أسباب فشل الإخوان المسلمين في مصر
قد يرجع أغلب أسباب الفشل إلى غياب روح التجديد، والتمسّك الشّديد بالبنية العقائدية والتنظيمية المغلقة، إضافة إلى عدم السعي نحو ضخّ دماء جديدة شابة داخل مكتب الإرشاد المسؤول عن إدارة شؤون الجماعة.
يفصلنا ما يقارب 10 أعوام على مرور 100 عام على تأسيس جماعة الإخوان المسلمين التي انطلقت من مصر المحروسة. 90 عاماً في حلقة مفرغة من الفشل مرة تلو الأخرى، من دون الخروج بأيِّ دروس مستفادة من حالة الفشل المتكرر؛ فشل في معارضة الملك، وفشل في دعم اللواء محمد نجيب، وفشل في معارضة مبارك، وأخيراً فشل في الحفاظ على مكتسبات ثورة يناير في العام 2011.
كلّ هذا يدفعنا نحو البحث والتدبّر في أسباب الفشل، والتي قد يرجع أغلبها إلى غياب روح التجديد، والتمسّك الشّديد بالبنية العقائدية والتنظيمية المغلقة، إضافة إلى عدم السعي نحو ضخّ دماء جديدة شابة داخل مكتب الإرشاد المسؤول عن إدارة شؤون الجماعة. ومنذ عفو السادات، يعلم الجميع أنّ مكتب الإرشاد يسيطر عليه الناجون من عهد عبد الناصر وسجونه. وحتى وقتنا هذا، لا يزال القائمون عليه بقايا من إخوان حقبة عبد الناصر والسادات.
وبعد سنوات من إزاحة جماعة الإخوان في مصر عن ممارسة أنشطتها، نجد أنَّ أفرادها لا زالوا متمسّكين بمبادئهم وأفكارهم القديمة، على عكس حركة حماس، الجناح الإخواني في دولة فلسطين، والذي أطلق ميثاقه الجديد في العام 2017، في محاولة منه للخروج من عباءة الإخوان المسلمين.
الجديد في الوثيقة أنَّ نصوصها محكمة لجهة القوانين الدولية، وخصوصاً القانون الدولي الإنساني، والهدف الأساس من وراء ذلك، فتح أبواب الإقليم والغرب أمام الحركة، ومحاولة إلغاء وصفها بـ"الإرهابية"، حتى وإن لم ينتج من هذا الميثاق الجديد أي ردود فعل إيجابية، ولكن يحسب لحركة حماس سعيها إلى التطوير.
في الجانب الآخر، نجد حركة النهضة الإسلامية في تونس، على الرغم من التحدّيات الصّعبة التي تضربها يوماً بعد يوم، فإنها ما زالت قادرة على التحكم بمجريات الأمور على الصعيد السياسي التونسي، ويمكن أن نرجع ذلك إلى أسباب متعددة، أبرزها انفتاح الحركة على مدارس فكرية مختلفة، وعدم الاقتصار على الاقتباس من فكر جماعة الإخوان المسلمين فقط، بل وصل الأمر إلى استفادة الحركة من الأفكار الغربية المتعلقة بالمواطنة والحقوق والحريات.
وثمة سبب آخر يرجّح نجاح النموذج الإسلامي في تونس، هو الحسم المبكر للقضايا الفكرية المتنازع عليها حتى الآن في مصر. على سبيل المثال، لحركة النهضة فرقة موسيقية ومسرحية، تمثل المرأة فيهما عنصراً أساسياً، كما مثَّلت نصف مرشّحي حركة النهضة للمجلس التأسيسي.
السّبب الأخير يرجع إلى عقلية مؤسّسيها، فالأول هو راشد الغنوشي، والذي اتفقت أو اختلفت على شخصه، فإنه يعد أحد أبرز المفكرين الإسلاميين، وله مؤلفات عدة، ودرس في جامعة السوربون، والآخر هو عبد الفتاح مورو، سليل الطبقة الأرستقراطية المنفتحة على المجتمع الغربي. لقد مثَّل تفكيرهما سوياً ثورة على الثوابت والمسلمات، وفتح باباً مرناً للنقاش والوصول إلى حلول مرضية للمجتمع التونسية، ويمكن تطبيقها.
