من حقّنا أن نخالف مساراتكم وتوجّهاتكم!

تعيش فلسطين يومياً محرقة أكبر مما يدعيه الصهاينة عن محرقتهم النازية، فهم أعتى من هتلر وآلته العسكرية، والقتل بعد طبيعي في تركيبة شخصيتهم، تؤكده جيناتهم البشرية منذ القديم.

  • من حقّنا أن نخالف مساراتكم وتوجّهاتكم!
    لن نقبل بالصّهاينة والمتصهينين بيننا، لأنّهم ليسوا من مجتمعنا الَّذي قاوم المستعمر.

يحاول البعض إقناعك بأمر ما بمسوّغات مختلفة، قد تبدو منطقية في بنائها الكلامي، وتشدّك للوهلة الأولى إلى معمارها اللغوي، ظناً أنها تحمل كلاماً منطقياً يبرر مساقاتها التي تحمل في عمقها مصالح خاصة ومنافع فردية أو طبقية أو جماعاتية، لا تعود على العموم بعوائد وفوائد إيجابية، أو لا تمتد إليهم بتلك الإيجابية التي يروّجون لها، ويمكن أن يلمسها الفرد عن كثب في مفردات حياته الخاصة والعامة وتفاصيلها. 

في الغالب، تعني تلك المسارات أفراداً أو طبقات اجتماعية معينة أو جماعات بنفسها ترى ما يناسبها ويخدمها، فتضفي عليه طابع العموم والمصلحة العامة، وترصد له الميزانيات والمؤسسات والأفراد، وتروّج بكل الوسائط الإعلامية والتواصلية، وعلى رأسها الصحف والإذاعات والفضائيات والمنشورات ومنابر التواصل الاجتماعي الحديثة، فضلاً عن زمرة من الكتاب والصحافيين وصانعي الرأي العام، فتراهم خلية نمل مختلفة الأنواع، يدبون على وجه الكرة الأرضية داعين إلى تلك المسارات والمساقات والدروب، لتحقيق أهدافها وحشد القوم حولها.

لكن بحكم طبيعة التركيبة الاجتماعية والثقافية والفكرية والاقتصادية والسياسية والإيديولوجية والعقائدية والقيمية المتنوعة للمجتمع، لا بد من وجود الاختلاف في القناعات والرأي والفكر والتوجه والسلوك.

ولا بدّ من وجود تباين بين الأفراد والجماعات والطبقات حول مجموعة من المسارات والمساقات وقضاياها المتنوعة، ولا بد من أن يرتفع الصوت صادحاً بنغمة الخلاف لما يراد سوقه إليه من اختيارات ليست اختياراته، فيحتفظ لنفسه بحق الاختلاف المكفول بالقوانين الربانية والوضعية، والمضمون بالدساتير الوطنية، والمبرر بوجود مجموعة من الشواهد والقرائن والحجج والوقائع من المعيش اليومي للفرد والمجتمع، ومنها الأحزاب والمنظمات المختلفة التوجه والمراجع والإيديولوجيات والسياسات... المشكلة للمؤسسات المدبرة والمعارضة تحت سقف القانون.

لذا، انطلاقاً من مبدأ الاختلاف والتنوع المضمونين بالقوانين والتشريعات الدولية والوطنية والدينية، والمكفولين بالوقائع الميدانية، ينطلق الفرد، كما الجماعات والمؤسّسات، إلى الاعتراض السلمي والمدني الحضاري، بإبداء الرأي بكل حرية في القضايا المتنوعة التي تهم المجتمع ومصالحه العامة وسلمه الأهلي حفاظاً عليه، سواء بالمصادقة على تلك المسارات والمساقات أو بمعارضتها طلباً لتصحيحها، لما قد تشكّله من سلبيات على المجتمع ومصالحه وسلمه الأهلي.

ولو كان فيها نفع ومصلحة لأفراد أو جماعات أو طبقات اجتماعية أو فئة مجتمعية أو مؤسسات معينة، فلا يمكن حرمان الصوت الآخر والرأي المخالف من الظهور إلى العلن، ولا يمكن القبول في ظلّ التنوع والاختلاف بكبت تلك الأصوات المعارضة، لأن فيها شيئاً من الحقيقة والصواب، والمطلوب هو الاستماع إليها ومحاورتها، بما يؤدي إلى تقارب الآراء ووجهات النظر، وإلا نكون أمام ردود فعل مكبوتة ومضغوطة قابلة للاشتعال والانفجار في أية لحظة يصل مستوى الضغط فيها إلى قمته، حيث لا يصبح قابلاً للاحتمال.

