العلاقات السورية - الخليجية إلى مزيدٍ من الانفتاح والتطوير
لا تزال إعادة تفعيل العلاقات الخليجية بسوريا في بدايتها، لكن يبقى أن تخفيف حدة التوتير ضروري جداً في الظروف الراهنة التي تمر فيها المنطقة عموماً، وفلسطين تحديداً.
لا ريب في أن الانفتاح العربي على سوريا آيل إلى مزيدٍ من التطور، وأن العلاقات الثنائية بين الدول العربية ودمشق آيلة إلى مزيدٍ من التفعيل والتعميق، في إثر تسارع التطورات المرتبطة بهذا الشأن.
هنا لا بد من الإشارة إلى عودة "الحرارة" إلى العلاقة المذكورة، بحسب ما تؤكد مجموعة من الأحداث التي برزت أخيراً، وخصوصاً الاتصال الذي أجري مؤخراً بين الرئيسين السوري بشار الأسد والمصري عبد الفتاح السيسي، وعرضا خلاله سبل تعزيز العلاقات العربية، ثم زيارة وزير الخارجية السورية فيصل المقداد للعاصمة السعودية الرياض في الأيام الفائتة، في إطار تعزيز العلاقات الثنائية بين المملكة السعودية ودمشق.
كذلك الأمر في شأن العلاقات الجيدة بين سوريا ودولة الإمارات العربية المتحدة، والتي تمضي قدماً إلى مزيدٍ من التطوير، وخصوصاً على الصعيدين الاقتصادي والتنموي. هذا على سبيل المثال، لا الحصر.
ولا ريب أيضاً في أن التطورات المذكورة آنفاً، هي منسجمة تماماً مع الأوضاع العربية الراهنة، والتي تتجه نحو تخفيض حدة الخلافات العربية، لمواجهة التحديات المستقبلية التي تواجه مصير المنطقة، وفي مقدمها ما ستؤول إليه الأوضاع في فلسطين بعد الحرب الصهيونية على غزة، والضغوط الأميركية على الدول العربية، من أجل دفعها إلى التطبيع مع "إسرائيل"، بسبب ما في ذلك من مصلحة اقتصاديةٍ - استراتيجيةٍ أميركيةٍ في إطار المواجهة بين الصين والولايات المتحدة، والتي تعمل على إمرار طريق "الهند- حيفا"، مروراً بالإمارات والسعودية، في مواجهة "خط الحرير" الصيني، أو "الحزام والطريق"، والذي يربط الصين وأوروبا والشرق الأوسط.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن من البديهي إعادة تفعيل العلاقات العربية بسوريا، وتحديداً الخليجية منها، ويجب أن تأتي قبل إقدام أي دولةٍ عربية على التطبيع" مع العدو الإسرائيلي.
لكن، يبقى السبب الأساس لإعادة الانفتاح العربي - الخليجي على سوريا، هو صمودها في الحرب الكونية المستمرة عليها، منذ نحو ثلاثة عشر عاماً، بوجوهها الإرهابية والاقتصادية والاجتماعية.
وها هي اليوم تستعيد علاقاتها الثنائية بالدول العربية وسواها، ودورها في المنطقة ايضاً. لقد انتقلت دمشق من دور "طالب القرب" إلى دور "العراب"، وخير دليل على ذلك نجاحها في تبريد الأجواء وإيجادها هامشاً للحوار بين أبو ظبي وحزب الله، بغية إطلاق معتقلين لبنانيين في الإمارات، بتهمة تشكيل خلايا للحزب في أراضي الأخيرة.
وفي هذا الإطار، تؤكد معلومات موثوق بها أن "أغلبية الدول العربية أبدت مرونة مقبولة لناحية إعادة تفعيل علاقاتها بدمشق". فهذا، من دون أدنى شك، انتصار ناجز لها. ولا ريب في أن هذا التطور قد يساهم في توحيد الموقف العربي بشأن القضايا المصيرية، وهذا ما يعني القيادة السورية، أي (وحدة الكلمة العربية)، ولا تهتم كثيراً بسائر التفاصيل، فلكل دولةٍ هامش خصوصيةٍ معيّن.
وتندرج في الأجواء الإيجابية التي تسود المنطقة، بل تأتي في مستهل هذه الأجواء، عودة العلاقات السعودية - الإيرانية، والسعودية - السورية، وكذلك السعودية - الروسية، بسبب ما لروسيا الاتحادية حضور في المنطقة وتأثير لمجريات الأحداث فيها، وذلك في إطار انتهاج المملكة سياسة "تصفير المشاكل" في المنطقة، استعداداً لمواكبة مستقبلها، الذي حتماً سيكون متبايناً عن الوضع الذي كان سائداً فيها منذ بدء الصراع العربي - الإسرائيلي في أربعينيات القرن الفائت حتى الساعة.
على رغم كل ما تقدم آنفاً، وتحديداً لجهة الانفتاح العربي على سوريا، فإن من غير المنطقي الإفراط في التفاؤل إلى حد القول: إن العلاقات السورية بالدول الخليجية عادت إلى ما كانت عليه قبل اندلاع الحرب على سوريا في منتصف آذار/مارس من عام 2011، وخصوصاً في ظل وجود "الفيتو" الأميركي - الغربي المرفوع في وجه اي دولةٍ تنوي إعادة "تطبيع العلاقات بدمشق".
لذا، لا تزال إعادة تفعيل العلاقات الخليجية بسوريا في بدايتها، لكن يبقى أن تخفيف حدة التوتير ضروري جداً في الظروف الراهنة التي تمر فيها المنطقة عموماً، وفلسطين تحديداً.
ومعلوم أن هذه الأجواء الإيجابية، وخصوصاً بين السعودية وإيران، تجري بما لا تشتهي السفن "الإسرائيلية" التي ساهمت بقوةٍ في زرع الشقاق في المنطقة. كذلك، إذا أراد النظام العربي المحافظة على ما تبقى من وجوده ونفوذه في المنطقة، فليس أمامه إلا الاستمرار في مزيد من الانفتاح على سوريا، وتعميق العلاقات بها، في ضوء ازدياد النفوذ التركي، والغطرسة الإسرائيلية فيها.