وليد المعلم أو معالي المقاوم
وليد المعلم كان من هؤلاء الذين تمثّلوا روح سوريا وعروبتها وشرقيّتها وأصالتها وشرفها الباقي وأعطى في السياسة والدبلوماسية تعبيره المقاوم عن هذه الروح.
في المجتمعات الحقيقية صاحبة التشكيل العضوي المتين الذي ينام على إرثٍ خصيب، تظهر شخصيات يمثلون مجتمعاتهم العريقة ويجمعون في ثناياهم وتعابيرهم الشيفرة الثقافية الحضارية لهذه المجتمعات، وهندسة الثقافة والمورثات والسرديات التي تقوم عليها هذه الحضارات وتاريخها، وليد المعلم: الشامي السوري العروبي أحد كبار هؤلاء.
والمعلم، لم يكن سليلَ بيتٍ كبيرٍ مؤهلٍ وصاحبَ حظٍّ طيّبٍ فحسب، بل إن قوّة حضوره ترتبط باستبطانه وتمثّله لمعنى سوريا وحضورها ورهاناتها وموقعها وموقفها في الزمن والتاريخ، المستمدَّة من وعي مقاومٍ ومن حرير روحها اللّين الصبور والصارم معاً.
ورغم أنه كان يقيم في منطقةٍ تقع فيها أخطر خطوط التماس وحرائقها الممتدة من الأرض حتى السماء، منطقةٌ تشهد كل أنواع المعارك والمواجهات، كانت إطلالة وليد المعلم تعطي دلالات الرسوخ والصمود والثقة والاستقرار، وهنا كان يحصل الامتزاج الخلاّق بين روح الإقليم واللّمسات الفردية على أعمق ما يكون.
لكل مجتمعٍ وثقافةٍ خطوط إنتاجٍ تتجلّى نماذج في السياسة والثقافة والفن والسلّم والحرب وشخصية المجتمع وطرائق وعيه، فهذه النماذج على تباينها إيجاباً وسلباً، تَدين لمكوّنات المجتمع الأصلية، بكل ما أورثه المكتسب من التجربة، وكل ما يرتبط بالغايات والأقدار ولعبة المصائر والبحث عن التحقّق، في تاريخٍ شاقٍّ بطبيعته.
وبقراءة لوحة الشرق العربي المعقّد، يتميز خط الإنتاج السوري حصراً وعيناً بجملة من الخصائص البنيوية والخبرة التاريخية التي تحدّد صورة سوريا ودورها وحضورها كإقليم أساسي وتمايز نماذجها.
لقد أعاد الهلال الخصيب لاسيما بعد ظهور الإسلام كمتغيّرٍ فكريٍّ سياسيٍّ حضاري، تشكيل تاريخ المنطقة على نحوٍ عميقٍ بركنيه: سوريا والعراق معاً أو كلٌّ في نحوه، ومعهما ما يمكن تسميته بالأقاليم الصلبة: اليمن جنوباً والمغرب العربي غرباً. وأيضاً، تقع مصر ضمن شروط معيّنة، شروطٌ كانت عرضةً للافتقاد عموماً.
سوريا والعراق هما العنصران الأساسيان في المنصة الحضارية التاريخية التي بلورت العروبة الثقافية وتجلياتها السياسية والحضارية التي تتسع لكل العرب ولغيرهم، وشكّلا المسرح الاستراتيجي التاريخي في معركة إدارة المركبات مصير العرب وهوية هذا المصير، وما يعنيه ذلك من ارتدادات في واقع الإقليم والعالم. كل الامبرطوريات والدعوات والرسالات والطرق التي كانت تصل شرق العالم بغربه، وكل الدروب الواصلة بين الأرض السماء ومجازاتها، ظهرت هناك أو كانت هناك أو مرّت هناك أو تطلعت إلى هناك.
وفي معارك المنطقة وشعوبها ضد كل أنواع الغزاة، كان الهلال الخصيب المولّد الأوّل للمقاومة والردّ التاريخي ومنتج الفاعلية التاريخية. ومنذ ألف عام تاريخ خروج العرب من الدور التاريخي بحسب تقويم جاك بيرك، لم تشهد المنطقة صوتاً أو دعوةً أو فعلاً أو حركة مقاومةٍ ، إلا وكانت سوريا والهلال الخصيب مصدره أو سنده أو كتفه.
تبدلت أحوال دول العرب المعاصرين وانقلب حابلهم على نابلهم دولاً وكيانات وأفراد وشعوباً وخطابات، وخرج من خرج من دائرة الصراع على المصير، ومرق من مرق، لكن أركان العروبة الثقافية وتخوم سريانها في طول الأمة وعرضها، ظلت حيث يجب أن تكون وما بدّلوا تبديلا.
وفي الزمن الراهن تخوض سوريا والعراق وشعوبٌ معنيّةٌ أخرى في المنطقة معركة المصير الجماعي على نحوٍ معقّدٍ غير مسبوقٍ لا في تاريخها ولا في تاريخ العالم.
إن ظهور القادة والزعماء والوجوه التي تمثّل صوتاً جماعياً وروحاً متّحدة ومشروعاً متناسقاً في المجتمعات المعنية والمتجذّرة، التي تقيم عقودها الخاصة مع الزمن ولعبة الوجود، لا يكون ظهوراً لوجوهٍ فحسب، بل هو ظهور لواجهاتٍ وقاماتٍ ومعانٍ ودلالاتٍ ومواقفَ وصدى تتجلى في شخصياتهم الجليلة.
وليد المعلم كان من هؤلاء الذين تمثّلوا روح سوريا وعروبتها وشرقيّتها وأصالتها وشرفها الباقي وأعطى في السياسة والدبلوماسية تعبيره المقاوم عن هذه الروح.
إن وليد المعلم، وطارق عزيز، وفاروق الشرّع، وعبد العزيز بوتفليقه (عندما كان وزيرا للخارجية) وعبد المنعم رياض وإسماعيل فهمي ومحمد جواد ظريف، هم محاربون من أجل قيَمٍ كبيرةٍ، يلبسون ثيابا أنيقة ويستخدمون سلاح الكلمات العاتي.
كما كلّ الكبار، وليد المعلم كتب فصله الماجد ومضى.