ماذا يعني فوز بايدن؟ تصحيح للمسار أم تكريس لسياسة الاستعمار؟
الأميركيون والعالم يحبسون أنفاسهم بانتظار النتيجة النهائية للانتخابات الرئاسية رغم أنها تميل أكثر إلى جو بايدن، وإذا فاز هذا الأخير، فهل ستتغير سياسات الولايات المتحدة الأميركية تجاه قضايا عالمية عدة أبرزها القضية الفلسطينية، أم سيواصل بايدن ما بدأه ترامب؟
يبدو أن جو بايدن فعلها وأحرج دونالد ترامب وأخرجه من سباق الرئاسة، إذ كل الأرقام توحي بفوزه القريب رغم مناوشات الرئيس الأميركي وتشكيكه في العملية الانتخابية برمّتها، فقد استطاع بايدن لفت الناخبين إليه بهدوئه المعتاد وصبره على الصبر إلى آخر لحظة حتى الإعلان الرسمي للنتائج النهائية لانتخابات الرئاسة التي لم تُعلَن بعد، وهي نتائج ستصدم ترامب وحمْلته كما يبدو، لأن ترامب كان يعتقد أنه لا محالة فائز، وإذا به يجد نفسه يتأخر في الأرقام شيئاً فشيئا إلى حدّ وصل إلى اتهام الديمقراطيين بتزوير الانتخابات وشكّك في عمل لجان الفرز وحتى في حُكّام الولايات، فمرةً يعلن أنه فاز، ومرةً يقول إنه سيقدم شكاوى للقضاء ومرةً يهدّد ويتوعد، وهذا يبيّن حالة الاضطراب الشديدة التي يعاني منها ترامب خلال التصويت والفرز، وقد تبيّن أنها المرة الأولى التي نشهد فيها تصرفات مماثلة صادرة من رئيس الولايات المتحدة الأميركية وكأنه هو من يحدّد الناخبين وأعدادهم وتوقيت التصويت ومن سيفوز في الانتخابات مُقصياً كل اللجان التي تعمل من أجل رسم العملية الانتخابية.
فالأميركيون والعالم يحبسون أنفاسهم بانتظار النتيجة النهائية للانتخابات الرئاسية رغم أنها تميل أكثر إلى جو بايدن، وإذا فاز هذا الأخير، فهل ستتغير سياسات الولايات المتحدة الأميركية تجاه قضايا عالمية عدة أبرزها القضية الفلسطينية، أم سيواصل بايدن ما بدأه ترامب؟ هذا هو السؤال المحوري الذي يدور في خُلد العالم بعد النتائج الأولية التي تُظهر فوز بايدن بمنصب الرئاسة. هناك تخوّف من اندلاع المزيد من المشاكل في مناطق عدة في العالم، فيما لو فاز الرئيس الحالي دونالد ترامب مرة أخرى، ولذلك انقسم العالم إلى قسمين وهو يتابع الانتخابات عن كثب، فمنهم المتفائل الذي يرى في بايدن تغييراً واضحاً في السياسات الخارجية، سيّما تحسين العلاقة مع الاتحاد الأوروبي، والتي تضررت كثيراً إبان حكم ترامب خلال السنوات الأربع الماضية، إضافة إلى توتر العلاقات مع الصين وروسيا. لذلك، كانت القرارات في مجلس الأمن متضادة بين المعسكرين لاسيما فيما يخص القضايا العالمية، ولعل أهم قضية يمكن أن يُغري بايدن بها العالم هو رجوع الولايات المتحدة الأميركية إلى اتفاقية المناخ بباريس والتي طالما حاربها ترامب.
ومن المفارقات أن هناك من الدول من لا يُعير اهتماماً كبيراً للانتخابات الأميركية ويرى أنه لا فرق بين بايدن وترامب، إذ كلاهما وجهان لعملة واحدة، يتبعان سياسة واحدة وهي سياسة الابتزاز والاستعمار والاستنزاف رغم أن بايدن أبدى تفهماً تجاه الاتفاق النووي المبرم مع إيران واستعداداً لإعادة الأمور إلى مجاريها وتصحيح ما قام به ترامب خلال السنوات الأربع الماضية، حيث دُمّر هذا الاتفاق من خلال انسحابه منه والضغط على إيران من خلال تشديد العقوبات الاقتصادية من كل الزوايا، ونصب العداء التام من خلال تأليب الرأي العام العالمي عليها، والإقرار بأنها عدو لدول المنطقة. واستطاع ترامب بعلاقته المتينة "بإسرائيل" أن يقلب الموازين – "إسرائيل" التي تبدو حزينة على فقدان الحبيب ترامب وقراراته الجريئة تجاه العرب عموماً وفلسطين خصوصاً - فمن كان عدوّاً بالأمس صار صديقاً مقرّباً، ومن كان صديقاً صار العدو الأول، وهذا حدث في سياسة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة اللتين اتخذتا نهجاً تصعيدياً بالتوازي مع ترامب وراهنتا كثيراً على فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية.
وعَوداً على البدء، هل سيصحّح بايدن مسار القضية الفلسطينية، أم سيمضي في إقصاء السلطة الفلسطينية التي ترى في ترامب عدوّاً للقضية ولم يعد شريكا أساسيّا في عملية السلام الحقيقيّة، وهل ستفشل "صفقة القرن" وتُمحى من الأسس أم سيواصل بايدن ما رسمه اليهود والأميركيون في عهد ترامب؟ ما نعرفه عن الديمقراطيين لاسيما في عهد أوباما أنهم يؤمنون بالحل النهائي المتمثل في إقامة دولتين، جنباً إلى جنب بعيداً عن المخطط الذي رسمه ترامب وأخضع من خلاله جميع الدول العربية للقبول به وترسيخ مبدأ عملية سلام جديدة وخارطة جديدة في الشرق الأوسط وهو مخطّط طالما سعى الجمهوريون إلى فرضه في الواقع وكلما جاء رئيس جمهوري أرسى قواعد هذا المخطط الكبير محاولاً بسط نفوذه التام وممارسة ضغوط قويّة على الدول العربية والإسلامية للقبول والتعامل معه على أساس أنه واقع جديد لا حياد ولا رجوع عنه.
فالسياسة التي سيتّبعها بايدن عند دخوله البيت الأبيض تتضح من خلال المائة يوم الأولى، ومن خلال قراراته الجريئة أيضاً لنسف ما قام به ترامب من قبله، كما فعل ترامب مع باراك أوباما، وبالتالي فهو أولاً يثأر لأوباما، وثانياً يفعل كما فعل ترامب حينما ألغى كثيراً من القرارات وانسحب من كثير من الاتفاقيات وخرج من كثير من المعاهدات الدولية.
إن بايدن له رأي آخر، بعيداً عن هذه الحسابات، إذ يكتفي بتذكير الأميركيين أنهم شعب واحد وعليهم أن يبنوا من جديد الأمة الأميركية على أساس العدل والمساواة، ويعمل من أجل صالح أميركا في الداخل والخارج بعيداً عن الشعبوية والعنصرية التي كان يمارسها ترامب.