ما هو مسار اللقاحات الصينيّة في الشرق الأوسط؟
أدت السياسة دوراً في عملية اختيار اللقاحات، فهناك دول حليفة للولايات المتحدة الأميركية فضلت الحفاظ على علاقتها بواشنطن والابتعاد عن الدول المعادية لها، بينما أرادت دول أخرى إرضاء جميع الأطراف حفاظاً على مصالحها.
في خضم الصراع المحموم بين الدول الكبرى لإنتاج لقاحات لفيروس كورونا المستجدّ وتوزيعها على مختلف دول العالم، برزت الصين كلاعب أساسي عبر مشاركتها بعدة لقاحات، فقد أجازت الحكومة الصينية استخدام لقاح "سينوفارم"، كما سمحت باستخدام لقاح "كورونافاك" الذي طوّرته شركة "سينوفاك" للاستخدام الطارئ، إضافةً إلى اللقاح الذي أنتجته شركة "كانسينو بيولوجيكس" واستخدم ضمن صفوف الجيش الصّيني، ووزعت هذه اللقاحات على مختلف دول العالم.
عقب الإعلان عن البدء بإنتاج اللقاحات، سارعت دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، على غرار دول العالم، إلى إبرام اتفاقيات مع مختلف شركات الأدوية العالمية والتواصل مع منظمة الصحة العالمية للحصول على اللقاحات عبر منصة "كوفاكس". ويوجد حالياً 6 لقاحات متداولة في المنطقة: "فايزر/بيونتيك"، "موديرنا"، "أكسفورد/أسترازينيكا"، "سبوتنك في"، "سينوفارم"، و"سينوفاك".
وقد عمدت حكومات الدول في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى تنويع شراء اللقاحات من الشرق والغرب، وبعضها اكتفى فقط بلقاح من الغرب. من هذه الدول مثلاً قطر التي وقعت اتفاقيات مع شركتي "موديرنا" الأميركية و"فايزر/بيونتيك"، وعُمان والكويت اللتان اعتمدتا لقاح "فايزر/ بيونتيك"، وبعض الحكومات اعتمدت على اللقاحات الأميركية والصينية والروسية كي تحافظ على علاقاتها بهذه الدول.
بمعنى آخر، أدت السياسة دوراً في عملية اختيار اللقاحات، فهناك دول حليفة للولايات المتحدة الأميركية فضلت الحفاظ على علاقتها بواشنطن والابتعاد عن الدول المعادية لها، بينما أرادت دول أخرى إرضاء جميع الأطراف حفاظاً على مصالحها.
بشكل عام، أدت العديد من العوامل دوراً في عملية اختيار اللقاحات الصينية من قبل حكومات دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، منها مثلاً عوامل تتعلق بالسعر ومتطلبات التخزين، فلقاح "فايزر" يجب أن يخزن عند درجة حرارة 70 تحت الصفر، ولقاح "مودرنا" يخزن عند درجة حرارة 20 تحت الصفر، بينما لا تتطلب أغلب اللقاحات الصينية درجة حرارة منخفضة جداً لتخزينها، ما يجعل عملية نقلها وتوزيعها أسهل، وخصوصاً في البلدان التي تفتقر إلى قدرات التخزين المتطورة في درجات منخفضة للغاية، ويتطلب لقاح "سينوفارم" درجة حرارة تتراوح بين 2 و8 درجات مئوية.
من جهة أخرى، أرادت بعض الدول الحفاظ على علاقاتها مع الصين التي تعتبر الشريك التجاري الأول لأغلب دول المنطقة وتعوّل عليها لإنعاش اقتصادها، وهناك دول على خلاف مع الولايات المتحدة الأميركية. لذلك، ابتعدت عن لقاحاتها لصالح لقاحات الدول الحليفة.
وفي إطار آخر، أثبت فيروس كورونا المستجدّ أن الصين كانت أكثر نشاطاً وتعاوناً مع بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عبر تزويدها بالمعدات الطبية والخبراء لمكافحة الفيروس، بينما كانت الولايات المتحدة تتخبط في مشاكلها السياسية والصحية. علاوة على ذلك، تسعى بعض الدول إلى أن تكون مركزاً لإنتاج اللقاحات الصينية وتوزيعها، فالإمارات العربية المتحدة أعلنت أنها تعتزم تصنيع لقاح "سينوفارم"، كما تسعى مصر إلى تصنيع اللقاح نفسه.
وقد أجازت السعودية استخدام لقاح "فايزر/بيونتيك" الذي بدأت تطعيم سكانها به، كما وافقت على استخدام لقاحي "أسترازينيكا" و"موديرنا". وفي ما يتعلّق باللقاحات الصّينية، وُقعت اتفاقية بين السعودية وشركة "سينوفاك بيوتيك" التي أجرت تجارب المرحلة السريرية فيها، كما وقعت اتفاقية أخرى مع شركة "كانسينو بيولوجيكس"، وما زالت المحادثات جارية بين الدولتين للحصول على اللقاحات الصينية. واعتُمد لقاح "سينوفارم" الصيني في العراق والبحرين والأردن، إضافة إلى لقاحات أخرى.
أما في شمال أفريقيا، فقد أعلنت مصر أنها ستعتمد 3 لقاحات، وهي "سينوفارم" الذي بدأت حملات التطعيم به، إضافة إلى لقاحي "سبوتنيك" و"أسترازينيكا". ويعد المغرب أيضاً على قائمة الدول التي أجازت استخدام اللقاح الصيني "سينوفارم". في المقابل، لم تتسلم تونس والجزائر بعد أي كمية من شحنات اللقاحات، وكانت الجزائر قد أعلنت أنها وافقت على عدة لقاحات، من بينها لقاح صيني.
