هل فشلت "صفقة القرن"؟ وما هي الخطّة البديلة؟
من الواضح أن مؤشرات قوة الرافضين لهذه الخطّة قد تُجبر الأميركي والإسرائيلي على الانتقال إلى الخطة "ج"، التي قد تهدف إلى ضمّ المستوطنات الصهيونية في الضفة الغربية وإبقاء المناطق الأخرى على حالها.
في الدّول الكبرى، لا تكون الخطط وليدة الساعة ولا السنة. وربما تبقى بعض الخطط مخفيّة عشرات السنين، في انتظار الظروف والأجواء التي تضمن نجاحها. وطبعاً، يتناسب زمن الانتظار والتحضير مع حجم الخطّة وما يمكن أن تُحدثه من تأثير.
من هذا المنطلق، فإنّ الخطة التي سُميت "صفقة القرن"، تحمل من الحجم والتأثير ما يستدعي التحضير لها لسنواتٍ طويلةٍ، لأنّها كفيلةٌ بتغيير وجه المنطقة، وربما العالم، من النقيض إلى النقيض، وذلك بحسب نجاحها أو فشلها.
ورغم أن هذه الخطّة الصهيوأميركيّة أُشبعت دراسةً وتحليلاً، ولكن تبقى بعض التساؤلات التي تراود البعض، وخصوصاً أن مساراتها تتغير بحسب قوّة مواجهتها. وهنا، سنحاول الإضاءة على حركة هذه الصفقة وفق ما نراه.
من الملاحظ أنَّ طرح "صفقة القرن" بشكلٍ علنيٍ أتى بعد انطلاقة ما سُمي "ربيعاً عربياً"، ليتبيَّن لاحقاً أنه الحامل الذي سيضع هذه الصفقة موضع التنفيذ، وليتأكَّد هدفه الأساسي المتمثل بتفتيت المنطقة، وتحييد كلّ من يمكن أن يعارض هذه الصفقة.
ولضمان نجاح هذا الربيع المزعوم، ولإبعاد الشّك عن هدفه الحقيقي، بدأ بدول المغرب العربي، ولكن العين كانت على سوريا ولبنان وإيران، وكان من المُفترض أن تتساقط أنظمة هذه الدول بشكلٍ سريعٍ، ولا سيما أن الأميركي قدّم نماذج عن أنظمةٍ سقطت بسرعةٍ وسهولةٍ، فقدّم ما حدث في كلٍّ من تونس ومصر نموذجاً لما سيحدث في سوريا، ولكنّ صمودها، والمساندة القويّة والفورية التي أتتها من إيران وحزب الله، والدعم الدبلوماسي، ولاحقاً العسكري، من روسيا، كلّ ذلك كان العامل الأول لفرملة هذه الصفقة، لأن أساس نجاحها هو القضاء على نظام الحكم في سوريا، ليأتي حكمٌ تكون أولى أولوياته السير في الركب الإسرائيلي، وهذا ما قاله قادة ما يُسمى بالمعارضة السورية بشكلٍ علني، وفي أكثر من زمانٍ ومكان، ومن ثم تأتي الخطوة الثانية، وهي القضاء على حزب الله في لبنان، وتنصيب حكمٍ يحذو حذو نظيره في سوريا.
ومن المعروف أنَّ لبنان يزخر بالكثير من الأحزاب والشخصيات التي كانت تعمل وتنتظر السقوط السوري، لتُكمل في لبنان خطوتها التالية. وبفشل هذا المشروع، أصبحت الصفقة ميتةً. ورغم ذلك، وجد الأميركي أن من الأجدى الإعلان عنها، مع قناعته بانتهاء صلاحيتها، ولكنّه كان يُعول على البناء عليها من خلال التهويل والتخويف.
وعند اقتناع الأميركيّ بفشل خطّته، قام بطرح خطّةٍ بديلةٍ "ب"، وهي تنفيذ قسم من "صفقة القرن". ولذلك، أوعز إلى الإسرائيلي بالإعلان عن نيته ضمّ الضفة الغربية وغور الأردن، الذي سيكون جزءاً من الوطن البديل للفلسطينيين.
وبطبيعة الحال، ما زال العمل قائماً لتنفيذ الخطّة "ب"، لتكون عاملاً في الانتخابات الأميركية المقبلة، رغم أن هذه الخطة تلاقي المُقاومة الكفيلة بإفشالها، كما تلاقي مُعارضةً من معظم دول العالم، بما فيها الدول الأوروبية.
ولعلّ المفاجأة التي لم يُحسب لها هي الرفض الفلسطيني والأردني، وربّما وقع الأميركيون في هذا المطب، نتيجة سوء تقدير أنظمة الخليج التي أقنعت الأميركي بأنها تستطيع شراء الموقفين الأردني والفلسطيني. وقد غاب عن ذهن المُخطِّطين أن النظامين في الأردن والضفة الغربية لن يستطيعا السير بهذه الخطّة، لأنّ مصير الأردن كدولةٍ سيكون حينها في مهبّ رياح التغيير الديموغرافي الذي يُعطي الأفضلية للفلسطينيين؟
أمّا في الضفة، فهناك الموقف القوي للفصائل المقاومة، مثل الجبهة الشعبية وفتح الانتفاضة وغيرهما من الفصائل التي خُدعت بأوسلو، ولن تسمح بخديعةٍ أخرى، ويبقى أملها بقاعدتها الشعبيّة العريضة، وبمحور المقاومة الذي لن يتردد في تقديم يد العون لها، ولا سيما أنها لم تزل تؤمن بالكفاح المسلح، ولم تزل ترى أن المقاومة هي الحل، ومحور المقاومة هو السند.
ويبقى الرهان الأميركي- الإسرائيلي لتنفيذ الخطّة "ب" مُتمثلاً بقدرتهم على التأثير في المنطقة، وبالدعم الخليجي والصمت المصري، ورهانهم الأهم على الأوضاع التي تمر بها إيران وسوريا والمقاومة اللبنانية، والتي يعتقد الأميركي واهماً بأنها ستحدُّ من قدرتهم على التصدي للمخطّطات الأميركية.
ومن الواضح أن مؤشرات قوة الرافضين لهذه الخطّة قد تُجبر الأميركي والإسرائيلي على الانتقال إلى الخطة "ج"، التي قد تهدف إلى ضمّ المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية وإبقاء المناطق الأخرى على حالها.
ختاماً، دعونا نُعارض رأي من يقول إن مصطلح صفقة هو مصطلحٌ خاطئ، لأن الصفقة تكون بين طرفين، بينما لا نجد هنا سوى طرف واحد، هو الأميركي- الإسرائيلي. هذا بحسب أتباع هذا الرأي، ولكن في رأينا، إن الطرف الآخر هو الأنظمة الخليجية التي تتسابق للتطبيع العلني مع الكيان الصهيوني.
ولعلّ الصفقة كانت تقتضي أن تساعد هذه الأنظمة على مرور "صفقة القرن"، بل وأن تُمولها وتدعمها، مقابل إبقائها على رأس الحكم. ودليلنا على كلّ ما سبق سؤالٌ إجابته معروفةٌ، وهو: بما أنَّ شعارات "الربيع العربي" ومطالبه كانت الحرية والعدالة والديموقراطية، فهل الترف في الحرية والعدالة والديموقراطية التي تعيشها شعوب الخليج هو الذي منع هذا الربيع من الوصول إلى تلك الممالك والمشيخات؟