيف نسوّق لذاتنا بشكل محترف؟
بدايةً، علينا أن نحدّد السمات والمهارات الّتي نتميّز بها لنقوم بإبرازها بالاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي، وهي فرصة لنقيّم نقاط القوة والضعف لدينا، فنعمد إلى تعزيز مكامن القوة وتطوير المهارات الضعيفة، فالتميّز يكمن في دمج المهارات المختلفة، ونحن غالباً ما نقع في فخ تسليط الضوء على مهارة معينة تتعلق بمهنتنا دون سواها، ولكن الإبداع يكمن في تنوع المهارات، ولو كانت تبدو غير متجانسة شكلياً، فما من مهارة لا يمكننا توظيفها في مسارنا المهني، وبالتالي يجب تسويقها بطريقة ما. وخير دليلٍ على ذلك ما فعله الكاتب كوازاكي حين أجاد توظيف مهارة البيع لتسويق كتابه "الأب الغني والأب الفقير".
قم بعملك على أكمل وجه. ثمة مثل قديم يتناقله أجدادنا: "أتقن عملك، ولو كنت تعمل بالسخرة". في عالم متسارع ومترابط، كلّ ما تفعله سينعكس عليك، فإن كان أداؤك في عمل ما سيئاً فسيظهر، وقد لا تفلح في إخفائه.
لذا، لا تتهاون في إنجاز كلّ ما تقوم به بشكل محترف يليق بأن يوسم باسمك، فذلك سيصبّ في مصلحة سمعتك المهنية. إنَّ بناء العلامة الشخصية جهد تراكميّ ومستدام، فكل عمل، مهما صغر، قد يؤذي صورتك أمام جمهورك، من مهنيين ومؤسّسات وأفراد عاديين.
احرص على المشاركة في الندوات والمؤتمرات، وطوّر مهاراتك من خلال ورش العمل. في عصرنا الحالي، وفي ظلّ جائحة كورونا، أصبحت التدريبات والندوات متاحة رقمياً، ولم تعد تحتاج إلى السفر وتحمل أعباء باهظة للمشاركة فيها، فمعظمها مجانيّ ومتاح أمام الجميع. شارك بفعاليّة، ولا تتوانَ عن إظهار ذلك في حساباتك الشخصية في وسائل التواصل الاجتماعي.
وأخيراً، كن نفسك. لا تدّعِ ما لست ملمّاً به ومتمكّناً منه، ولا تبالغ في التسويق لذاتك بشكل منفر ومصطنع، واحذر التعبير بشكل سلبي والردود المسيئة، فكلّ ما تنشره في وسائل التواصل سيلاحقك، وقد يدمّر كلّ ما بنيته من سمعة شخصيّة.