حسان دياب ومثلّث "برمودا"!
رئيس حكومة تصريف الأعمال يوافق الرأي السائد بأن هناك "أيادي خفية" خارجية تسير بلبنان إلى الأسوأ في المجالات كافة، لكنه يرى أنها لا تستطع العبث من دون فساد السلطة السياسية.
شهادة رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية حسان دياب التي كانت الأولى من نوعها في لبنان في هندسة الاتصالات، والتي جعلته يفتتح أول قسم لها (CCE) في الجامعة الأميركية، لم "تشفع" له في رأب صدع الحالة السياسية المتشابكة في هذا البلد، وفي هندسة واقع حال الاتصال والتواصل بين الأفرقاء اللبنانيين.
الرجل الذي وطئ حلبة "السياسيين" من خارج عالمهم، رُمق بنظرات شذر، وشنّت عليه أقذع الحملات. لم يرحمه الخصم، ولم يتفهّم جزء من الشعب نظافة كفّيه، وربما لم ينصفه هذا "الحليف" أو ذاك في بعض الأحايين.
ما واجه رئيس الحكومة "الاختصاصي" قاسٍ وتركته ثقيلة: مؤسسات دولته مهترئة، المذهبية تنخر العظم، الأوضاع الاقتصادية والمعيشية صعبة، الحراك والتظاهرات على الأرض، ارتفاع الدولار سياسي بامتياز... وإضافة إلى كل ما تقدّم، عبء جائحة كورونا المخيف، وانفجار مرفأ بيروت القاصم للظهر، ناهيكم بعدوٍ إسرائيلي متربّص، وتهديد تكفيري "نائم"، وإقليم متفجّر، و"أيادٍ خفية" في عالم يغلي على أعتاب سنة استحقاق الانتخابات الرئاسية الأميركية.
في مثلث "برمودا" المحلي الإقليمي - العالمي، لم تشفع لدياب 13 جائزة دولية وإقليمية نالها قبل ولوجه السراي الكبير. رغم ما تقدّم في مجلس الدكتور دياب، نجد ابن العاصمة اللبنانية بيروت في أقصى درجات راحة الضمير، فما لا يعرفه الكثيرون من اللبنانيين أن "دولة الرئيس" الذي باشر مهامه في كانون الأول/ديسمبر 2019 دأب على العمل 18 ساعة يومياً من دون انقطاع، وكان قد نقل مقرّ إقامته إلى "السراي الحكومي" حتى يتمكّن من العمل بشكلٍ أفضل، مستنفراً الطاقات، محفّزاً الوزراء والوزارات، حتى فترة تصريف الأعمال...
"التغيير آتٍ، لكن السؤال كم من الوقت يحتاج حتّى يحصل". هذا هو لسان حال من سيبارح "جنة الحكم" قريباً، بعد تقديم استقالته في 10 آب/أغسطس الماضي، فهو يوضحها بكل تلقائية: "التغيير يجب أن يأتي من رأس الهرم وقاعدته في الوقت نفسه".
لمحة الثقة لا تفارق "العنيد"، كما ينعته البعض. "جئت إلى سدّة الرئاسة لأخدم بلدي، ولم أجنِ الأموال، ولم أدفع فلساً واحداً لتبييض صورتي في مواقع التواصل الاجتماعي، وقد تعرّضوا كثيراً لي بالشتائم ولم أكترث لهم". يطلقها دوماً بتؤدة وتأنٍ.
واللافت في معرض الحديث عن "الميديا"، إنشاء مواطنين لبنانيين وعرب صفحات عفوية داعمة لحسان دياب في مواقع التواصل.
من أقسى الصعوبات التي يواجهها "رئيس حكومة" غير مذهبي - في بلد كلبنان - هي المذهبية، مقرونة بالمحاصصة بين معظم الأفرقاء السياسيين... لسان حاله يقول: "متفقون على تقاسم "الكايك"، لكنهم يختلفون على من يريد أن يقسمها، ويريدون حصصاً في كل القطاعات".
"حاولنا أن نصدر مراسيم، لكن القوانين المنبثقة عن السلطة التشريعية أقوى. وهكذا لم نستطع التنفيذ"، يوضح دياب دائماً، لكن ثمّة من يسأل: هل دعوته حاكم مصرف لبنان رياض سلامة "للإعلان للبنانيين عما يجري في الكواليس في ما يتعلق بسعر صرف العملة"، كان بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير؟ ربما هزّ الرأس مع الابتسامة التي تحمل معاني مختلفة هي جواب دياب، وهو لا يخفي أن رد الفعل المهاجم لهذا الموقف جاء من سياسيين لبنانيين قبل أن يأتي من مرجعية دينية رفضت التعرّض لسلامة.
يعتبر الكثيرون أن المتظاهرين في حراك الشارع اللبناني باتجاهاته كافة، لم ينصفوا "القادم إلى القصر مبارح العصر"، كما يقول المثل. وقبل ولوجه السراي، رمي بسهام قاسية، رغم اعتباره أن مطالب الناس محقة، وأوجاع الناس كبيرة. ومن هنا، يشدد على ضرورة الوضوح في المطالب والاتفاق بين المتظاهرين على من يمثلهم بدلاً من تعدد المجموعات، رافضاً في الوقت نفسه التعميم وما يرافقه، مثل جملة "كلن يعني كلن" الشهيرة التي يرددها الكثيرون... وهو ما انفك يدعو إلى قانون انتخابي جديد يشمل كل لبنان وفق دائرة انتخابية واحدة.
رئيس حكومة تصريف الأعمال يوافق الرأي السائد بأن هناك "أيادي خفية" خارجية تسير بلبنان إلى الأسوأ في المجالات كافة، لكنه يرى أنها لا تستطع العبث من دون فساد السلطة السياسية.
ورغم كلّ السواد المحيط بنا، يحضّ الرجل على البقاء في الوطن، وبذل الجهود لإنقاذه، والاستمرار في المطالبة بالتغيير، مؤكداً أن أهم ثروة في لبنان هي شبابه وأدمغته، إضافة إلى ثرواته الطبيعية والبيئية والنفطية الواعدة.
وإذ يأسف لأن المبدعين لا يكرّمون في بلدهم بل في الخارج، ولأن الوضع الراهن لم يسمح له بذلك، فإن تجربته الشخصية خارج البلاد تنهض شاهداً على ما يطلبه من اللبنانيين: "لا تهاجروا، بل اكتسبوا العلم والخبرة، وعودوا إلى بلدكم، واعملوا لأجله".
لحظة الخروج من مقابلة دياب تشنّف أذنيك عبارة تعود إلى من يراه جلّ اللبنانيين "ضمير لبنان"، أي رئيس الحكومة الأسبق سليم الحص، وهو القائل دوماً: "يبقى المسؤول قوياً... إلى أن يطلب شيئاً لنفسه".