نعود إلى إخوان مصر، ونفكّر ملياً في ما تؤول إليه أوضاعهم دائماً، فنجد أن سبباً آخر من أسباب تعثرهم يرجع إلى اهتمامهم بالحشد من دون النظر إلى طبيعته. من وجهة نظرهم، أن يكبر التنظيم ويتخلَّل المجتمع المصري أهم بكثير من النظر في طبيعة المنضمين إليه.
الجماعة التي تصف نفسها بأنها المثال الوسطي الرشيد للإسلام السياسي تضمّ بين أطياف جماعتها عدداً كبيراً من المتشددين ودعاة العنف. وقد ظهر ذلك بسذاجة في العديد من المواقف، أبرزها القضية الأشهر في عهد مبارك، والمعروفة إعلامياً في العام 2006 بقضية ميليشيات جامعة الأزهر، وذلك في استعراض غير مبرر وغير مفهوم من الجماعة وقتها.
وأكبر دليل على عدم مصداقية وسطيتها، وتمكّن العنف والتشدد من طيات تنظيمها، هو المقامرة بمستقبلها ومستقبل أعضائها، عن طريق الدفع بهم في الشوارع، للدخول في مواجهات عنيفة مع الأمن والمواطنين، لنشر الفوضى، كردٍّ على توابع أحداث 30 حزيران/يونيو.
أيضاً، لا يمكن أن ننكر استقطاب الجماعة للتيارات الإسلامية العنيفة أو السلفية المتزمّتة دينياً، بهدف تبادل المصالح، وبالتالي لا يوجد موقف واضح ومحدد وصريح من جانب جماعة الإخوان تجاه تلك الجماعات والتيارات المتشددة، فهم بالنسبة إليهم إخوة، ولكن المنهج مختلف، ويتعاملون معهم بصفة "أنا وأخويا على ابن عمي!".
أضاعت جماعة الإخوان المسلمين في مصر فرصة ذهبية للانخراط في المجتمع المصري والاندماج مع طوائفه المختلفة إبان ثورة يناير. السلوك النفسي لدور الضحية الذي برعوا في تأديته على مر السنين، زرع في داخلهم رغبة انتقامية من الدولة العميقة التي حكمت على مدار عقود. انشغلت الجماعة في حروب لا طائل منها، وكانت بمثابة مناوشات لم تفلح حتى في الانتصار فيها.
لم تستغلّ الجماعة وصولها إلى الحكم لتعقد حالة تصالح مع كلّ المختلفين معها، وتبدأ كتابة عهد جديد، بل أصرّت بعد وصولها إلى السلطة على أن تبقى سرّية، ورفضت أن تقونن وضعها وتصبح جماعة شرعية وفق قوانين الدولة التي تحكمها، الأمر الّذي سهَّل مسألة تشويهها بشكل لا يخلو من مبالغة بأنَّها جماعة سرّية تحكم البلاد من وراء الستار، ولديها خطط "شريرة" لهدم الدولة والبقاء في السلطة إلى الأبد.
والسؤال الآن: هل للإخوان المسلمين والتيارات الإسلامية أيّ مستقبل سياسي في مصر؟ من وجهة نظري، الإجابة هي لا. إنَّ التنظيم الدولي للإخوان، بكل مبادراته وتنظيماته الكارتونية، كالمجلس الثوري و"أقباط ضد الانقلاب" و"نساء ضد الانقلاب" وغيرها، فشل في خلق جبهة معارضة خارجيّة قويّة قادرة على تغيير ما آلت إليه أوضاعهم في مصر. وزد على ذلك أنَّ النظام المصريّ لن يقبل بتقديم أيّ تنازلات لجماعة الإخوان المسلمين أو التصالح معها وفق امتيازات لصالحها.
وهنا يبرز سيناريو أعتقد أنّه مرفوض بالنسبة إلى الجماعة، وهو الاعتراف بالنظام الحاليّ واعتزال العمل السياسي مقابل الإفراج عن المعتقلين.
ختاماً، لن ينجح الإسلام السياسيّ في مصر أبداً ما دامت التيارات الإسلامية السياسية تفتقر إلى القدرة على دمج التقاليد الإسلامية بالحداثة السياسيّة.