قوانين ماكرون والخوف على العدالة

يطرح سياسيّون فرنسيّون أسئلةً مقلقة عن خلفيّة إجراءاتٍ مثيرةٍ للقلق كحلّ لجنة مناهضة الإسلاموفوبيا في فرنسا.

  • تقول وسائل إعلامٍ يساريّة إنّ فرنسا تعيش تحوّلاً نوعيّاً خطيراً ستكون له تداعياتٌ غيرَ محمودةٍ
    تقول وسائل إعلامٍ يساريّة إنّ فرنسا تعيش تحوّلاً نوعيّاً خطيراً ستكون له تداعياتٌ غيرَ محمودةٍ

دخلت الحكومة الفرنسية في لعبة تغيير العناوين، فاستبدلت قانون "الانفصاليّة" بقانون "تعزيز مبادئ الجمهوريّة"، لكنّها أبقت على رؤيتها وحلولها لمعالجة ما تسمّيه التطرّف الإسلامويّ في فرنسا. مشروعٌ جداليٌّ يتزامن مع مشروعٍ خلافيٍّ آخرَ هو قانون "الأمن الشامل" الذي فجّر الشارع الفرنسي، ونقل المواجهة من المنابر السياسية إلى صداماتٍ شبه أسبوعيّة بين قوى الأمن والمحتجّين على ما يصفونه بقانون ضرب الحريّات في فرنسا.

الحكومة كانت استبقت "تعزيز المبادئ الجمهورية" بسلسلة إجراءاتٍ لغلق مساجدَ وجمعياتٍ إسلاميّة على الأراضي الفرنسيّة، وشنّت حملةً على من تصفهم بالراديكاليّين المسلمين ولا سيما أصحاب الملفّات الأمنيّة تمهيداً لترحيلهم إلى دول المنشأ.

المواد الـ50 من القانون الجديد تريدها الحكومة مدخلاً لـ"مكافحة الإسلام الراديكالي ومعالجة الكراهية المستشرية على الإنترنت وتعزيز الإشراف والتمويل على دور العبادة للحيلولة دون سيطرة المتطرفين". 

اللاّفت حتى الآن هو غياب ردود فعل المسلمين وممثّليهم في فرنسا، بينما كان ماكرون قد جمع قبل فترة، بعض ممثّليهم الرسميّين لمناقشة متطلّبات الحكومة وبنود القانون، فيما تبدو معارضة بعض الفرنسيين للقانون هي الأساس.

زعيم حركة "فرنسا المتمرّدة" جان لوك ميلونشون، وصف قانون "تعزيز مبادئ الجمهورية" بأنّه "ضد الإسلام ويعزّز نزعة الاعتداءات على حرية جميع الأديان والجمعيات" ويثير التساؤل حول قانون 1905 المتعلّق بفصل الدين عن الدولة، بينما قالت صحيفة "الفايننشال تايمز" إنّ فرنسا تناقض قيم الحرية، في الحرب التي تتبنّاها على ما يُسمّى "الانعزالية الإسلامية".

وقالت الصحيفة إنّ القانون يستند على افتراضين، أوّلهما أنّ "إرهاب المتشدّدين الإسلاميين يتغذّى من انتشار التيّار السّلفي في الأحياء الفرنسيّة الفقيرة، والثاني أنّ محاربته تقتضي تعزيز قيم الجمهورية أو فرضها. الافتراض الأوّل غايةٌ في الأهمية؛ لأنّه يبرّر استهداف "الانعزاليّة" الإسلاميّة وحدها، دون المجموعات الدينيّة الأخرى، أو المجموعات الانفصاليّة والعلمانيّة مثل القوميّة الكورسيكيّة، والحركات القوميّة المتطرّفة. 

صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، كانت أكثر قسوةً بحقّ الحكومة فقالت إنّ نصّ قانون "الأمن الشامل" ومشروع قانون "الإنفصالية" اللّذين قُدّما قبل بضعة أشهر "يؤكّدان ما وصفه النقّاد بانحرافٍ مفزعٍ نحو القمع في السياسة الحكوميّة الفرنسيّة".

المتخوّفون من تداعيات القانون يتساءلون عن الآليّة التي سيعتمدها القانون عمليّاً في مقاربته للظّاهرات المعادية لقيم الجمهورية، فهل "التطرف الإسلامي" هو المقصود فقط؟ وكيف يمكن التمييز بين المتطرّف والمتديّن؟ وأين يقع الفرق بين مسجدٍ مُكرّسٍ للشّعائر الدينيّة وآخرَ يحتكم إلى العنف والكراهية؟ ومن يضمن عدم تحوّل القانون إلى أداةٍ لممارسة عقوبةٍ جماعيّةٍ بناءً على سلوك فردٍ ما حيث لا تزال قضية مسجد بونتان في باريس ماثلةً، وما زال المسجد مغلقاً بسبب سلوك بعض أفراد إدارته؟

يطرح سياسيّون فرنسيّون أسئلةً مقلقة عن خلفيّة إجراءاتٍ مثيرةٍ للقلق كحلّ لجنة مناهضة الإسلاموفوبيا في فرنسا، ويقول أنطوني توويلل، المسؤول في "حزب فرنسا غير الخاضعة" إنّه لا يستند إلى أدلّةٍ، وهو إثباتٌ على أن "النّظام الاستبدادي موجود".

المدافعون عن حقوق الإنسان في فرنسا اعتبروا أنّ القانون يُعَدُّ إنتكاسةً حقوقيّةً وهزيمةً للحريات، ويؤشر بقوةٍ إلى توجّه السلطة نحو التموضع في اليمين المتطرّف، ولا سيما أن ممثّلي هذا التيار السياسي دفعوا بقوةٍ نحو تبنّي القانون ويطالبون بإجراءاتٍ أكثرَ صرامةً تجاه المسلمين والمهاجرين.

وتقول وسائل إعلامٍ يساريّة إنّ فرنسا تعيش تحوّلاً نوعيّاً خطيراً ستكون له تداعياتٌ غيرَ محمودةٍ، لأنّ القانون يسمح للدولة بالتدخل في الدين الإسلامي مباشرةً، بينما تُترك الأديان الأخرى بارتباطاتها ومرجعيّاتها الدينية الخارجية تمويلاً وتوجيها، ما سيخلق شعوراً بالظّلم والتحيّز ضد المسلمين الفرنسيين، وهو الأمر الذي لا تحتاجه فرنسا على الإطلاق في هذه المرحلة الحسّاسة من تاريخها.