أما التعاون الأبرز في مجال اللقاحات، فقد كان بين الصين والإمارات العربية المتحدة التي أصبحت أول دولة تقدم لقاح "سينوفارم" الصيني مجاناً لمواطنيها، وعلى كل أراضي الإمارات، بينما يتوفر لقاح "فايزر" في إمارة دبي فقط. وكان عدد من كبار مسؤولي الإمارات قد تلقوا لقاح "سينوفارم"، وأبرزهم الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم. أما لبنان الذي يتخبط في أسوأ أزمة اقتصادية، ويشهد نسبة إصابات ووفيات عالية بسبب كورونا، فيفاوض الإمارات للحصول على لقاح "سينوفارم"، إلى جانب حصوله على لقاح "فايزر" عبر منصة "كوفاكس".
إلى جانب هذه الدول، أجازت تركيا استخدام لقاح "سينوفاك" الصيني، وانتشرت عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي صورة للرئيس التركي رجب طيب إردوغان خلال تلقيه اللقاح الصيني، في محاولة لتشجيع السكان على تلقي اللقاح.
أما إيران التي تجري التجارب السريرية على لقاح محلي طوّرته، فقد أفاد وزير خارجيتها محمد جواد ظريف بأن بلاده اعتمدت وسجّلت اللقاح الروسي "سبوتنيك في". وكانت قد أعلنت سابقاً أنها لن تشتري اللقاحات من الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا، بل ستعتمد على لقاحات روسيا والصين والهند.
وبناءً على ما تقدم، نلاحظ أن أغلب دول المنطقة اعتمدت على اللقاحات الصينية والأميركية، في محاولة منها للعودة إلى الحياة الطبيعية التي تتطلّب تطعيم أوسع شريحة لضمان المناعة ضد الفيروس. ولا يخفى على أحد شكوك مواطني المنطقة وترددهم بشأن تأثير اللقاحات في الصحة العامة وتخوفهم منها، ولا سيما بعد حصول ردود فعل خطيرة ووفيات بعد تلقيها. لذلك، كانت نسبة إقبال المواطنين على اللقاحات ضعيفة في بعض دول المنطقة التي بدأت حملات التطعيم، والتي رافقتها حملات توعية بأهمية اللقاح وقيام مسؤولي الدول بأخذ اللقاحات لتشجيع المواطنين على الإقدام على هذه الخطوة، إضافة إلى اتخاذ بعض الإجراءات لتشجيع السكان على ذلك، كما فعلت المطاعم في دبي، التي قررت تقديم حسومات للأشخاص الذين تلقوا لقاحات فيروس كورونا المستجدّ.
يعتقد البعض أن الصين تسعى من خلال اللقاحات إلى تحسين صورتها بعد اتهامها بنشر الفيروس والتأخر بتزويد منظمة الصحة العالمية بمعلومات حوله، وهناك من يرى أنها تسعى إلى زيادة نفوذها في المنطقة، كما تركّز على البلدان التي تمثّل مصلحة استراتيجية لها أو تشكّل جزءاً من مبادرة "الحزام والطريق"، ففي تقرير نشر في موقع "المونيتور" تحت عنوان "الصين تتطلّع إلى تعزيز مصالحها الخليجية بدبلوماسية اللقاح"، أكد الموقع أن بكين تسعى إلى توظيف دبلوماسية اللقاح لتعزيز نفوذها الدولي، بما يشمل دول الشرق الأوسط.
ترتبط الصين مع دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بعلاقات اقتصادية متينة، إذ تعتبر الشريك التجاري الأول لأغلب دول المنطقة التي تؤدي دوراً مهماً في مبادرة "الحزام والطريق" الصينية، وتشكل نصف احتياجات الصين من النفط. وتعوّل دول المنطقة على بكين لإنعاش اقتصادها الذي دمّره انتشار فيروس كورونا المستجدّ. في المقابل، تسعى بعض هذه الدول، ولا سيما دول مجلس التعاون الخليجي، إلى الحفاظ على علاقاتها مع الولايات المتحدة الأميركية التي تضغط عليها لفكّ ارتباطها مع الصين.
يتزايد حالياً استياء دول الاتحاد الأوروبي من الإعلانات المتكررة عن تأخير تسليم الجرعات اللقاحية من قبل شركتي "فايزر/بيونتيك" و"إسترازينيكا"، كما أن الكميات التي ستسلم ستكون أقلّ مما تم الاتفاق عليه. هذا الاستياء دفع إيطاليا إلى التهديد باتخاذ إجراءات قانونية ضد الشركتين. ولم تسلم دول الشرق الأوسط من التأخير في تسلّم شحنات لقاح "فايزر"، فقد أعلنت كل من السعودية والإمارات العربية المتحدة عن إعادة جدولة الحصول على الجرعات بسبب التباطؤ في تسليمها.
كما تخلّفت الشركتان عن تسليم اللقاحات في الموعد المتفق عليه مع البحرين والمغرب، فهل يمهّد التأخير في تسليم اللقاحات والنقص في الإمدادات إلى زيادة الطلب على اللقاحات الصينية، في الوقت الذي تشهد المنطقة والعالم زيادة في أعداد المصابين والوفيات، وظهور سلالة جديدة من الفيروس أسرع انتشاراً وأكثر خطورة من السلالة الأولى، واللجوء مجدداً إلى الإغلاق الشامل؟