هذا المعطى أثبتته الوقائع التاريخية، وما "الربيع العربي" ببعيد عنا، فالواجب الاستفادة من التاريخ وأحداثه ووقائعه وعبره وقوانينه... فالمجتمعات الإنسانية مبنية على قوانين وأسس ومفاهيم ونظريات غير قابلة للإلغاء. ربما يمكن تأجيل بعض نتائجها، ولكن ليس إلى الأبد. 

وتجد الشعوب الحية لا تقبل بجميع ما تذهب إليه بعض مؤسساتها المنتخبة وغير المنتخبة من قرارات سياسية أو ثقافية أو اجتماعية أو اقتصادية أو تدبيرية. ولعلنا نعيش في العقد الثاني من ألفية المعرفة أحداثاً ووقائع سياسية وفكرية وثقافية واجتماعية واقتصادية وإيديولوجية غير مفهومة، وغير مبررة، وغير مقبولة بالمنطق والبعد الأخلاقي والديني، كمسار "الرّبيع العربيّ" التخريبيّ، الهادم للبنية التحتية التي تطلبت قروناً من الزمن لبنائها وإعمارها وميزانيات من الأموال لتشييدها، والمخرب للمآثر الحضارية، والقاتل للإنسان العربي والمسلم، فبدلاً من إحياء الإنسان والإيمان، وبناء العقل والحضارة، والتغيير المعقلن الحضاري والإنساني للمجتمع، ذهب إلى تحطيمه من العمق وقتل نسمة الحياة فيه. 

كذلك هو التطبيع صنو "الربيع العربي" في العقد الثاني للألفية الجديدة. لا مسوغات موضوعية، ولا دينية، ولا ثقافية، ولا اجتماعية، ولا سياسية، تبرر الذهاب إليه بهذه الكثافة من الدول العربية، وخصوصاً أن أغلب الشعوب العربية تعارضه، لأن العدو الصهيوني اغتصب أرضاً عربية بالقوة، وهي ليست مجرد أرضٍ، فقد اغتصب حضارة إنسانية بكاملها ومقدسات بمجملها، وهو يهدمها كلّ يوم هدماً من الأساس، كما فعل "الربيع العربي" بآلياته الهادمة والقاتلة. 

تعيش فلسطين يومياً محرقة أكبر مما يدعيه الصهاينة عن محرقتهم النازية، فهم أعتى من هتلر وآلته العسكرية، والقتل بعد طبيعي في تركيبة شخصيتهم، تؤكده جيناتهم البشرية منذ القديم. ولعل الجرائم اليومية التي يرتكبها هؤلاء المجرمون في فلسطين تدل على طبيعتهم الإجرامية القاتلة للإنسان والحجر والحضارة على حد سواء، فهم يتكئون على عصا أميركا، المجرم الأكبر في العالم، لقتل الإنسان الفلسطيني والعربي الذي يندد بإجرامهم ومجازرهم بحق هذا الإنسان الفلسطيني والعربي، وليس هناك من مبرر، انطلاقاً من هذا الإجرام، يسمح لنا بالتوجه نحو التطبيع المجاني معهم، فما عائد التطبيع على الأمة؟ أهي علاقة الند بالند أم استسلام وخنوع لعصا وجزرة أميركا؟ سيسلبون منا كلّ شيء!

لذا نقول: لا للتطبيع، ومن حقّنا أن نخالف مساراتكم وتوجّهاتكم، فلن نكون مطبّعين أو مستسلمين للصهاينة. لا تلبسوا علينا مواقفنا بالخلط بين الصهيونية كإيديولوجيا وممارسات قاتلة ومغتصبة، واليهودية كديانة لها معتنقوها اليهود الذين يشكّلون مكوناً من مكونات مجتمعنا. 

لن نقبل بالصّهاينة والمتصهينين بيننا، لأنّهم ليسوا من مجتمعنا الَّذي قاوم المستعمر، ودافع عن فلسطين في حروب العرب والمسلمين مع الصّهاينة الأعداء، وقدّم الشهداء فداء للوطن ولفلسطين، فلا تتنكَّروا لدماء الأجداد والأحرار.