انتصار بايدن يُربك خطط إردوغان
قد يكون الرئيس الأميركي المنتخب أكثر من يعرف الرئيس االتركي، فهو كان المبعوث الرسمي الدائم إلى تركيا بسبب علاقته الشخصية بإردوغان، إلاّ ان هذه العلاقة ما لبثت أن تدحرجت من سيء إلى إسوأ
شهدت العلاقات بين الولايات المتحدة وحليفتها تركيا في حلف شمال الأطلسي في السنوات الأخيرة صعوداً وهبوطاً دراماتيكياً، بعد أن بدأت أنقرة في اتّباع سياسة خارجية أكثر استقلالية.
لا شك في أن تركيا تُعتبر لاعباً أساسياً وحيوياً في العديد من التحديات والصراعات العالمية الحالية، مثل الحرب على سوريا وليبيا، والخلافات البحرية في شرق البحر المتوسط، وقضايا الهجرة، وعلاقات الغرب مع روسيا وإيران.
نتائج الانتخابات الأميركية ستؤثر بشكل كبير على مسار السياسة التركية، والتي عبّرت عنها تصريحات بايدن قبل فوزه في الانتخابات. فهو أدلى برأيه حول كيفية التعامل مع الرئيس التركي وضرورة ممارسة المزيد من الضغوط لخفض التوترات مع اليونان ووجوب ثني تركيا من أجل الامتناع عن أي استفزاز آخر في المنطقة، بما في ذلك تهديداتها باستخدام القوة، من أجل إنجاح الدبلوماسية، إضافةً إلى انتقادات أميركية سابقة أثارت غضب أنقرة.
كان جو بايدن نائباً للرئيس السابق باراك أوباما وكان مفوضاً بالملف التركي نظراً لخبرته السياسية. ومع ذلك، شهدت إدارة أوباما الثانية تدهوراً ملحوظاً في العلاقات بين الجانبين، وكان بايدن قد لعب دوراً بارزاً خلال العملية السياسية في سوريا والمنطفة برمّتها.
قد يكون الرئيس الأميركي المنتخب أكثر من يعرف الرئيس االتركي، فهو كان المبعوث الرسمي الدائم إلى تركيا بسبب علاقته الشخصية بإردوغان، إلاّ أن هذه العلاقة ما لبثت أن تدحرجت من سيء الى اسوأ، منذ خبر سقوط الرئيس محمد مرسي الذي نزل كالصاعقة على إردوغـان وعلى جماعة "الإخوان" في مصر عام 2013.
واستمرت العلاقة في التدهور بعد سيطرة مقاتلي حزب "الاتحاد الديموقراطي" الكردي على منطقة رأس العين وتعزيز سيطرتهم على معظم المناطق الكردية من شمال سورية، ومن ثمّ عدم السماح لتركيا بإقامة منطقة عازلة واتهامها بدعم "داعش" والتشهير بعلاقتها مع "جبهة النصرة".
لن ينسى إردوغان إعراض واشنطن عن الضربة العسكرية في سوريا في أيلول/سبتمبر 2013. كان هدف إردوغان وحكومته آنذاك إسقاط النظام في سوريا مهما كلّف الأمر وبمعزل عن الطريقة والأسلوب. وكانت الانتقادات الغربية والضغوط الأميركية ضد حكومة إردوغان تزداد من أجل وقف دعمها المنظمات الأصولية في سوريا والعراق. كانت كل هذه الرسائل السياسية واضحة بالنسبة لإردوغان.
حتى اتفاقية استيراد النفط والغاز الطبيعي التي تمرّ عبر خطين من المناطق الكردية في شمال العراق وتلتقي داخل الأراضي التركية بخط أنابيب النفط القديم المعروف باسم خط كركوك – يومورتاليك، لاقت معارضة من بغداد وواشنطن. رفض الثنائي بايدن وأوباما طلب أنقرة إقامة منطقة عازلة لأن الدول العربية لن ترضى بهذا المشروع، وتجد فيها محاولةً لتقسيم سوريا وتحقيق أطماع تركيا.
رأت واشنطن أن أنقرة تؤدّي دوراً مزدوجاً عبر وقوفها في صف الجماعات المسلّحة، وانتقدت الولايات المتحدة الأميركية تركيا لإعراضها عن حلّ المسألة الكردية في الداخل التركي، وعدم تشجيعها مؤيّديها على دعم مسار السلام مع الأكراد. لم تستطع أنقرة إقناع أوباما بوجهة نظرها التي اعتبرتها واشنطن "ضعيفة "
إنّ تغيير الأميركيين لسياستهم تجاه الكرد كان من أهم نقاط التناقض والتنافر بين إدارة أوباما في واشنطن وإردوغان، إضافةً الى ملفيّ "داعش" ومستقبل سوريا. عملت الحكومة التركية مباشرة مع "جبهة النصرة" وحلفائها لتطوير قدرات الحرب الكيميائية من أجل إشعال حادثة تُثني الولايات المتحدة على التدخل المباشرفي سوريا. وهذا ما توجسّت منه الولايات المتحدة، ولم توافق عليه.
بلغ الصراع الديبلوماسي بين أوباما وإردوغان ذروته في نهاية ربيع 2013، حيث أيقن أوباما أن إردوغان سيصبح حليفاً خطراً. أبلغ جو بايدن، الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، بموقف بلاده خلال اجتماع استمرّ 4 ساعات احتدمت على إثره الخلافات. وتأزّمت العلاقات بين الطرفين بسبب التباينات العميقة في موضوع الملف السوري.
ركّز بايدن على أهمية التعاون بين القوى الإقليمية: تركيا، ومصر و"إسرائيل" ولبنان بشأن الغاز في البجر المتوسط، وعلى الفوائد المشتركة بشأن القضية القبرصية. لكن هذه الطروحات لم تجد آذاناً صاغية من إردوغان الذي استحوذ عليه هاجس إسقاط الأسد، مع العلم أن إدارة أوباما لعبت دوراً في المصالحة بين تركيا و"إسرائيل" والتي أجبرت نتنياهو على دفع التعويضات لضحايا سفينة "مرمرة" من أجل الاستمرار في مشروع الطاقة.
إن التطورات البارزة في إدارة ترامب والعلاقة مع روسيا وتفعيل نظام صواريخ أرض- جو الروسية "S400"، واستمرار الصراع حول "قسد" وشرق الفرات مع تواجد الجيش الأميركي في هذه المنطقة، وفتح جبهات جديدة من ليبيا إلى القوقاز، بدّلت الأولويات، وبات ملف العلاقة مع تركيا دسماً، لاسيما على خلفيّة مطالبة تركيا بتسليمها محمد فتح الله غولن، بتهمة الانقلاب، فهي تتهم الغرب بمساعدته والوقوف وراءه إلا أن عقوبات الكونغرس تنتظرها.
تركيا مهمة للغاية بالنسبة لواشنطن، أولاً بسبب أهميتها الجغرافية في منطقة سعت فيها الولايات المتحدة إلى الحفاظ على هيمنتها. هذه الأهمية الجغرافية الاستراتيجية لا يمكنها اختزال تركيا بحكّامها لا سيما بالنسبة لصانعي السياسة الاستراتيجية بحيث ستسعى واشنطن الى تخطّي بعض العقبات في سوريا أو ليبيا أو اليونان...
لهذا السبب، سيعني وجود بايدن أكثر من مجرد استمرار التفاعل السياسي مع الحكومة التركية. حيث سيهيمن الوسط المعتدل على البرنامج الأيديولوجي للحزب الديمقراطي، لا سيما في وجود شخصيات مرتبطة بكلينتون.
الحل نفسه ينطبق على صانعي السياسة الخارجية الذين ارتبطوا بإدارة أوباما والذين سيتمكنون من الوصول إلى عملية صنع القرار. إن أيّ من هذين الاحتمالين لا يبشّر بالخير في العلاقات التركية الأميركية، لا سيما وأن السّجال الذي بدأ حول أهمية التواصل مع المعارضة والشعب التركي ودعم المجتمع المدني، قد أثار حفيظة أنقرة التي اعتبرته تدخلاً في الشوؤن الداخلية لدولة مستقلة.
لكن الإدارة الأمريكية الجديدة قد تتوصل إلى اتفاق مع تركيا لتحقيق مصالحها الذاتية. فتركيا اليوم هي أقل من حليفٍ وأكثر من شريك - تتّبع أجندتها الخاصة في قلب العلاقات المعقّدة والمعرّضة للصراع في القوقاز والشرق الأوسط وشرق البحر الأبيض المتوسط.